ملخص: عضلات فولاذية ومظهر رائع، ومع ذلك ما زلت غير سعيد وغير راضٍ عن حجم عضلاتك؛ إن هذا باختصار هو إدمان بناء العضلات.
محتويات المقال
صوّرت الأساطير اليونانية أدونيس على أنه نصف رجل ونصف إله، ووفقاً لوجهات نظر القرن السادس عشر؛ فقد مثّل بجسده أعلى مستويات اللياقة البدنية للذكور، فكان جميلاً إلى درجة أنه فاز بقلب إلهة الجمال والحب، أفروديت. من هذه الأسطورة، أُطلق مصطلح "مجمع أدونيس" (Adonis Complex).
وعلى الرغم من أنه ليس مصطلحاً طبياً فإنه المصطلح الذي اعتمده الطبيب النفسي هاريسون بوب (Harrison Pope) مع زميلته كاثرين فيليبس (Katharine Phillips) في كتابهما "مجمع أدونيس" (The Adonis Complex)، لوصف هوس الرجال بتضخيم العضلات للوصول إلى الجسد المثالي وفقاً لمعايير الجمال في العقود الأخيرة، وهو ما عبر عنه الأطباء بمصطلح "اضطراب التشوه العضلي"، فما مدى خطورة هذا الهوس؟ وما أسبابه وطرائق علاجه؟
ما هو إدمان بناء العضلات أو اضطراب التشوه العضلي؟
إدمان بناء العضلات أو اضطراب التشوه العضلي (Muscle Dysmorphia) هو أحد الفروع الجانبية لاضطراب تشوه الجسم (Body Dysmorphic Disorder) وفقاً للدليل التشخيصي الإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية.
استخدم الطبيب النفسي هاريسون بوب مصطلح "التشوه العضلي" لأول مرة عام 1997، في الدراسة التي أجراها مع فريق من الباحثين والتي نُشرت في مجلة علم النفس الجسدي (Psychosomatics)، وهو حالة نفسية يعتقد فيها الشخص أن جسمه وعضلاته صغيرة جداً، على الرغم من امتلاكه بنيةً عضلية قد تكون متوسطة أو أكثر. وغالباً ما يكون أكثر شيوعاً بين الرجال مقارنة بالنساء، وفي الرياضات التي تتطلب الوزن والقوة؛ مثل كرة القدم والمصارعة وكمال الأجسام.
يسعى المصابون جاهدين؛ مدفوعين بعدم الرضا، إلى استثمار المزيد من الوقت في التدريب، وبخاصة على تمارين رفع الأثقال، لاكتساب المزيد من الكتلة العضلية وتقليل الدهون في الجسم، ويكونون منشغلين دائماً إلى درجة إهمال حيواتهم المهنية والشخصية، والتخلي عن وظائفهم، وفقدان أصدقائهم؛ إذ غالباً ما يرفضون السماح للآخرين برؤية لياقتهم البدنية "الصغيرة" وفقاً لاعتقادهم، ويواظبون على ارتداء ملابس ذات طبقات متعددة ليبدوا أكبر حجماً وأكثر قوة.
غالباً ما يوصف هذا الاضطراب بأنه النظير الذكوري لفقدان الشهية الذي تعانيه الإناث أو "فقدان الشهية العكسي" (Bigorexia)؛ حيث يكون الرجال أكثر تحديداً في نظامهم الغذائي، فيستهلكون المزيد من البروتين من خلال الطعام والمكملات الغذائية. وفي حالات أكثر خطراً، يلجأ البعض إلى تناول الستيروئيدات الابتنائية على نحو غير مدروس، وهي أدوية تعمل بوصفها بدائلَ لهرمون التستوستيرون في الجسم، وتساعد على تعزيز القوة وبناء العضلات.
اقرأ أيضاً: ما سبب هوس بعض الأشخاص بالعيوب الجسدية؟ وكيف يمكن التخلص من هذا السلوك؟
ما أسباب إدمان بناء العضلات؟
لم يحدد الباحثون أسباب خلل التشوه العضلي بوضوح، ومع ذلك، فقد قدّموا عدة احتمالات من خلال أبحاثهم؛ ومنها:
1. الأسباب النفسية
وفقاً للدراسات؛ قد يعود إدمان بناء العضلات إلى عدة أسباب:
المعاناة من مشاعر النقص
في دراسة نُشرت في دورية "الشخصية والاختلافات الفردية" (Personality and Individual Differences)، تَحقَّق الباحثون من ارتباط إدمان بناء العضلات بالنرجسية، بمشكلات في العلاقة مع أحد الأبوين أو كليهما.
استعان الباحثون بـ 500 مشارك رجل في أواخر العشرينيات كانوا يتدربون على تمارين القوة والتحمل بانتظام لمدة عام على الأقل. وقدّم المشاركون خلال فترة الدراسة معلومات ذات صلة بأعراض إدمان بناء العضلات، وعلاقة كل منهم بوالدَيه، وسمات خاصة بنوعين من النرجسية هما:
- النرجسية الهشة: تتميز بتدني احترام الذات وردود الأفعال المفرطة الحساسية للنقد والرفض.
- نرجسية العظمة: تتميز بتخيلات العظيمة والغطرسة والسعي إلى السيطرة والاستحقاق.
وتوصل الباحثون إلى ارتباط إدمان بناء العضلات بما يلي:
- النرجسية الهشة؛ أي إن بناء العضلات وزيادة القوة الجسدية هما محاولة تقدير للذات الضعيفة.
- العلاقة السيئة مع الأبوين وقلة اهتمامهما وتقديرهما لابنهما، بالإضافة إلى النقد المتكرر وحرمانه من عاطفتهما.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للعلاقة السيئة بينك وبين والدك أن تصيبك بوهم التشوه الجسدي؟
التجارب الشخصية المؤلمة
تشير الدراسة المنشورة في دورية "بحث علم النفس وإدارة السلوك" (Psychology Research and Behavior Management)، إلى أن معاناة الفرد من تجربة مؤلمة مثل الاعتداء الجنسي أو التنمر أو الاغتصاب (على سبيل المثال لا الحصر) قد تكون سبباً في إدمان بناء العضلات.
فقد أكد أحد المشاركين في الدراسة: "وددت عندما أكبر ألا يستخف الناس بي"؛ أي أن رغبته في الحصول على الأمان والقوة لمواجهة الشدائد كانت دافعاً للتدريب المفرط والسعي نحو المزيد من العضلات.
2. الأسباب الاجتماعية
من الأسباب الاجتماعية المحتمَلة لإدمان بناء العضلات:
- القوالب النمطية التي تبثها وسائل الإعلام: مثل عارضي الأزياء الذكور أو الأبطال الخارقين؛ حيث أشارت الدراسة المنشورة في "مجلة الشباب والمراهقة" (Journal of Youth and Adolescence)، إلى ارتباط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بإصابة الأولاد الصغار بإدمان بناء العضلات.
- الضغط من الأسرة والأصدقاء: لتعليقات الأفراد المقربين منك ومقارناتهم دور في إدمان بناء العضلات؛ إذ يُظهر البحث المنشور في دورية "الجمعية الأميركية لعلم النفس" (American Psychological Association) أن البعض يسعى إلى الحصول على بنية عضلية قوية للتعامل مع التنمر والإقصاء الذي يتعرض له من أفراد الأسرة والشركاء.
- الأزمة الذكورية: يُقصد بالأزمة الذكورية اعتماد المعايير البصرية للمظهر الذكوري بوصفها مقاييسَ للرجولة بدلاً من العمل اليدوي أو المهني. بكلمات أخرى؛ لا تمثل الرجولة في الثقافة الحديثة ما تفعله بل ما تبدو عليه؛ ما قد يدفع بعض الرجال إلى الشعور بالتهديد والعجز.
اقرأ أيضاً: كيف تتلاعب شركات مستحضرات التجميل بثقة النساء بأنفسهن؟
كيف يؤثر إدمان بناء العضلات في الصحة النفسية؟
وضح بوب إنه يمكن لإدمان بناء العضلات أن يسبب آثاراً سلبية نفسية وسلوكية؛ ومنها:
- القلق والاكتئاب.
- الميول الانتحارية.
- تراجع الأداء.
- الخجل.
- صعوبات تكوين العلاقات والعزلة.
وكذلك، أشار بوب إلى عدد من مخاطر تناول الستيروئيدات البنائية على الصحة؛ مثل:
- اعتلال القلب.
- الإصابة بتصلُّب الشرايين.
- النوبات القلبية.
- السكتات الدماغية.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: التوتر العاطفي يسبب اعتلال عضلة القلب فكيف تحمي نفسك من خطره؟
كيف يمكن علاج إدمان بناء العضلات؟
لا توجد حتى الآن دراسات رسمية حول خلل التشوه العضلي في حد ذاته من منظور علاجي؛ لكن غالباً ما يتعامل معه الأطباء بوصفه أحد أشكال اضطرابات تشوه الجسم؛ أي يمكن استخدام طرائق العلاج التالية:
- العلاج الدوائي: استخدام مضادات الاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، والأدوية من عائلة بروزاك.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): وهو نوع من العلاج اللفظي الموجه خصوصاً إلى المفاهيم الخاطئة، والمساعد على التخفيف التدريجي من السلوكات المفرطة مثل فحص شكل العضلات أمام المرآة، ورفع الأثقال المفرط.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى الجلسات العلاجية المعرفية والسلوكية
ختاماً، يمكن للعائلة والأصدقاء المقربين مساعدة المصاب بإدمان بناء العضلات أو اضطراب التشوه العضلي خلال رحلة الشفاء، بعدم انتقاده، وحثّه على طلب المساعدة المهنية من الطبيب المختص.