لماذا يشعر البعض بأنه شاهد شريط حياته مسبقاً؟ وما معنى ذلك؟

5 دقائق
الديجافو
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الديجافو ظاهرة تنطوي على إحساس غريب بأنك عشت هذه اللحظة سابقاً على الرغم من إدراكك أنَّ ذلك لم يحدث، فما أسبابها؟ وما مدى خطورتها؟

كنت جالسة مع صديقتي في مقهىً لم أزره قبلاً. قالت صديقتي بضع كلمات، ثم انسكب فنجان الشاي خطأً على الطاولة. شعرت فجأة أني جلست سابقاً في المكان نفسه وعلى الكرسي نفسه وسمعت صديقتي تقول الكلمات ذاتها ورأيت الفنجان ينسكب أيضاً! غمرني شعور غريب بأن كل شيء مألوف؛ كأنما عشت هذا الموقف في الماضي بتفاصيله كلها دون أن أكون قادرة على تذكّر متى وأين! ظننت أنني أتمتع بقوة خارقة للطبيعة، أو أني قادرة على التنبؤ بالمستقبل؛ لكن تبين أني لست كذلك! فما حدث معي حدث معك غالباً ومع البشر على سطح الأرض معظمهم؛ إنها ظاهرة الديجافو (Dèjà vu)، تعرَّف إلى أسباب حدوثها ومتى يصبح من الضروري أن تستشير الطبيب.

اقرأ أيضاً: ما هي تقنية التنفس العميق بطريقة ويم هوف (Wim Hof)؟

ما هي ظاهرة الديجافو؟

يعرِّف طبيب الأعصاب جان خوري (Jean Khoury) ظاهرة الديجافو بأنها: "إحساس زائف بالألفة والإدراك؛ إذ يخلق الدماغ إحساساً كما لو كنت قد عشت موقفاً معيناً من قبل، دون أن تكون قادراً على استعادته من ذاكرتك أو تحديد الموقف الفعلي. وعادةً ما يكون ثمة تناقض ما بين الشعور بالألفة وحقيقة أن الوضع لا يجب أن يكون مألوفاً"!

أول من صاغ هذا المصطلح هو الفيلسوف الفرنسي أميل بويراك (Emile Boirac) عام 1890، ويقابله في اللغة العربية "شُوهد سابقاً"، على الرغم من أن الفيلسوف القديم أوغسطين (St. Augustine) أشار إلى هذه الظاهرة عام 400 بعد الميلاد باسم "الذكرى الكاذبة" (False memoriae). في حين أن أول من استخدم مصطلح "ديجافو" في المجتمع العلمي هو عالم الأعصاب فرنسوا ليون آرنود (Francois-Léon Arnaud). 

اقرأ أيضاً: رهاب البحر أو الثلاسوفوبيا: أعراضه وطرق علاجه

ما التفسيرات المحتمَلة لظاهرة الديجافو؟

يقول الباحث في العلوم الجنائية، عبد الله العُمري، إن أحد التفسيرات المحتملة للديجافو هو زيادة مستويات الدوبامين، أحد الناقلات العصبية، في خلايا الفص الصدغي للدماغ؛ وذلك نتيجة خلل في تفريغ الشحنات الكهربائية في الدماغ. ولكن، غالباً ما ترتبط هذه الحالة بنوع من الصرع الصدغي للدماغ. 

أما بالنسبة إلى الأشخاص الأصحّاء، فلم يستطع الباحثون حتى اليوم التوصل إلى تفسير علمي دقيق حاسم لهذه الظاهرة؛ لكنهم قدموا العديد من النظريات العلمية التي تفسر آلية حدوثها، وإليك أهمها:

  • انقسام الإدراك (Split perception)

قد تحدث ظاهرة الديجافو نتيجة انقسام الإدراك، وهذا يعني أن الشخص يعالج موقفاً ما على مرحلتين متتاليتين؛ بحيث يكون في المرة الأولى مشتتاً وغير واعٍ تماماً لما يشاهده أو يعيشه، ومع ذلك، يبدأ دماغه بتكوين ذكريات لما يراه حتى مع الكمية المحدودة وغير المكتملة من المعلومات التي يحصل عليها، ثم تحدث المرحلة التالية من الإدراك الواعي مباشرة بعد الأولى؛ لكن وبسبب أن الشخص لم يكن مدركاً للتجربة الأولى التي عالجها جزئياً فقط، فإنه يشعر في المرحلة التالية أنه سبق واختبر شيئاً مماثلاً لكنه لا يذكر أين ومتى. 

اقرأ أيضاً: فوبيا القطط: الأسباب والأعراض والعلاج

  • خلل في أنظمة الذاكرة

تفسر إحدى النظريات ظاهرة الديجافو بأنها خلل وظيفي في أنظمة الذاكرة في الدماغ، ففي الحالة الطبيعية، عندما يستوعب الدماغ المعلومات، فإنه يتبع عادة مساراً محدداً من الذاكرة القصيرة الأمد إلى الذاكرة الطويلة الأمد.

لكن في حالة الديجافو، فإن المعلومات الحسية تسلك طريقاً مختصرةً تتجاوز فيها الذاكرة القصيرة الأمد وتصل إلى الذاكرة الطويلة الأمد مباشرة؛ أي تتجاوز الآليات الأساسية النموذجية لنقل المعلومات وتخزينها، فيجعلنا هذا نشعر كما لو كنا نستعيد ذكريات موقف قديم بدلاً من موقف يحدث الآن.

  • نظرية المعالجة المتأخرة (Delayed processing) 

تنتقل المعلومات الحسية في الحالة الطبيعية عبر مسارات متعددة إلى القشرة المخية للتفسير والمعالجة، وتصل في الوقت نفسه تقريباً. تقترح هذه النظرية أن في حال اختلفت سرعة وصول المعلومات في أحد المسارات عن سرعة بقية المسارات؛ أي لم يتزامن وصول الإشارات الحسية إلى مناطق القشرة المخية على نحو متطابق، فإن الدماغ سوف يفسر النسخة الثانية من المعلومات (الأبطأ) على أنها تجربة إدراكية منفصلة؛ أي أننا نختبر الحاضر كما لو كنا نتذكره!

اقرأ أيضاً: تأثير البلاسيبو: كيف يؤدّي العلاج الوهمي إلى شفاء حقيقي؟

  • نظرية المعالجة المزدوجة (Dual processing)

هي نظرية عصبية مشابهة للسابقة، مفادها أنه إذا حدث تأخير طفيف في الدماغ في أثناء معالجة المدخلات الحسية، فإن الدماغ سيفسر الموقف على أنه حدثان منفصلان؛ ما يمنحنا شعوراً بالألفة. على سبيل المثال؛ أنت تجلس على أريكتك المريحة، تشاهد التلفاز وتشم رائحة طبخ وتسمع صوت شخص ينادي. تتراكم هذه الأحاسيس كلها في أثناء معالجتها في الدماغ وتفسَّر على أنها حدث واحد؛ لكن وعند حدوث تأخير في معالجة أحد هذه الأحاسيس، فسوف تشعر أنك تعيش اللحظة للمرة الثانية.

  • معالجة الذكريات واسترجاعها

يعتقد بعض الخبراء أن للديجافو علاقة بالطريقة التي نعالج بها الذكريات ونتذكرها؛ إذ تُخزَّن الذاكرة في الفص الصدغي للدماغ (الجزء الذي يساعدنا في التعرف على التجارب المألوفة)، وعلى الرغم من أن العلم لم يثبت حتى الآن أن الديجافو ناتجة من الذكريات المُخزنة في المنطقة الصدغية، فإن بعض العلماء يعتقد أن ثمة رابطاً بينهما. 

فوفقاً للأبحاث التي نفذتها أستاذة علم النفس في جامعة ولاية كولورادو (Colorado State University)، آن كليري (Anne Cleary)؛ فإن الديجافو قد تحدث رداً على موقف مشابه حدث سابقاً ولكننا لا نستطيع تذكّره؛ ربما لأنه حدث في مرحلة الطفولة أو لسبب آخر. وعلى الرغم من أنه لا يمكننا الوصول إلى تلك الذكريات، فما تزال أدمغتنا تدرك أننا كنا في موقف مشابه. 

جدير بالذكر إن العديد من الأشخاص الذين يختبرون الديجافو يكون على قناعة قوية أنه قادر على التنبؤ بما سيحدث تالياً؛ إلا أن أبحاث كليري تشير إلى أن ذلك غير ممكن. إذاً؛ يميل الناس إلى الشعور بمشاعر الألفة عندما يواجهون موقفاً يشترك ببعض أوجه التشابه مع موقف رأَوه أو اختبروه سابقاً.

اقرأ أيضاً: طريقة مبتكرة للتحكم في مشاعرك عبر عكس الأمور

هل ثمة علاقة بين الديجافو والأمراض النفسية؟ ومتى تنبغي مراجعة الطبيب؟

الديجافو ظاهرة شائعة جداً تحدث عند الناس معظمهم؛ لكنها نادرة التواتر عند الأشخاص الأصحاّء، وعادة ما تحدث مرتين خلال العام. وعموماً، يختبر الناس معظمهم الديجافو دون أيّ آثار صحية مضرّة؛ إذ لا تُعد هذه الظاهرة علامة أو عرضاً على مرض نفسي. 

لكن وفي حالات نادرة، قد ترتبط ظاهرة الديجافو ببعض الاضطرابات العصبية، ويُعدّ الصرع هو الاضطراب العصبي الأكثر ارتباطاً بهذه الظاهرة؛ إذ تؤثر نوبات الصرع في الفص الصدغي للدماغ حيث يتم تفسير الرؤية. 

وبالإضافة الى الصرع، فإن الأشخاص الذين يعانون الفصام والقلق والخرف الوعائي والخرف الجبهي الصدغي يختبرون الديجافو أكثر من الأشخاص الأصحّاء.

وجدير بالذكر إن الأشخاص الذين يعانون التعب أو التوتر قد يختبرون الديجافو أكثر من غيرهم؛ إذ يُعتقد أن الإرهاق والتوتر يؤثران عادة في الذاكرة الطويلة الأمد والقصيرة الأمد. عموماً، ليس للديجافو أي تأثير خطِر في الصحة بالنسبة إلى الأفراد الأصحّاء معظمهم، بخلاف القليل من الشعور بالارتباك للحظات. ومع ذلك، ينبغي تحديد موعد مع طبيب الأعصاب أو مقدم الرعاية الصحية في الحالات التالية:

  • تحدث ظاهرة الديجافو عدة مرات خلال الشهر أو أكثر.
  • تحدث متبوعة بفقدان الوعي.
  • تكون مصحوبة بذكريات شاذة تشبه الحلم أو مشاهد بصرية.
  • تكون مصحوبة بأعراض مثل المضغ اللاواعي أو تسارع ضربات القلب أو الشعور بالخوف أو التلعثم.

كيف تتصرف عندما تُصاب بظاهرة الديجافو؟

على الرغم من أن ظاهرة الديجافو ليست حالة خطِرة في الحالات معظمها، فإنها قد تكون مزعجة أن مخيفة أو مرهقة بالنسبة إلى الكثيرين؛ وإليك كيف تتصرف خلالها:

  • خُذ أنفاساً بطيئة وعميقة؛ ما يساعد على إبطاء معدل ضربات القلب وتقليل التوتر. تذكّر أنها لن تدوم سوى لبضع ثوانٍ.
  • ركِّز على اللحظة الحالية، فالانتباه إلى ما تشعر به وتفعله قد يساعد على تقليل مشاعر القلق والتوتر.
  • حدِّث الآخرين عن تجربة الديجافو الخاصه بك، فالكثيرون من الناس يختبرون هذه الظاهرة مرة واحدة على الأقل في حياتهم؛ الأمر الذي قد يساعدك على الاستفادة من تجاربهم الخاصة مع هذه الظاهرة.
  • اعتنِ بنفسك وقلِّل شعورك بالتوتر عبر التأمل أو تمارين التنفس العميق أو التمارين الرياضية، بالإضافة إلى الحصول على قسط كافٍ من النوم والراحة، فكما ذُكر سابقاً؛ قد ترتبط الديجافو في بعض الأحيان مع مشاعر الإرهاق والتوتر.
  • افحص أدويتك في حال كنت تعاني الديجافو كثيراً مؤخراً؛ إذ قد يؤدي بعض الأدوية التي تسبب زيادة بعض المواد الكيميائية في الدماغ مثل الدوبامين، إلى زيادة تعرُّضك للديجافو؛ لكن لا تتوقف عن تناول دواء موصوف دون استشارة الطبيب.
  • تحدَّث إلى الطبيب في حال عانيت الديجافو على نحو متكرر.

المحتوى محمي