لماذا نرى أنفسنا في حياة بعض الأبطال السينمائيين؟ وهل يشكل ذلك خطراً علينا؟

4 دقائق
الارتباط بين الجمهور والشخصيات السينمائية الخيالية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: عندما تشاهد فيلماً سينمائياً فإنك تقضي في الغالب وقتاً ممتعاً لا يخلو من التسلية والتذوق الفني؛ لكن هذه الفرجة قد تتجاوز أحياناً جدران القاعة السينمائية وتتحول إلى تأثّر بأبطال هذه الأفلام إلى درجة توقظ في النفوس بعض الذكريات والشجون. فما أسباب ظاهرة الارتباط بين الجمهور والشخصيات السينمائية الخيالية؟ وما نتائجها وأخطارها المحتملة؟ يجيبك هذا المقال عن هذه الأسئلة ويقدم لك تفسيرات علمية.

بمناسبة الدورة التاسعة والأربعين من مهرجان السينما الأميركية بدوفيل بفرنسا الذي انعقد من 1 سبتمبر/ أيلول إلى العاشر منه، نعود إلى تناول موضوع الارتباط بين الجمهور والشخصيات السينمائية الخيالية على هامش هذا المهرجان الذي تُعدّ مجلة بسيكولوجي من بين شركائه.

كيف يرتبط الجمهور بالشخصيات السينمائية الخيالية؟

شخصيات سينمائية من قبيل جويل باريش المكتئب في فيلم "الإشراقة الأبدية لعقل طاهر" (Eternal Sunshine of the Spotless Mind)، أو نولا دارلينغ المرأة المستقلة إلى الأبد، أو سارة غولدفارب الغريبة الأطوار التي تغرق في إدمانها في فيلم "مرثية حلم" (Requiem for a Dream)، أو الرجل المثالي كسير القلب توم هانسن في فيلم "500 يوم معاً" ((500) jours ensemble)، أو الشابة المتألقة أوليف هوفر في فيلم "ملكة جمال أطفال سنشاين" (Little Miss Sunshine)؛ كلها تركت أثراً خالداً في نفوس بعض المشاهدين.

وإذا كانت السينما تقترح تشكيلة من الشخصيات الخيالية لخدمة حبكة الفيلم فإنها تخلق في الجهة الأخرى من الجدار الرابع تعلّقاً حقيقياً للمشاهدين بهذه الشخصيات. كيف يمكن إذاً تفسير هذا الارتباط بين الجمهور والشخصيات السينمائية الخيالية؟

السينما مرآة الواقع

سواء أكانت السينما واقعية أم لا، فبإمكانها دائماً أن تعكس الواقع ولو جزئياً. تقول الطبيبة النفسية مارين كولومبيل (Marine Colombel): "عادة ما نشاهد الفيلم كأنه منفصل عن واقعنا لكن هذه النظرة خاطئة، فالأفلام السينمائية تُكتب للتأثير في المشاهدين؛ إنها نظام رمزي ينشئ فيه المخرجون سمات شخصية ومواقفَ للتأثير في الجمهور".

ويمكن للمشاهد في أثناء العرض أن يتماهى مع شخصيات الفيلم وينسجم معها ويتعلّق بها رغماً عنه. ووفقاً للطبيبة النفسية فإن السينما تتميّز بقوة "تحقيق التباعد"؛ حيث يشخّص فيها الغير بعض مخاوفنا الأعمق ومشاعرنا الأكثر حميمية وذكرياتنا الدفينة. وأحياناً يفتح الأسلوب الذي يتعامل به بعض الشخصيات مع مواقف معينة آفاقاً جديدة أمامنا.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن أسلوب توم كروز للتعامل مع الشخصيات السامة؟

ما فوائد وأضرار ارتباط الجمهور بالشخصيات السينمائية الخيالية؟

الارتباط بين الجمهور والشخصيات السينمائية الخيالية وتعلّق المشاهد بشخصية معينة ليس مجرد اكتشاف لتشابهات قائمة بينه وبينها في روح الدعابة أو العلاقات أو أسلوب التعامل مع الحياة أو الطموحات، فبعض هذه الشخصيات يمكن أن يؤثر فينا لأنه يجسد الأشياء التي تخيفنا أو تلك التي نرفضها أو نفضّل نسيانها.

وتضيف الطبيبة النفسية مارين كولومبيل: "في السينما، لا نرى فقط عرضاً للجوانب المضيئة في أنفسنا؛ بل نرى أيضاً الجوانب المظلمة من شخصياتنا". هذا الجانب الكئيب من شخصية كالوم في فيلم "رحيق عطلة صيف" (Aftersun)الذي حاز جائزة مهرجان دوفيل العام الماضي، هو الذي أثّر في ليلى عندما شاهدته.

في هذا الفيلم، تتأرجح شخصية الأب الشاب التي جسّدها الممثل الإيرلندي بول ميسكال، بين لحظات السعادة مع ابنته وأوقات الكآبة العاطفية العميقة. وهذا الصراع النفسي الذي يعيشه البطل، لقيَ صدىً كبيراً لدى العديد من المشاهدين بمن فيهم الفتاة الشابة ليلى.

وتقول عن شخصية البطل: "إنه يُظهر جانباً خفياً من شخصياتنا، ومن المخيف أن أكتشف أن أشخاصاً أحبهم يمكن أن تنتابهم مشاعر كتلك التي يشعر بها البطل في الفيلم، أو أن أشعر بها أنا مثله". وإذا كان الفيلم الطويل قادراً على خلق هذا الارتباط بين الجمهور والشخصيات السينمائية الخيالية، فقد يكفي مشهد واحد أحياناً كي يشعر الجمهور بالتماهي مع فيلم سينمائي ويتقمّص شخصية من شخصياته.

لحظة التحوّل هذه شعر بها فريد عند مشاهدته فيلم "فتاة المليون دولار" (Million Dollar Baby). فعندما طلبت شخصية من شخصيات الفيلم من شخصية أخرى مساعدتها على الموت، استعاد فريد ذكرى من ذكريات حياته الشخصية لمّا طلبت منه جدّته الطلب نفسه، فكان تفاعله مع هذا المشهد قوياً وكان التأثير الذي تعرّض إليه أقوى بعد مشاهدة الفيلم. توضّح كولومبيل ذلك قائلة: "شخصية من شخصيات الفيلم أو الأنماط الإدراكية الخاصة التي نتلّقاه بها هي التي ستوقظ في نفوسنا بعض المشاعر".

ما هو تأثير المرآة؟ وما مخاطره؟

توضّح الطبيبة النفسية: "عندما نجد شخصية تشبهنا فإننا نتعلّق بها ونتماهى معها". هذا ما تؤكده دراسة نُشرت سنة 2010 في مجلة اتصالات (Communications)، فالتّماهي مع الشخصيات هو الذي يحدد التأثير العاطفي للفيلم الدرامي. ويرتبط هذا التأثير أيضاً باستيعاب إدراكي أكبر وعملية فكرية أعقد في أثناء المشاهدة.

وقد سُلّط الضوء في الماضي على ظاهرتين مرتبطتين بمسارات الشخصيات الخيالية وتأثيرها في حياة القارئ أو المشاهد: تأثير باباجينو (l’effet Papageno) وتأثير فيرتر (l’effet Werther). ترتبط الظاهرة الأولى بشخصية من شخصيات أوبِرا موتسارت "الناي السحري" (La Flûte enchantée) التي كان لها أثر إيجابي في الوقاية من الانتحار؛ بينما ترتبط الشخصية الثانية برواية الكاتب الألماني غوته "آلام فيرتر" (Les Souffrances du jeune Werther) التي كان لها تأثير معاكس. ولهذا؛ تحذّر الطبيبة النفسية من التأثر بهذه الشخصيات.

تقول عن ذلك: "إذا كنّا نمرّ بحالة حزن عميق أو فترة اكتئاب وشاهدنا فيلماً يعيش بطله الحالة نفسها، فمن المحتمل أن نهيّج أسباب الحزن نفسها لدينا ونحن نشاهده". في سنة 2012، تطرّق باحثون من جامعة ولاية أوهايو إلى احتمال "ضياع المتلقي في شخصية معينة" خلال قراءة عمل أدبي، وأشاروا في هذا الإطار إلى ما أسموه "التجربة العملية".

تحدُث هذه الظاهرة عندما يصبح بعض الأشخاص قادراً، بطريقة أو بأخرى، على نسيان نفسه أو نسيان صورته وهويته الشخصية. وعندما يكون انغماس القارئ في التأثر بالشخصية كاملاً، فمن الممكن أن ينتهي به الأمر إلى تغيير سلوكه وأفكاره لتكييفها مع سلوكيات الشخصية التي يتماهى معها وأفكارها وفقاً لما لاحظه الباحثون.

ولتوظيف هذا التماهي على نحو إيجابي، تشجّع مارين كولومبيل فكرة المشاهدة العلاجية، وتوضح ذلك قائلة: "من الأفضل أن نشاهد فيلماً نشعر فيه بالسعادة مع الشخصيات، فهذا يمكن أن يوقظ قدراتنا العاطفية الشخصية".

اقرأ أيضاً: هل ما أخبركِ به فيلم باربي عن نفسية الرجل صحيح؟

المحتوى محمي