ملخص: الاحتراق الوظيفي هو حالة من الإرهاق الجسدي أو العاطفي تصيب الأشخاص بسبب العمل، وقد تطال تأثيراتها السلبية الصحة النفسية والجسدية. فما أسباب هذه الحالة؟ وما سُبُل التعامل الصحيح معها؟ وهل يوجد أيّ تشابهٍ بينها وبين الانتحار الوظيفي؟
محتويات المقال
فاجأت رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، جاسيندا أرديرن (Jacinda Ardern)، مواطني بلدها حين أعلنت الاستقالة من منصبها في مطلع العام الجاري. وتسابقت وسائل الإعلام آنذاك على نشر خبر استقالتها نتيجة حالة الاحتراق الوظيفي التي أصابتها؛ إذ لم تعد تملك ما يكفي من الطاقة لمواصلة مهماتها حسب ما جاء في تصريحها الرسمي.
ويشير استشاري الطب النفسي، الأستاذ طارق الحبيب، إلى أن حالة الاحتراق الوظيفي قد تحدث بسبب عدم إتقان مهارة إدارة الضغوط لدى الموظفين؛ حيث لا ينتبه هؤلاء إلى علامات الإنذار الأولى ويقاومونها ما يؤدّي بهم إلى الوصول إلى مرحلة الإجهاد.
ويوضح أيضاً إن بعض الأشخاص أكثر عرضة للاحتراق من غيره؛ مثل الأشخاص الذين يعانون القلق بسبب رغبتهم الدائمة في الإنجاز. فما علامات الاحتراق الوظيفي؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ وهل ثمّة أوجه تشابه بينه وبين الانتحار الوظيفي؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.
ماذا يعني الاحتراق الوظيفي؟ وما علاماته؟
الاحتراق الوظيفي (Job burnout) هو حالة من الإرهاق الجسدي أو العاطفي، تكون مصحوبةً غالباً بمشاعر التهكّم وانخفاض الشعور بالإنجاز أو الاهتمام بالعمل. وينتج ذلك عادة من التعرّض لضغوط العمل المزمنة لفترات طويلة. ويمكن أن تؤثّر هذه الحالة في جوانب مختلفة من حياة الشخص؛ بما يشمل أداءه في العمل، وصحته البدنية والنفسية، وعلاقاته الشخصية.
صيغ مصطلح الاحتراق الوظيفي لأول مرّة من قِبل عالم النفس الأميركي-الألماني، هربرت فرويدنبرغر (Herbert Freudenberger) في السبعينيات من القرن الماضي، لوصف الإرهاق الجسدي والعاطفي الذي يعانيه مختصو الرعاية الصحية، وبخاصة أولئك الذين يعملون في عيادات إدمان المخدرات، ودُرس هذا المفهوم منذ ذلك الحين على نطاق واسع يشمل مختلف المهن والقطاعات.
وتوضّح مستشارة علم النفس التنظيمي، هاجر القايدي إن الاحتراق الوظيفي قد يكون وارداً في قطاعات مثل القطاع الصحي، أكثر من أخرى؛ حيث تعرّض العاملون به للاحتراق على نحو كبير خلال الأزمة الصحية العالمية عام 2020.
ويعدّ الانفصال النفسي أو العاطفي عن العمل واحداً من العلامات التي تميّز الموظفين المصابين بالاحتراق كما أشارت القايدي. فبالنسبة إلى الأطباء أو الممرضين مثلاً، قد يتضاءل تعاطفهم مع المرضى، إضافة إلى علامات أخرى مثل عدم القدرة على أداء العمل بفعالية، والاستمرار في العمل تأديةً للواجب فقط دون أيّ شعور بالاندماج مع بيئة العمل أو التوافق مع القيم الشخصية.
اقرأ أيضاً: الاحتراق الوظيفي بين النساء العاملات: إحصائيات من المنطقة العربية
ما أبرز أسباب الإصابة بالاحتراق الوظيفي؟
يمكن أن ينجم الاحتراق الوظيفي عن عوامل مختلفة تتضمّن عبء العمل المفرط، وساعات العمل الطويلة، أو القيام بالعديد من المهمات. غير أن أعراضه تظهر عادة لدى الأشخاص عندما يفتقرون إلى السيطرة على عملهم أو مسؤولياتهم المنزلية، أو عندما يُكلّفون بمهمات تتعارض مع قيمهم الشخصية، أو يعانون نقصَ الدعم في أثناء ذلك.
هذا بالإضافة إلى إهمال أخذ فترات راحة من حين لآخر؛ ما يسبّب الاحتراق وكلّ ما يحمله من تأثيرات سلبية تطال الصحة النفسية والبدنية؛ مثل الصداع والإرهاق وحرقة المعدة ومشكلات الجهاز الهضمي، وزيادة خطر تعاطي الكحول أو المخدرات أو تناول الطعام بطريقة غير صحية.
كيف تتعامل مع أعراض الاحتراق الوظيفي؟
قد يساعد الشعور بالهدف، أو التأثير الإيجابي في الآخرين، أو الإحساس بالقدرة على جعل "العالم مكاناً أفضل" على مواجهة الاحتراق الوظيفي. غير أن التحدّث عن المخاوف، والتركيز على ممارسة الهوايات خارج أوقات العمل، واعتماد عادات الرعاية الذاتية مثل اليوغا، أو التأمل اليقظ، أو التدليك، أو ممارسة الرياضة، أو تغيير النظام الغذائي، أو ممارسة التعاطف مع الذات؛ كلها تعدّ من أكثر الاستراتيجيات فعالية لاستعادة الإحساس بالذات وتخفيف الإجهاد. ويقترح خبراء الصحة النفسية ما يلي للتعامل الصحيح مع الاحتراق في مكان العمل:
- وضع حدودٍ صحية في مكان العمل: يسهم تعدّد المهمات والمسؤوليات المتضاربة في الإصابة بالاحتراق. لذلك؛ يُنصح برفض المهمات الإضافية، أو جدولة فترات راحة منتظمة للحفاظ على الحدود الصحية وتخفيف الإرهاق.
- خلق التوازن بين الحياة الشخصية وأعباء العمل: يُقصد بذلك وضع حدود واضحة بين العمل والحياة من خلال عدم التحقّق من البريد الإلكتروني خارج ساعات العمل، والسماح بوقت توقف كافٍ لممارسة أنشطة الرعاية الذاتية. إضافة إلى تعديل ساعات العمل أو طريقة تأديته؛ مثل إمكانية أداء بعض المهمات من المنزل، أو تقاسم المسؤوليات مع الزملاء إن كان ذلك ممكناً.
ما الفرق بين الاحتراق الوظيفي والانتحار الوظيفي؟
يختلف الاحتراق الوظيفي عن الانتحار الوظيفي (Career Suicide) الذي يشير إلى الإجراءات أو القرارات التي تضرّ بشدّة بالسمعة المهنية للشخص وآفاقه، وتصعّب عليه في الغالب الاستمرار في تأدية عمله. ويرتبط الانتحار الوظيفي بمجموعة واسعة من السلوكيات والأفعال التي تشمل السلوك غير الأخلاقي، أو الفضائح العامة، أو الأنشطة الإجرامية، أو الانتهاكات الجسيمة لأخلاقيات المهنة، أو الإجراءات التي تنتهك سياسات المؤسسات أو معايير العمل.
ويمكن أن يحدث الانتحار الوظيفي أيضاً عندما يكون أداء الفرد ضعيفاً على نحو مستمرّ، أو حين يُظهر سلوكاً غير احترافيّ، أو ينخرط في أفعال تؤدّي إلى فقدان الثقة والمصداقية في مكان العمل.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر العمل عن بعد في توازنك النفسي؟
في النهاية، أصبح من الواضح عن ذي قبل، تزايد حالة الاحتراق الوظيفي بين الموظفين والعاملين في مختلف القطاعات والمهن. لذلك؛ يسهم الوعي بطبيعة هذه الحالة وأبرز علاماتها في تعزيز التصدّي لها قبل أن تتحوّل إلى مشكلات نفسية أكثر حدّة مثل الاكتئاب أو القلق.