ملخص: هل التقطت صورة سيلفي اليوم؟ الجواب المحتمَل جداً هو "نعم"؛ حيث تشير تقارير جوجل إلى أن الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد تلتقط 93 مليون صورة شخصية يومياً، وبالنسبة إلى الكثيرين منا، أصبح التقاط صور السيلفي ثم نشرها أسلوب حياة؛ ولكن هل تضر الصور السيلفي بصحتنا النفسية أم تفيدها؟ الإجابة في هذا المقال.
محتويات المقال
تُعد صور السيلفي شريان الحياة لوسائل التواصل الاجتماعي، ولا يكتمل أي ملف شخصي دون بعضها على الأقل، فهناك الكثيرون جداً من الأشخاص المتحمسين لالتقاط وجوههم من كل زاوية ونشر صورهم ليراها الجميع، وهذا الاتجاه منتشر على نطاق واسع لدرجة أن الكثيرين تساءلوا عما إذا كان قد أدى إلى إنشاء جيل من النرجسيين، فهل تضر صور السيلفي بصحتنا النفسية أم تفيدها؟ إليكم الإجابة في هذا المقال.
متى يتحول التقاط الصور السيلفي إلى هوس؟
تُعرَّف السيلفي على أنها صورة يلتقطها الشخص لنفسه، وعادةً ما تُلتقَط بهاتف ذكي أو كاميرا حديثة وتُشارَك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك انقسام في الآراء حول صور السيلفي؛ حيث يعتقد البعض أن التقاط صور السيلفي يمكن أن يكون مضراً لأنه قد يعزز النرجسية والتوقعات الجسدية غير الواقعية والمقارنات؛ فيما يعتقد البعض الآخر أن صور السيلفي يمكن أن تمنحنا القوة لأنها تجعلنا قادرين على التعبير عن أنفسنا بحرية.
ويؤكد المختص النفسي ليث عودة إن ظاهرة السيلفي تتحول إلى ظاهرة سلبية حين تتسم بالمبالغة وتتحول إلى هوس؛ حيث يقوم الأفراد حينها بالمبالغة في استخدام الفلاتر وتحسين الصور، وأحياناً قد يلجأ البعض إلى عمليات التجميل من أجل مواكبة مستوى التوقعات.
وفي هذا السياق، يضيف أستاذ علم النفس بجامعة حلوان، محمد حسن إن ظاهرة السيلفي تتحول إلى هوس حين يرغب الأشخاص في التقاط اللحظات التي يمرون بها كلها، وأحياناً يرغبون في التقاط صور السيلفي في أماكن شديدة الخطورة من أجل لفت أنظار المتابعين والحصول على قبولهم.
اقرأ أيضاً: ماذا تكشف صورك على الشبكات الاجتماعية؟
لماذا يلتقط الأشخاص صور السيلفي؟
عادة ما يلتقط الأشخاص صور السيلفي من أجل مجموعة متنوعة من الأغراض؛ منها:
- العرض الذاتي: حيث تُعد صور السيلفي طريقة لتقديم أنفسنا على نحو انتقائي للآخرين، عبر طرائق معينة وذلك من أجل تمثيل هويتنا أو ما نود أن نكون عليه.
- إدارة الانطباع: وذلك بهدف محاولة التحكم في كيفية رؤية الآخرين لنا.
- تعزيز مفهوم الذات: يمكن أن تكون تعليقات الأصدقاء والمتابعين بعد نشر صور شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً لتعزيز مفهوم الذات لدى الفرد.
التقاط السيلفي مقابل تعديلها ووضع الفلاتر
عموماً، تميل الإناث إلى نشر صور السيلفي وتعديلها أكثر من الذكور، وفي دراسة بحثية أجرتها مجلة الطفل والإعلام (Journal of Children and Media) على أكثر من 270 فتاة أميركية، تَبيَّن أن تعديل الصور مرتبط بنظرية التشييء؛ تلك النظرية التي تصف الطريقة التي يُضفى بها الطابع الاجتماعي على النساء، من خلال التعرض لصور التشييء الجنسي؛ وذلك لاستيعاب وجهة نظر المراقب لأجسادهن كشيء يجب تقييمه من أجل تحديد قيمتهن، ويمكن أن يكون التشيئ ذاتياً بمعنى أن الفتيات يضعن معايير مرتفعة لأنفسهن!
وعادة ما يرتبط تعديل صور السيلفي ووضع الفلاتر بالمخاوف المتعلقة بالمظهر السلبي وعدم الرضا عن الجسم، وأعراض الاكتئاب، وزيادة أعراض الشره المرضي، وأحياناً تكون ثمة مخاوف من تعليقات الأصدقاء والمتابعين لأنها ترتبط بانخفاض احترام الذات والبحث المحموم عن القبول والطمأنينة. وتوصلت تلك الدراسة البحثية إلى نتيجة مفادها أن نشر صور السيلفي لا يؤثر في المخاوف المتعلقة بالمظهر؛ لكن المبالغة في تأكيد أهمية صور السيلفي وتعديل الصور ووضع الفلاتر هي الممارسات التي قد تسبب مشكلة للفتيات.
هل ثمة فوائد لالتقاط صورة سيلفي؟
تُعد صور السيلفي، عند التقاطها باعتدال، طريقة ممتازة لتقديم الجانب الأفضل من شخصيتك للآخرين، وذلك من خلال تحديد الطريقة التي تريد أن يُنظر إليك بها، ويمكن لصور السيلفي أن تعزز معنوياتك، ناهيك بأنها طريقة جيدة للترويج لنفسك على وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة إذا كنت منشئ محتوى، أو مؤثراً، أو صاحب عمل عبر الإنترنت، وفيما يلي بعض فوائد التقاط صور السيلفي:
- التقاط لحظات لا تُنسى: تُلتقط صور السيلفي معظمها من أجل تذكُّر تجاربنا أو عرض رحلاتنا أو تسجيل اللحظات الخاصة التي مررنا بها؛ حيث يشعر البعض براحة أكبر حين يلتقط الصور لنفسه بدلاً من أن يقوم شخص آخر بذلك، وحتى صور السيلفي الجماعية تجعلنا نشعر بأننا حول الأشخاص الذين نرتاح معهم.
- التعبير عن أنفسنا بحرية: نحن بوصفنا بشراً، لدينا الكثير من الاحتياجات الاجتماعية مثل التواصل البشري. ومع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن استخدام صور السيلفي من منظور مختلف؛ حيث يمكننا إرفاق صورنا بتعليقات توضيحية مشجعة، سواء كنا ندعم قضية ما، أو نوثق رحلة تعافينا؛ ولهذا فإن صور السيلفي تسمح لنا بالتعبير عما نشعر به بحرية.
- أن نكون على طبيعتنا أحياناً: يمكن أن تكون صورة السيلفي هي الصورة التي تلتقطها من أجل الترويج لصورة ذاتية إيجابية. على سبيل المثال؛ إذا التقطت صورة شخصية عندما تستيقظ في الصباح وأظهرت للعالم كيف تبدو، فقد يساعدك ذلك على الشعور بالراحة تجاه هويتك، تماماً كما أنت، فلا ينبغي أن تُظهر صور السيلفي الأشخاص وهم بأفضل مظهر فقط.
اقرأ أيضاً: الصورة ليست كما تبدو في الشاشة: معاناة المؤثرين على السوشيال ميديا نفسياً
كيف تضر السيلفي بصحتنا النفسية؟
يلتقط الجميع صور سيلفي في هذه الأيام؛ حيث يبحث الجميع عن أفضل الوضعيات من أجل الظهور بأجمل شكل ممكن، ومع ذلك قد تضر صور السيلفي بالصحة النفسية عبر التأثيرات التالية:
- تضع معايير غير واقعية للجمال: أحياناً ينشر الأشخاص صوراً شخصية لإظهار أنفسهم في أفضل حالاتهم؛ بينما يبحث البعض الآخر عن القبول في عيون الآخرين ولهذا يلجأ إلى الفلاتر وتعديل الصور بحثاً عن الصورة المثالية والمعايير غير الواقعية، وإذا لم يلقَ الشخص هذا القبول يشعر بأن احترامه لذاته تأثر سلباً.
- تجعلك منشغلاً بمظهرك: يقضي بعض الأفراد وقتاً كبيراً في التقاط صورة سيلفي مذهلة ثم يقضي وقتاً آخر من أجل تعديلها وذلك باستخدام تطبيقات الإضاءة وتطبيقات تجعل وجهه يبدو وكأنه قد وضع مكياجاً للتو! وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون ممتعاً في البداية، فإنه يأتي مع جانب مظلم قد يؤدي إلى الهوس بالرغبة في الظهور بمظهر مثالي، ومع التركيز الكبير من أجل الحصول على جسم رائع وبشرة متوهجة وشعر لامع، أصبحت السيلفي وعاء يستخدمه الكثيرون لعرض صورتهم المثالية.
- يمكن أن تثير مشاعر القلق: إذا لم تكن راضياً عن شكل جسمك أو صورتك الذاتية، أو إذا كنت تشعر عموماً بأنك لست جيداً بما فيه الكفاية، فقد تؤدي السيلفي إلى تفاقم هذه المشاعر. على سبيل المثال؛ إذا التقطت صورة شخصية وكان رد فعل الأشخاص في التعليقات سلبياً على مظهرك، فقد يتدهور مزاجك على نحو كبير وتشعر بالقلق والتوتر.
- قد تسبب سلوكيات قهرية: ممارسة الرياضة أمر صحي؛ ولكن إذا أصبحت مهووساً بها بسبب الصور التي تراها على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تفوق التأثيرات العاطفية السلبية بعض الفوائد الجسدية. على سبيل المثال؛ قد تؤدي رؤية عضلات بطن مثالية في كل مرة تفتح فيها وسائل التواصل الاجتماعي إلى الإفراط في حساب السعرات الحرارية، والإفراط في ممارسة الرياضة، واتباع اتجاهات صحية وأنظمة غذائية قد تكون خطِرة.
- الشعور بخيبة الأمل: ينتظر العديد من الأشخاص انهمار تعليقات الإعجاب بعد نشر صورة شخصية؛ ولهذا إذا لم يعلق الكثير من الأشخاص على صورتك المثالية أو إذا كانت الردود سلبية فقد تشعر حينها بعدم اليقين وعدم الجدارة، وأحياناً يشعر البعض بعدم الأمان تجاه مظهرهم.
- إثارة مشاعر الحسد والغيرة: ليست مظاهر الأشخاص فقط هي ما يمكن أن يثير غيرة الناس؛ بل أيضاً أساليب حيواتهم بما يشمل ملابسهم ومنازلهم وأعمالهم؛ ولهذا عندما يقوم شخص ما بنشر صورة شخصية أمام منزله الجديد أو داخل سيارته الجديدة، فإن ذلك قد يثير مشاعر الغيرة والحسد عند الأشخاص الذين لا يتمتعون بالكماليات نفسها.
- يمكن أن تتحول إلى عادة سلبية: إذا كنت قد اعتدت على التقاط سيلفي أينما ذهبت فإن الأمر سيتحول إلى هاجس وسوف تلتقطها دائماً بغض النظر عما تشعر به أو المكان الذي تكون فيه، وإذا كنت تلتقطها من أجل حصد الإعجابات والتعليقات فسوف تظل تدور داخل دائرة مفرغة لا تنتهي من أجل أن تحصل على الإعجاب، ومع مرور الوقت سوف يتحول الأمر إلى عادة سلبية لن تستطيع الإقلاع عنها بسهولة.
- الشعور بالوحدة: حين يتحول التقاط صور السيلفي إلى هوس ستظل متمحوراً حول ذاتك وسوف تغفل عن احتياجات الآخرين؛ ولهذا مع مرور الوقت سوف تشعر بالوحدة.
في النهاية، وكما هي الحال مع الأشياء معظمها؛ الاعتدال هو المفتاح. صور السيلفي في حد ذاتها ليست مشكلة يمكن أن تضر بصحتنا النفسية؛ ولكن تحويل الأمر إلى هوس والرغبة العارمة في تعديل صورنا ووضع الفلاتر من أجل مواكبة المعايير غير الواقعية للجمال يمكن أن يضر بصحتنا النفسية.
في المرة القادمة التي تلتقط فيها صورة سيلفي، فكر فيما تعنيه لك تلك الصورة، إذا كانت تعبر عن شخصيتك الحقيقية وإذا كنت فخوراً بذاتك، فاستمتع! أما إذا كنت تلتقط الصور من أجل الحصول على إعجاب الآخرين، فقد حان الوقت لأخذ قسط من الراحة والتفكير في الأمر مرة أخرى.