ملخص: قد يبدو الأمر مبالغاً فيه؛ إلا أن هناك أفراداً يكرهون كل مَن حولهم؛ بل حتى أنهم يكرهون البشر جميعاً. هل سبق لك أن مررت بتجارب مع أشخاص يحملون مثل هذه الكراهية؟ أو ربما تكنها أنت للآخرين؟ حسناً، إنها المسنثروبيا، وإليك ما تود معرفته عنها.
محتويات المقال
هل شعرت يوماً أن العالم مليء بالأشخاص المزعجين والأنانيين؟ هل تتمنى أحياناً العيش على جزيرة مهجورة بعيداً عن فوضى المجتمع وضجيجه؟ في الحقيقة، قد يكون من الطبيعي ألا تستلطف الناس من حولك كلهم، ولعلك الآن تستحضر بعض الأسماء في مخيلتك؛ لكن إذا تجاوزت مشاعرك ذلك إلى حد الشعور بكراهية الناس جميعاً، فقد تكون شخصاً كارهاً للبشر أو الإنسانية، وتعاني المسنثروبيا (Misanthropy).
فما الذي يسبب هذه الكراهية الشديدة للآخرين؟ هل هي سمة شخصية أم اضطراب نفسي؟ وكيف نتعامل مع الحالة بطريقة صحيحة؟ لنتعرف معاً إلى هذا المفهوم.
ما هو مفهوم المسنثروبيا (Misanthropy)؟
المسنثروبيا (Misanthropy) كلمة يونانية الأصل تتكون من مقطعين؛ (misein) ويعني "الكراهية"، و(anthrōpos) ويعني "إنسان"؛ أي إنها كراهية الإنسان أو الإنسانية. وقد خصّ أفلاطون المصطلح بالأفراد المثاليين؛ أي الذين يتبنون مُثلاً أخلاقية عليا تتفوق على معايير المجتمع من حولهم؛ ما يؤول بهم إلى الشعور بخيبة الأمل ومن ثَمّ كره مَن حولهم. ويمكن القول إن المسنثروبيا بمعنىً أساسي، هي موقف سلبي تجاه البشرية جمعاء، والمُبغِض أو الكاره (Misanthropic)، هو الشخص الذي يتبنى مثل هذا الموقف.
أما في علم النفس، لا يُعد كره البشرية اضطراباً نفسياً مثل الفصام أو الاكتئاب، ولا سلوكاً دائماً، ناهيك بأنه غير متعلق بالرهاب الاجتماعي؛ إنما هو سمة شخصية وطريقة تفكير مبينة على أساس التجارب السلبية؛ أي إن المسنثروبيا حالة يمكن عكسها نظرياً.
اقرأ أيضاً: هل أخلاق الناس تتدهور فعلاً؟ دراسة علمية تجيب
ما الأسباب النفسية التي تجعلنا نكره البشر؟
لا يولد الإنسان وهو يشعر بالكره للآخرين؛ بل يطوّر هذا الموقف السلبي خلال حياته نتيجة أسباب مختلفة أهمها:
- التجارب السيئة: عندما يمرّ أحدهم بتجربة سيئة في أي مرحلة عمرية، ويراكم أثرها داخله عوضاً عن حل المشكلة، فسينتهي الأمر به إلى ربط هذه المشكلة مع عامة الناس. يتضمن هذا التعنيف الجسدي والنفسي، أو التجارب المؤلمة مثل البيئة المضطربة التي مزقتها الحرب. لنقل إنك تعرضت إلى التنمر عندما كنت طفلاً، فقد يؤدي هذا إلى تعميمك الاعتقاد بأن كل شخص في العالم سيئ ولا أحد يحبك أو يكن لك الاحترام؛ ما يدفعك إلى كراهية البشر جميعاً.
- التشاؤم: أن تعتبر نفسك أحد الخاسرين، وتنظر إلى "نصف الكأس الفارغ"، قد يسهم في تطور موقف كاره للبشر.
- التوقعات العالية للإنسانية: عندما يتمتع الفرد بأخلاق عالية، فإنه يتوقع معاملة مماثلة، ومستوى الأخلاق ذاته من الآخرين. لكن الحياة ليست بتلك المثالية التي يتوقعها؛ لذا غالباً ما يُصاب بخيبة الأمل واليأس من البشر فيكوّن كرهاً عميقاً للإنسانية.
- التوتر: يؤدي التوتر المزمن إلى نوبات غضب وذعر، وفي بعض الحالات، تتحول مشاعر القلق هذه إلى شعور عميق بالكره للجميع.
- الشخصية الانطوائية: قد يكون التواصل الاجتماعي مرهقاً عاطفياً بالنسبة إلى صاحب الشخصية الانطوائية، وقد يثير في بعض الأحيان الكراهية للأشخاص خارج منطقة الراحة الخاصة به.
- الاختلافات الأيديولوجية: يؤدي اختلاف المعتقدات والقيم، الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، إلى خلق جبهات، ويولد شعوراَ بالغضب تجاه الأضداد. تؤكد عالمة النفس كريستين فاريل تورنر (Kristen Farrell Turner): "إن عقلية "نحن ضدهم" قد تثير مشاعر الغضب والكراهية".
علامات المسنثروبيا: كيف تعرف أنك كاره للبشر؟
إذاً إن بُغض البشر أكثر من مجرد تجنّب للآخرين؛ إنه شعور عميق بالكراهية لهم. لذا؛ حتى تتمكن من تحديد ما إذا كانت كارهاً للبشرية أو مجرد انطوائي محب للعزلة، يمكنك البحث عن العلامات التالية التي حددتها الطبيبة النفسية كارول مورغان (Carol Morgan) للكارهين للبشر:
- يتمتع الكارهون للبشر عامة بحس أكثر من الأشخاص المحيطين بهم.
- يكرهون الدراما.
- غالباً ما يكونون انطوائيين، ويتجنبون الاجتماعات، ويحافظون على مساحة شخصية كبيرة.
- يحبون الترفيه على الإنترنت مثل مشاهدة الأفلام؛ لكن لا يتفاعلون على وسائل التواصل الاجتماعي.
- لا يتحملون الأطفال.
- لا مانع لديهم من الإساءة إلى الآخرين ومهاجمتهم كلامياً أو السخرية منهم.
- يشعرون بحالة غضب مستمرة.
- يعانون صعوبة في تكوين الصداقات.
- يدعمون السياسات الاستبدادية أو قمع الحريات السياسية والدينية.
- يستمتعون بمشاهدة الناس وليس التفاعل معهم.
اقرأ أيضاً: ما السمات المشتركة بين الشخصية العدوانية والشخصية السيكوباتية؟
ما آثار الشعور بالكراهية للبشر؟
باعتبارنا نحن البشر كائنات اجتماعية، فإننا نتطور من خلال الروابط والعلاقات مع الآخرين؛ بما فيها العلاقات مع الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل والمعارف. لذا؛ فإن إن إخفاء المشاعر السلبية مثل الكراهية يمكن أن يخلق آثاراً نفسية وجسدية.
الآثار النفسية للمسنثروبيا
على الرغم من أن المسنثروبيا لا تُعد اضطراباً أو مرضاً نفسياً، فإنها قد تسبب ضغطاً عاطفياً، أو تكون أحد أعراض مرض نفسي كامن. وعلى وجه العموم، يرتبط كره البشرية بأعراض نفسية مثل:
- الإصابة بالخرف، فوفقاً لبحث نُشر في مجلة علم الأعصاب (Neurology)؛ فإن أولئك الذين لديهم أفكار كارهة للبشر هم الأكثر عرضة إلى الإصابة بالخرف.
- العزلة والاستبعاد الاجتماعي باعتبار كاره البشر لا يرغب في قضاء الكثير من الوقت مع الآخرين.
- ترتبط العزلة بزيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب والشعور بالإحباط.
- تضاؤل خيارات التكيف المعرفية والعاطفية، لاستبعاد التواصل والتعاطف مع الاخرين.
- معاناة نوع ما من اضطراب القلق الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: كيف تفرّق بين العزلة والوحدة؟ وما طرق المواجهة الممكنة؟
الآثار الجسدية للمسنثروبيا
الكراهية عاطفة على درجة عالية من التطرف والسلبية، وغالباً ما تترافق مع الغضب وتدفع صاحبها إلى سلوكيات غير صحية لقمعها؛ مثل:
- تناول الأطعمة العالية الكربوهيدرات التي تمنح شعوراً مؤقتاً بالراحة إلا أن لها مخاطرَ مضرة بالصحة.
- شرب الكحوليات والتدخين.
- الانسحاب من الأنشطة الصحية مثل ممارسة الرياضة والتجمعات العائلية أو قضاء الوقت مع الأصدقاء.
- تفعيل استجابة الكر أو الفر (Fight or Flight Response) في الجسم بصورة متواصلة، وتُشير المختصة النفسية دارين العمرجي إلى أن استجابة الكر أو الفر المرتفعة، تؤدي إلى ارتفاع الأدرينالين والإصابة بالقلق المزمن المترافق مع آلام القولون والصداع وتسارع ضربات القلب. على وجه العموم، يسبب القلق المزمن الالتهاب الجهازي ويؤثّر في الصحة العامة بأعراض مثل:
- تلف الأوعية الدموية والشرايين.
- زيادة ضغط الدم وخطر الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
- زيادة الشهية، فتتراكم الأنسجة الدهنية وزيادة الوزن، ويزيد تخزين العناصر الغذائية غير المستخدمة مثل الدهون.
كيف تتغلب على كرهك للبشر؟
مع كل ما تحمله الكراهية من مشاعر مزعجة، فإن كارهي البشر غالباً ما يشعرون بالحاجة إلى تغيير تصوّرهم ومشاعرهم تجاه الآخرين. وعلى الرغم مما قد يحمله ذلك من صعوبات، فإنه ممكن الحدوث. إليك بعض النصائح للتغلب على كراهية البشر:
-
كن واعياُ لموقفك الكاره للبشر
في الواقع، تتفاوت درجات الكراهية للبشر بين الأفراد المصابين بالمسنثروبيا؛ فبينما قد يكره البعض فئة محددة، قد يبغض البعض الآخر البشر جميعاً. لذا؛ عليك بتحديد موقعك من خلال التعرف إلى مشاعرك وشدتها وتصنيفها على نحو موضوعي.
-
تجنَّب التعميم
أصابعك ليست متماثلة وكذلك البشر من حولنا. لذا؛ فإن التعميم قد يكون مجحفاً بحقك وحق الآخرين. تنبغي لك محاولة تغيير نظرتك إلى مَن حولك، وإقناع نفسك بوجود سمات إيجابية في الإنسانية. ابدأ بالبحث في بيئتك أو مكان عملك أو حتى عبر الإنترنت عن الأخبار الجيدة، وما إن تكتشف بعض الجوانب الإيجابية فيمن حولك، حاول تدوينها لتصبح أكثر وعياً واقتناعاً بحقيقتها.
-
تحمَّل المسؤولية
من السهل إلقاء اللوم على الآخرين بخصوص أي شعور يراودك؛ لكن ذلك لن يزيدك سوى كرهاً وبغضاً للبشر. لذا؛ حاول أن تتحمل مسؤولية إسهامك في ذلك الشعور.
-
أحِط نفسك بأناس إيجابيين
مهما كنت تحمل في قلبك من كره للآخرين، فإن هناك شخصاً واحداً على الأقل يمكنك تقبُّله والتعايش معه. حاول أن تحيط نفسك بهذا الشخص وكل من يؤدي دوراً مشابهاً في حياتك، مهما كان حجم ذلك الدور صغيراً؛ لأنهم يستطيعون تغيير قناعاتك ومعتقداتك بأن البشر سيئون ومزعجون.
اقرأ أيضاً: لماذا يكره البعض نجاح الآخرين؟ وكيف تتخلص من هذا الشعور؟
-
اطلب مساعدة المختص
نظراً إلى أن المسنثروبيا ترتبط ببعض الأسباب النفسية من حيث الأسباب أو النتائج؛ فقد لا تكون قادراً على إدارة كرهك للبشر لوحدك، وتحتاج إلى مساعدة الطبيب النفسي.