ملخص: متلازمة كوفاد هي حالة يُصاب فيها الرجال بأعراض شبيهة بأعراض الحمل، وهي حالة مثيرة للاهتمام تكشف مدى التغيّرات النفسية والبيولوجية التي يمكن أن تصيب الرجال خلال مرحلة الانتقال إلى الأبوّة. فما أبرز أعراض هذه الحالة؟ ولماذا تحدث؟ هذا ما ستتعرّف إليه في هذا المقال.
محتويات المقال
هل يمكن أن يتعرّض الرجال إلى أعراض شبيهة بأعراض الحمل؟ نعم بالفعل، وهي حالة تُدعى "متلازمة كوفاد" (Couvade syndrome)، ولها مسميّات أخرى مثل "متلازمة نفاس البعل". وعلى عكس الشائع، التغيّرات الهرمونية والقلق بسبب المولود الجديد ليست مجالاً تحتكره المرأة؛ لأن الأبوة تغيّر بالفعل هويّة الرجل وعواطفه، وحتى هرموناته، سواء أكان ذلك استجابة تعاطفية مع أعراض زوجته أم خوفاً على طفله القادم. وعلاوة على ذلك، قد تشير هذه الحالة إلى تفسيرات أخرى يؤكّدها الباحثون الذين أشرفوا على دراسة شملت آباء أردنيين، سنتعرّف إلى تفاصيلها المثيرة من خلال هذا المقال.
ويؤكّد استشاري الطب النفسي، أسامة النعيمي، إن الرجل قد يتعرّض بالفعل إلى اضطرابٍ هرموني ملحوظ خلال حمل زوجته يظهر على هيئة أعراضٍ شبيهة بأعراض الحمل؛ مثل اكتساب الوزن وألم الأسنان والشعور بالغثيان الصباحي. أمّا فيما يخص التفسيرات المحتملة للأعراض النفسية، فيرى بعض الخبراء أن الأمر قد لا يتعلّق بالتعاطف بقدر ما هو محاولة لمنافسة الزوجة في حملها والحصول على الاهتمام أيضاً. لكنّ أسامة النعيمي رجع وأكّد إن الرجال الأكثر عرضة إلى الإصابة بأعراض الحمل التعاطفي هم من يتشاركون رابطة عاطفية قويّة مع زوجاتهم.
ماذا تعني متلازمة كوفاد أو الحمل التعاطفي؟
ظهر مصطلح "كوفاد" (Couvade) لأوّل مرّة في كتابٍ لعالم الأنثروبولوجيا البريطاني، إدوارد تايلور (Edward Tylor)، في عام 1865، وهو مشتقّ من الكلمة الفرنسية (Couver) التي تصف احتضان الدجاجة للبيض حتى يفقس؛ حيث كشفت نتائج أبحاث قام بها تايلور أن بعض الرجال تظهر لديهم أعراض تشبه أعراض الحمل طوال فترة حمل زوجاتهم وقد تستمرّ أحياناً إلى ما بعد الولادة. وأَرجع تلك الأعراض إلى مشاعر التعاطف مع حالة الزوجة. وتعبّر المصطلحات التالية: "الحمل التعاطفي" (Sympathetic Pregnancy)، و"الحمل المتعاطف"، و"متلازمة نفاس البعل"، عن متلازمة كوفاد.
ويوضّح الطبيب النفسي، محمد الخواجا، إن ظهور أعراض الحمل عند الرجال بالتزامن مع وقت حمل زوجاتهم يُشير إلى ترابطٍ عاطفي مع الزوجة الحامل ومع المولود القادم؛ حيث تبدأ الأعراض الظهور غالباً في نهاية الشهر الأول من حمل الزوجة. وقد يظهر بعض من العلامات التالية -وفقاً له- لدى الرجل المصاب بمتلازمة نفاس البعل: آلام البطن، والانتفاخ في المعدة والصدر، وآلام الظهر، والخمول، والغثيان الصباحي، وآلام الأسنان، والشهيّة الزائدة لتناول الطعام، وتقلبات المزاج، والقلق والتوتّر، وضعف التركيز والذاكرة.
وعلى الرغم من أن الأبحاث تشير إلى شيوعها، فمن المهم معرفة أن متلازمة كوفاد هي حالة غير معترفٍ بها بوصفها مرضاً رسمياً أو حالة نفسية مُدرجة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). لذلك؛ قد يجد البعض صعوبات في الحصول على المساعدة اللازمة بسبب صعوبة تشخيصها، أو تحديد ما إذا كانت أعراضها نفسية جسدية أو لا.
ما الأسباب المحتملة للإصابة بمتلازمة كوفاد؟
ما تزال الأسباب الدقيقة وراء الإصابة بمتلازمة كوفاد غير مؤكّدة؛ لكن ثمّة نظريات مختلفة تشير إلى إسهام عوامل مختلفة محتملة. حيث يقترح الخبراء أن ثمة عوامل نفسية؛ مثل القلق أو عدم الأمان بشأن الأبوة الوشيكة، يمكن أن تؤدّي إلى الإصابة بهذه الأعراض.
وعلاوة على ذلك، قد يواجه الرجال إحساساً متزايداً بفقدان رجولتهم، أو أنهم لم يعودوا مركز اهتمام زوجاتهم، أو استُبعدوا وأُهملوا؛ ما يزيد احتمالية ظهور تلك الأعراض. أما على الصعيد البيولوجي، من الممكن أن يسهم بعض التغيّرات في مستويات الهرمونات لدى الرجال؛ مثل زيادة إنتاج هرمون البرولاكتين (Prolactin) الذي يحفز الرضاعة وإنتاج حليب الثدي، أو انخفاض هرمون التستوستيرون، بوصفها ردود أفعال تعاطفية مع حمل الزوجة، في الإصابة بأعراض شبيهة بأعراض الحمل.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدّي العوامل الاجتماعية المتمثّلة في دور الرجل وتصوّراته فيما يتعلّق بالحمل والولادة، دوراً آخر محتملاً؛ إذ يتبنّى الرجل الدور الأنثوي التقليدي استجابةً إزاء مرحلة الانتقال إلى الأبوة؛ ما يسمح له بالتكيّف مع المشاعر المرتبطة بدوره الجديد، ويمكّنه من فهم ما تمرّ به شريكته على نحو أفضل، فيزيد تعاطفه معها وقدرته على الاستجابة إلى احتياجاتها. وتستمّر التفسيرات المحتملة التي يعطيها الخبراء لحالة الحمل التعاطفي لدى الرجل والتي يستند بعضها بالفعل إلى نتائج أبحاث سابقة؛ كالتالي:
- رغبة الرجل في المشاركة الجسدية في حمل شريكته.
- الرغبة في التعبير عن القلق والمخاوف بشأن صحة المولود القادم، أو القلق بشأن المسؤولية تجاه فرد جديد في الأسرة، أو عدم معرفة كيفية الاعتناء بمولود جديد.
- شعور الحسد أو الغيرة بسبب قدرة الزوجة على حمل طفل.
- تغيير النظام الغذائي للأسرة إذا كانت الأم الحامل من يقوم بالطهو؛ ما قد يؤدي إلى زيادة الوزن وزيادة الاحتياجات الغذائية لدى الرجل.
اقرأ أيضاً: تعبت من الشعور بالتعب؟ الأعراض والأسباب وخيارات العلاج لمتلازمة التعب المزمن
ما أبرز أعراض الحمل التعاطفي عند الرجل؟
تتّسم متلازمة كوفاد أو الحمل التعاطفي غالباً بأعراضٍ شبيهة بأعراض الحمل؛ مثل زيادة الوزن، والرغبة الشديدة في تناول الطعام. وتشمل الأعراض النفسية القلق، والاكتئاب، واضطرابات النوم، والأرق، والتغيّرات في الرغبة الجنسية. وفي الوقت نفسه، قد يظهر بعض الأعراض الجسدية مثل الغثيان، والقيء، وحرقة المعدة، وآلام البطن، والانتفاخ، وتغيّر الشهية، وآلام الظهر، والانزعاج على مستوى الأعضاء التناسلية أو البولية. ومن المثير للاهتمام أن ألم الأسنان هو أيضاً عرض شائع؛ ما يجعل متلازمة كوفاد السبب المحتمل الأول عندما يشكو الرجل من ألم الأسنان حين تكون زوجته حاملاً.
متلازمة كوفاد لدى الآباء الأردنيين
في دراسةٍ نُشرت عام 2018، أشرف عليها باحثون من الجامعة الهاشمية (Hashemite University) في الأردن، أظهرت النتائج أن الآباء الأردنيين الذين ينتظرون مواليدهم أظهروا تزايد أعراض متلازمة كوفاد بمعدّل 59.1%؛ وهو أعلى معدّلٍ ملحوظ مقارنةً بنتائج أبحاثٍ سابقة من مختلف الثقافات راجعها الباحثون، وأظهرت أيضاً أن بعض الآباء قد يخضعون إلى تغيّرات فيزيولوجية ونفسية خلال حمل زوجاتهم.
واستخدم الباحثون في هذه الدراسة بياناتٍ حول صحة الرجال في أثناء حمل زوجاتهم من 3 مراكز لرعاية صحة الأم والطفل في المستشفيات العامة، وشملت 449 مشاركاً. ويمكن أن يُعزى هذا المعدّل المرتفع في أعراض متلازمة كوفاد، وفقاً للدراسة، إلى رغبة الرجال الأردنيين القويّة في إنجاب الأطفال في وقت مبكّرٍ من الزواج والتزامهم العميق بالحياة الأسرية.
اقرأ أيضاً: متلازمة بيكا: لماذا يأكل البعض الطين والطباشير؟
كيف تغيّر متلازمة كوفاد المفاهيم الخاطئة حول الأبوة؟
يُنظر إلى الآباء دائماً على أنهم من يقدّمون الحماية للأسرة ويرعون احتياجاتها المادية، ولا يشاركون في شيءٍ في أثناء حمل وولادة زوجاتهم؛ غير أن حالة مثل متلازمة كوفاد قد تثبت عكس هذا المفهوم الشائع والصورة النمطية المنتشرة عن دور الرجل التقليدي. هذا التحوّل في المفاهيم يوضّح رغبة الآباء المتزايدة في الانخراط النشط مع زوجاتهم ومشاركة أعباء الحمل والولادة.
يمكن أن تشمل هذه المشاركة حضور المواعيد والاستشارات الطبية ما قبل الولادة، والمشاركة في الولادة، وتجربة التواصل الجسدي مع الأطفال الحديثي الولادة بعد وقت قصير من الولادة. لذلك؛ قد تؤدّي المشاركة الطوعية في جعل الآباء أكثر وعياً بأي أعراض مرتبطة بالحمل قد يعانونها هم أنفسهم أو زوجاتهم.
هل هناك علاج لأعراض الحمل التعاطفي؟
يشير الطبيب النفسي، محمد الخواجا، إلى أن العلاج الفعّال لحالة الحمل التعاطفي هو ولادة الزوجة، فلا يوجد علاج محدّدٌ للأعراض التي يعانيها الرجال في أثناء حمل زوجاتهم؛ ولكن يمكن لمقدمي الرعاية الصحية المساعدة على تخفيف بعض الانزعاجات، ويبقى الاعتراف بمتلازمة كوفاد بوصفها ظاهرة شائعة، واحداً من السبل لتخفيف أعراض القلق والمخاوف حولها، وتسهيل التواصل المفتوح بين الأزواج.
اقرأ أيضاً: الحقيقة وراء متلازمة ستوكهولم وكيفية تأثيرها في علاقاتك
في النهاية، على الرغم من الأسباب غير المؤكّدة للإصابة بأعراض متلازمة كوفاد أو الحمل التعاطفي، تُظهر هذه الحالة التفاعل المعقّد بين الاستجابات الجسدية والعاطفية لدى الآباء خلال حمل شريكاتهم. وتُعدّ الدراسات والأبحاث التي اكتشفت شيوعها في مختلف الثقافات تأكيداً لأهميتها، واعترافاً بالروابط الأسرية العميقة التي يمكن أن تجمع بين الأزواج.