كيف تؤثر الحروب في نفسية الأطفال؟ وما الذي يمكن فعله للتخفيف عنهم؟

5 دقائق
الحروب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: مع كل غارة جوية أو صاروخ أو رشفة رصاص، يتضاءل شعور الأطفال بالأمان والسلام، ويتفاقم خطر إصابتهم بالعديد من الاضطرابات النفسية. فكيف تؤثر الحروب في الصحة النفسية للأطفال؟ وما الذي يمكن فعله للتخفيف من وطأتها عليهم؟

عندما نتابع أخبار الحرب الدائرة هذه الأيام في فلسطين، سنجد أطفالاً يقفون مذعورين، عاجزين، لا يفقهون شيئاً مما يحدث حولهم، يرتجفون وسط الدماء والدمار، ولا تقيم هذه الحرب أي اعتبار لأرواحهم الغضّة التي ما زالت مملوءة بالحب الصرف والبراءة النقية.

وإن كنا عاجزين، نحن البعيدون، عن شرح أهوال الحرب لأطفالنا الذين يشاهدونها من خلف الشاشات، فما بال الأهالي الذين يحتضنون أطفالهم الآن وسط الخوف والموت؟ وما حال الأطفال الذين فقدوا أهاليهم أو رَأَوْهم يُقتَلون، أو أولئك العالقين تحت الأنقاض أو المصابين أو الهاربين من إطلاق النار؟ ما حالهم وكيف تتأثر نفسياتهم؟ إليك في هذا المقال كيف تؤثر الحروب في صحة الأطفال النفسية، وما الذي يمكن فعله للتخفيف من وزرها عليهم. 

اقرأ أيضاً: اضطراب الوسواس القهري لدى الأطفال

كيف تؤثر الحروب في الصحة النفسية للأطفال؟

يتعرض الأطفال، وهم أضعف أفراد المجتمع في كثير من الأحيان، إلى عواقب جسدية ونفسية وخيمة وطويلة الأمد عندما يعيشون تحت وطأة الحروب والنزاعات المسلحة، فقدراتهم المعرفية والعصبية ما زالت غير متطورة إلى الحد الذي يسمح لهم بإدراك ما يحدث؛ ما يجعلهم أكثر عرضة إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية، خصوصاً أن الكثيرين من الأطفال قد يحمّلون أنفسهم الذنب والمسؤولية تجاه ما يحدث وفقاً للاستشارية النفسية لمى عودة. وإن كانت الإصابة الجسدية واضحة جلية لا تُخفي نفسها، فإن الإصابة النفسية غالباً ما تظل خفية وغير مُكتشَفة. لذلك؛ إليك أهم آثار الحرب في الصحة النفسية للأطفال.

اقرأ أيضاً: التأخر العقلي البسيط عند الأطفال: الأعراض وخيارات العلاج

عدم الأمان والتوتر والضيق النفسي

يمكن لكل من الخوف المستمر وعدم القدرة على التنبؤ بالحرب أن يخلق شعوراً واسع النطاق بعدم الأمان والتوتر والضيق النفسي عند الأطفال، فيُظهِرون نتيجة هذه المشاعر مجموعةً واسعة من الاستجابات السريعة بوصفها ردود أفعال فورية. قد تظهر هذه الأعراض القصيرة المدى على هيئة مخاوف محددة، أو نوبات طويلة من البكاء، أو سلوكيات التشبث بالوالدين، أو عدم الاهتمام بالبيئة المحيطة، أو الانعزال، أو أعراض نفسية جسدية مثل آلام الرأس والصدر، وصعوبات التنفس، وغيرها، أو سلوكيات عدوانية.

ويؤكد مختص علم النفس التربوي، أحمد عويني، إن مزاج الطفل قد يتغير ويشعر بالحزن الدائم والخوف، وخصوصاً الخوف من النوم أو من الظلام. وأيضاً، قد تتأثر طريقة لعِب الأطفال بما اختبروه في الحرب، فقد تظهَر لديهم موضوعات مرضية؛ أي مفاهيم وعناصر مظلمة أو مزعجة في أفكار الطفل أو سلوكياته أو تعبيراته الإبداعية وطريقة لعبه، بالإضافة إلى توقف الطفل عن اللعب الخيالي وانسحابه اجتماعياً.

ومن الضروري أن نفهم أنّ تأثير الحرب في الأطفال لا يعتمد فقط على الأحداث الفعلية نفسها؛ وإنما أيضاً على طريقة إدراك الطفل لها وكيفية تقييمه وتفسيره لها؛ إذ يفسِّر كل طفل الأحداث ويدركها بطريقته الفريدة. بكلمات أخرى: تؤدي مشاعره وأفكاره وعواطفه الشخصية دوراً حاسماً في كيفية معالجة ما يحدث حوله والتفاعل معه، فما قد يشكِّل تجربة مؤلمة بالنسبة إلى أحد الأطفال قد يكون أقل إيلاماً بالنسبة إلى طفل آخر. وعلاوة على ذلك، تؤدي مرحلة نمو الطفل دوراً حاسماً في كيفية تفاعله مع الضغط الناتج من التعرض إلى الحرب والعنف، وينبغي تقييم ردود الأفعال هذه في سياق تطوره الاجتماعي والعاطفي والمعرفي. 

اقرأ أيضاً: التبول اللاإرادي لدى الأطفال: الأسباب والعلاج

القلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة

تبيَّن أن معدل انتشار الاضطرابات النفسية بين الأطفال في أثناء الحروب وبعدها يكون مرتفعاً مقارنة بعامة السكان. ويُعد اضطراب ما بعد الصدمة أحد أكثر الاضطرابات وضوحاً وشيوعاً في هذه الظروف، وهو حالة تتميز باجترار ذكريات الماضي، والانفعال، واليقظة الشديدة، والعدوانية أو التجنب، وصعوبات التركيز، ومشكلات النوم والكوابيس، والتراجع إلى سلوكيات أطفال أصغر من أعمارهم؛ مثل مص الإصبع أو التبول اللاإرادي. يمكن أن تكون هذه الأعراض منهِكة، وخصوصاً بالنسبة إلى الأطفال، فهم يمتلكون آليات تكيّف محدودة، وقد يفتقرون المفردات العاطفية للتعبير عن ضيقهم.

بالإضافة إلى ذلك، تُفاقِم الحرب خطر الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب. وجدير بالذكر إن هذه الاضطرابات قد تستمر بالحدوث حتى بعد انتهاء الصدمة بسنوات عديدة؛ إذ ليس النزاع المسلح وحده ما يؤدي إلى تطور هذه الاضطرابات؛ بل تؤثر أيضاً ظروف ما قبل الحرب ثم الحرب ثم متغيرات الأحداث بعدها في ظهور عوامل خطر مثل انخفاض الدعم الاجتماعي، والتهديد المتصوَّر للحياة، والانسحاب الاجتماعي، وضعف أداء الأسرة؛ ما يؤدي أحياناً إلى تفاقم خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة والاضطرابات النفسية الأخرى.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال

اختلال النمو الاجتماعي والعاطفي

اختلال النمو الاجتماعي والعاطفي للطفل نتيجة مهمة أُخرى للحرب، فمن المفترض أن ينمو الأطفال في بيئات رعاية تعزز نموهم العاطفي؛ مثل تكوين ارتباطات آمنة مع مقدمي الرعاية، وتعلُّم التعاطف من خلال التفاعلات الاجتماعية الإيجابية. ومع ذلك، يمكن للحرب أن تعطِّل هذه العمليات الحاسمة. الأطفال الذين انفصلوا عن آبائهم، أو شهدوا وفاة أحد أحبائهم أو إصابته، أو أُجبروا على الفرار من منازلهم، قد يواجهون آثاراً سلبية في نموهم الاجتماعي والعاطفي ورفاههم وصحتهم النفسية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تتغير أساليب التربية في غضون الحرب؛ إذ إن أحوال الآباء والأمهات النفسية السيئة في أثناء هذه الظروف، أو أساليبهم غير الصحيحة أو السلبية، قد تؤدي إلى زيادة مستويات الضيق عند الأطفال، ناهيك بأن فقدان الوصول إلى التعليم في أثناء الحرب يمكن أن يؤثر بشدة في الصحة النفسية للطفل ونموه العام، فالتعليم ليس مصدراً للمعرفة فحسب؛ بل هو أيضاً مكان ينمّي فيه الطفل المهارات الاجتماعية والشعور بالانتماء والأمل في المستقبل. لذلك؛ عندما تتعطل المدارس أو تُدمَّر، ولا يتمكن الأطفال من التعلُّم، فإنهم يفقدون هذه الفرص التنموية المهمة؛ ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب طويلة المدى مثل انخفاض الرفاهية العامة، وتراجع فرص العمل مستقبلاً.

إلى جانب التأثير المباشر للصدمات المرتبطة بالحرب، غالباً ما يواجه الأطفال في مناطق الحرب انعدام الأمن الغذائي، والنزوح، ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية. ويمكن أن تؤدي هذه الضغوط إلى تفاقم تحديات الصحة النفسية التي يواجهونها بالفعل، ناهيك بأن أطفالاً كُثُر قد يضطرون إلى المشاركة في أعمال العنف ورؤية فظائعها عن قرب، فيعانون ضائقة نفسية شديدة، وقد يطوِّرون سلوكيات عدوانية ومعادية للمجتمع.

اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن التأتأة عند الأطفال

6 طرائق للتخفيف من آثار الحرب في الصحة النفسية للأطفال

يتطلب الحدّ من تأثير الحرب في الصحة النفسية للأطفال اتباع نهج متعدد الأوجه، يشارك فيه كلٌ من الآباء والمجتمعات والمتخصصون في الصحة النفسية، وفيما يلي بعض الاستراتيجيات الأساسية للمساعدة على التخفيف من آثار الحرب في الصحة النفسية للأطفال:

  • المساعدة والتدخل الفوري: إعطاء الأولوية للمساعدات الإنسانية الفورية لتلبية الاحتياجات الفيزيولوجية وتحقيق السلامة الأساسية للأطفال، وتوفير الغذاء والمأوى والمياه والرعاية الصحية بطريقة آمنة ومراعية للبيئة الثقافية. بالإضافة إلى إنشاء مناطق وملاجئ آمنة، وتقديم الإسعافات الأولية النفسية للحد من الضيق النفسي الأولي بعد الصدمة، وتوفير مساحات آمنة للعب والتعبير عن عواطفهم، والحفاظ على روتين يومي يوفر إحساساً بالاستقرار.
  • تقديم الدعم النفسي للوالدين: يُعد دعم الوالدين ومقدمي الرعاية أمراً بالغ الأهمية أيضاً؛ إذ يمكن أن يؤدوا دوراً حيوياً في مساعدة الأطفال على تجاوز الآثار النفسية للحرب، وذلك عبر تقديم الدعم العاطفي والدفء لأطفالهم. لذلك؛ على الأهالي رعاية أنفسهم والتخفيف من انفعالاتهم قدر المستطاع، وإجراء مناقشات صادقة ومفتوحة ومناسبة لعمر الأطفال عن الحرب؛ لأن توفير مساحة آمنة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم وطرح الأسئلة، قد يساعدهم على معالجة مشاعرهم، ويمكن أيضاً شرح خطة الطوارئ للأطفال، وإشراكهم في إعداد حقيبة الطوارئ. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للآباء التعرف إلى أعراض المشكلات النفسية عند الأطفال، وعدم إهمالها، وطلب مساعدة المختصين النفسيين عند القدرة على ذلك.
  • تقييم احتياجات الصحة النفسية للأطفال: تقييم احتياجات الصحة النفسية للأطفال عبر الفحص المناسب باستخدام الاختبارات المعتمدة، لتحديد مدى تضرر الصحة النفسية والدعم المطلوب.
  • توفير التدخلات والأساليب العلاجية المناسبة: تقديم علاجات قائمة على الأدلة المصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات المحددة لكل طفل. وبالطبع، ينبغي تدريب المتخصصين في الصحة النفسية في مناطق الحروب على تقديم الرعاية المتخصصة للأطفال المتضررين، وهذا قد يشمل العلاج الذي يركز على الصدمات، والعلاج باللعب، والتثقيف النفسي، والتدريب على آليات التأقلم الصحية، وغيرها من التدخلات المناسبة حسب العمر.
  • خلق بيئات داعمة بعد الهجرة: تحسين الظروف المعيشية للاجئين والأطفال النازحين؛ لأن الظروف المعيشية السيئة يمكن أن تُفاقم مشكلات الصحة النفسية. وعلاوة على ذلك، تنبغي معالجة ضغوط ما بعد الهجرة، وتعزيز التفاعل الاجتماعي، وتوفير التعليم لتعزيز رفاهية الأطفال.
  • دعم الأطفال المتأثرين تأثراً غير مباشر: لا تؤثر الحرب فقط في الأطفال الذين يتعرضون إليها تعرضاً مباشراً؛ ولكن أيضاً في الأطفال الذين يتابعون أخبارها على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. لذلك؛ ينبغي توضيح ما يحدث لهؤلاء الأطفال بشرط الموازنة ما بين حقيقة الموقف والسلامة العاطفية.

وختاماً، يُشار إلى ضرورة حماية الأطفال من المحتوى الإعلامي القاسي قدر الإمكان، وتوفير الفرص المناسبة لهم للتعبير عن مشاعرهم، وتشجيعهم على أعمال الدعم والتطوع والتبرع للأطفال المتأثرين من أجل إعطاء معنى لضغطهم النفسي.

المحتوى محمي