ملخص: مرض الفيبروميالجيا من الأمراض المزمنة التي تعرقل سيرورة الحياة اليومية؛ حيث يعوق التعب والألم تأدية أبسط المهمات. ويستكشف هذا المقال العوامل النفسية المحتمَلة للإصابة بهذا المرض، ويقترح 6 استراتيجيات فعّالة لإدارة أعراضه وتخفيفها.
محتويات المقال
يمثّل التعايش مع مرض الفيبروميالجيا تحدّياً صعباً للمصابين به معظمهم؛ حيث يعرقل الألم المزمن والإرهاق والصعوبات المعرفية الحياة اليومية على نحو كبير. وما يزيد الطين بلّة هو عدم وجود أسباب محدّدة للإصابة؛ إذ يختلف مختصون عِدة حول كونه مرضاً نفسياً أو جسدياً. لذلك؛ يعلق العديد من المصابين في دوامة التشخيص الطبي الصحيح لسنوات، وبخاصة أن أعراض الألم العضلي التليفي تتشابه مع أعراض التهاب المفاصل.
ما هو مرض الفيبروميالجيا أو الألم العضلي التليفي؟ وما أعراضه؟
الفيبروميالجيا (Fibromyalgia) أو ما يُشار إليه أيضاً باسم "الألم العضلي التليفي"، هو متلازمة مزمنة تتّسم بتعبٍ وألمٍ وأوجاعٍ في الجسم بأكمله، وقد تسبّب صعوبات إدراكية، وتتشابه في أعراضها مع أعراض التهاب المفاصل.
وفي حين أن الإصابة بهذا المرض قد تترافق مع الإصابة بأمراض مناعية مثل التهاب المفاصل الروماتيدي (Rheumatoid Arthritis) والذِئبَة الحُمَامِيَّة الجهازية (SLE)، فالفيبروميالجيا نفسه يختلف عن اضطرابات المناعة الذاتية. والجدير بالذكر إنه لا يسبّب التهاب المفاصل أو العضلات أو تلفها؛ بل يزيد الإحساس بالألم في المفاصل والعضلات.
يوضّح استشاري الطب النفسي، عمرو يسري، إن الفيبروميالجيا من الأمراض الصعبة التشخيص، فهو مرض نفسوجسدي يرتبط ارتباطاً كبيراً بالتعرّض للضغط والإجهاد اللذين يضعفان المناعة النفسية؛ التي تؤثر بدورها في مناعة الجسم، فيتضاعف الإحساس بالألم.
يُعرف مرض الألم العضلي التليفي بارتفاع معدّل الإصابة به لدى الإناث. وعلى الرغم من عدم وجود اختبار حاسِم، قد يستخدم الأطباء الاختبارات المعملية والأشعة السينية لتمييز الألم العضلي التليفي عن أمراضٍ مشابهة. وتسهم عوامل مختلفة في الإصابة به؛ بما يشمل العوامل الوراثية، والأحداث المؤلمة أو الصادمة، واضطرابات النوم والمزاج.
لا يوجد سبب دقيق معروف لهذا المرض كما لا يوجد له علاج محدّد؛ لكن يبقى كل من الأدوية والتمارين الرياضية والعلاج بالوخز بالإبر والعلاج السلوكي، من أنجع الطرائق الممكنة لتحسين جودة النوم وإدارة الأعراض وتخفيف حدّة الأوجاع.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يسبب الإجهاد والتوتر سرطان الثدي؟
عوامل الخطر والأسباب النفسية المحتمَلة للإصابة بمرض الفيبروميالجيا
يختلف العديد من الأطباء حول الجذور النفسية المحتمَلة للإصابة بالفيبروميالجيا؛ إذ إنها تحتاج إلى تشخيص طبي مؤكد من الطبيب اعتماداً على التاريخ الطبي للمريض.
إن ما يدعم إسهام العامل النفسي في الإصابة هو فعالية مضادات الاكتئاب والأدوية المُعدّلة للناقلات العصبية، وكذلك العلاج المعرفي السلوكي، في تخفيف الأعراض. وتؤكّد وجهة النظر هذه أن الألم العضلي التليفي قد لا يُعد مرضاً جسدياً حقيقياً؛ وذلك ما يؤدّي في الأغلب إلى صراع طويل الأمد يخوضه المرضى مع تشخيصات مختلفة من أطباء متعدّدين، واختبارات مُكلفة وغير ضرورية، وتأخّر التشخيص لقُرابة 5 سنوات.
ليس غريباً أن تساعد الأدوية النفسية على تخفيف حدّة الأعراض، فقد أثبتت دراسة نُشرت في 2019 من جامعة برمنغهام (University of Birmingham) بالمملكة المتحدة، أن الأشخاص المصابين بهذا المرض يكونون أكثر عرضة من غيرهم للإساء الجسدية والعاطفية الشديدة؛ ما يعني أن حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو الإجهاد المزمن يمكن أن تسهم إسهاماً كبيراً في تطوّر الألم العضلي التليفي لدى بعض الأشخاص. أما بالنسبة إلى عوامل الخطر التي من المحتمَل أن تزيد احتمالية الإصابة به، فهي كالتالي:
- الجنس: ما بين 75% إلى 90% من المصابين هم من الإناث.
- العمر: يُشخّص الفيبروميالجيا عادةً بين سنَّي 20 و50 سنة؛ إذ تزداد احتمالية الإصابة به مع التقدّم في العمر، وقد يتسبّب في وفاة 8% من الأشخاص المصابين عندما يبلغون 80 سنة من العمر.
- تاريخ العائلة: يزيد خطر الإصابة بنحو 8 مرات عندما يكون هناك قريب من الدرجة الأولى مصابٌ بالحالة نفسها.
- السمنة: المصابون الذين يعانون السمنة المفرطة مع مؤشّر كتلة الجسم (BMI) الذي يفوق الـ 35، لديهم مستويات أعلى من أعراض الفيبروميالجيا.
العلاقة المتشابكة بين الفيبروميالجيا والإجهاد
يمكن أن يؤدّي الإجهاد المرتبط بالتحديات الشخصية، والصراعات في مكان العمل، والعوامل الخارجية الخارجة عن إرادتنا إلى تفاقم الأعراض، ناهيك بأنه يُضعف جودة الحياة بصفة عامة. في مراجعة بحثية نُشرت عام 2019 من جامعة جيان (University of Jaén) بإسبانيا، كشفت النتائج أن هذا المرض لا يؤدّي فقط إلى ارتفاع مستويات التوتّر؛ ولكن يمكن أن يؤدي الإجهاد لاحقاً إلى تفاقم الأعراض الجسدية والصعوبات المعرفية التي يواجهها المصابون.
وفي دراسة على نطاق أصغر نُشرت في سنة 2021، فحص الباحثون تأثير الإجهاد العقلي في نشاط العضلات وشدة الألم بين المصابين؛ حيث كشفت النتائج أن التعرّض للإجهاد المعرفي (Cognitive Stress) قد يزيد مستويات القلق والتأثّر بالألم لدى المشاركين.
كيف يمكن التكيّف مع الأوجاع التي يسبّبها مرض الفيبروميالجيا؟
الألم هو العَرَض الأكثر شيوعاً لدى الأفراد المصابين بالفيبروميالجيا جميعهم، إضافة إلى الشعور بالتعب والصعوبات المعرفية، وهي أعراض قد تتعطّل الحياة اليومية بسببها. لذلك؛ تسهم المشاركة الفعّالة للمصابين في إدارة حالاتهم، في استعادة الشعور بالتوازن ورفع جودة الحياة، ونقترح فيما يلي 6 استراتيجيات لتحقيق ذلك:
- الرعاية الطبية: يهمل العديد من الأفراد الالتزام بنظام الأدوية الموصوف؛ ما يؤدّي إلى عدم تخفيف الأعراض إلى الحد المطلوب. ويُنصح بالاحتفاظ بدفتر يوميات وإحضاره إلى المواعيد الطبية، والانخراط في نهج تعاوني مع متخصصين مثل الأطباء الفيزيائيين وعلماء النفس والمعالجين، وكذلك، قد تساعد العلاجات التكميلية مثل الوخز بالإبر والتدليك على تخفيف الألم.
- التمارين الرياضية: تُعد التمارين المنتظمة، ولا سيّما المشي والسباحة، من أكثر الطرائق فعاليةً للتعامل مع الألم العضلي التليفي؛ حيث إنها تخفّف التعب والألم. يمكن الالتزام بـ 20 إلى 30 دقيقة أو تقسيمها إلى فترات مدتها 10 دقائق، ليومين أو 3 أيام في الأسبوع، ولا مانع من استشارة الطبيب حول برنامج تمرين مناسب لتحسين قوتك ومرونتك وقدرتك على التحمّل.
- عادات النوم الجيّدة: تعوق أعراض الألم العضلي التليفي النوم. ولذلك؛ ينبغي اتباع روتين صحي للنوم، والحفاظ على أوقات نوم واستيقاظ متناسقة. قد يساعد الحمام المسائي على الاسترخاء وتخفيف الآلام بصفة مؤقّتة، ويساعد تنظيم المهمات اليومية مثل العمل، والأعمال المنزلية، والارتباطات الاجتماعية خلال ساعات النهار، وتقسيمها إلى أجزاء تُمكن إدارتها، على تجنُّب الإرهاق.
- تخفيف الإجهاد: يُنصح بتجنُّب التركيز على الأزمات، وتحديد الأولويات، وعدم التردّد في رفض الالتزامات لإعطاء الأولوية لما هو مهم فعلاً. وعلاوة على ذلك، قد تساعد تقنيات مثل التخيل الموجّه (Guided Imagery) على استبدال الصور الذهنية الإيجابية بالمشاعر السلبية، وهي مهارة يمكن تطبيقها فردياً للتغلّب على القلق والإرهاق، هذا بالإضافة إلى اليوغا أو تمارين اليقظة التي تساعد على إعادة توجيه الأفكار على نحو إيجابي، ويمكن أن تخفف التوتّر والألم مع الممارسة المنتظمة.
- النظام الغذائي الصحّي: قد يعاني مرضى الفيبروميالجيا نقصاً محتملاً لفيتامين د. ولذلك؛ يُنصح بإعطاء الأولوية للأطعمة الغنيّة بالمغذيات لزيادة الطاقة والصحة العامة، ومن المستحسَن تجنُّب الإفراط في تناول الكافيين؛ إذ يمكن أن يؤدي الاستهلاك المفرط إلى تفاقم الألم وصعوبات النوم.
- العلاقات: يساعد التواصل المفتوح والمتّسق مع الشريك، والانخراط في مناقشات صادقة، ومشاركة التجارب، على مواجهة التحديات بصفة مشتركة. ويسهم تحديد الأولويات المهمة لأحبائك؛ مثل حضور أنشطة الأطفال المدرسية، على تفادي الإرهاق والحفاظ على الطاقة.
اقرأ أيضاً: لماذا قد تُصاب المرأة الحامل بالقلق؟ وكيف تتعامل معه؟
وختاماً، يُعدّ مرض الفيبروميالجيا واحداً من أصعب الأمراض المزمنة التي يمكن أن يُصاب بها الأشخاص، وبخاصة الإناث؛ إذ إن الحياة تصبح صعبة للغاية بوجود الألم العضلي والتعب بصورة دائمة. غير أن الانخراط في أنشطة الرعاية الذاتية، والسعي إلى الحصول على الدعم من المتخصصين في الرعاية الصحية، واعتماد الاستراتيجيات التي تعالج الجوانب الجسدية والنفسية والاجتماعية، يمكّن المصابين من التعايش مع المرض وتحسين جودة الحياة على نحو ملحوظ.