ما أسباب كثرة التنهد؟ ومتى تصبح مؤشراً إلى تدهور صحتك النفسية؟

3 دقائق
التنهد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: هل تتنهد كثيراً؟ وهل سألت نفسك من قبل عن علاقة التنهد بحالتك النفسية؟ الحقيقة أن ثمة ترابطاً كبيراً بينهما سوف تعرفه من خلال هذا المقال.

يرتبط التنهد في العقل الجمعي بالمشاعر والعواطف، فقبل أكثر من 1,600 عام، كتب الشاعر الإنجليزي ويليام شكسبير قصيدته عن التنهد "لا تتنهد أكثر" (Sigh No More)، وغنى المطرب العراقي كاظم الساهر قائلاً "لا تتنهد". وبينما يلعب التنهد دوره في التعبير عن الحالة المزاجية، فإنه مهم أيضاً من الناحية الفيزيولوجية للحفاظ على وظائف الرئة الصحية، وحين ننتقل إلى علم النفس سوف نكتشف حقائق مفاجئة عن التنهد، وإليكم في هذا المقال ما يكشفه التنهد عن الحالة النفسية.

ما هو التنهد؟

تشير المختصة النفسية آنا هايبرن (Anna Hayburn) إلى أن التنهد هو نَفَس طويل وعميق يشبه الشهيق والزفير ولكنه ليس الشيء نفسه، وعادة ما يحدث التنهد جرّاء استجابة عاطفية مثل التوتر أو الحزن والقلق، ويُنتج الإنسان في المتوسط نحو 12 تنهيدة تلقائية في غضون ساعة.

ويعمل التنهد من الناحية الفيزيولوجية على تضخيم الحويصلات الهوائية، وهي عبارة عن أكياس هوائية صغيرة جداً موجودة في الجهاز التنفسي السفلي تتقلص وتتوسع في أثناء عمليتَيّ الشهيق والزفير، وتتجسد مهمة تلك الأكياس الهوائية في أخذ الأوكسجين من الهواء الموجود في الحويصلات ونقله إلى مجرى الدم ليتوزع بعد ذلك على أجزاء الجسم كافةً، وفي أثناء الزفير تقوم الحويصلات الهوائية بتجميع ثاني أوكسيد الكربون وطرده خارج الجسم.

ويؤكد أستاذ علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا (University of California)، جاك فيلدمان (Jack Feldman) إن الطريقة المعتادة للتنفس غير كافية لبقاء الجسم على قيد الحياة؛ ولهذا يحتاج الإنسان إلى التنفس على نحو عميق من وقت لآخر؛ تنفس يشبه التنهد إلى حد كبير.

ما الذي يكشفه التنهد عن الحالة النفسية؟

أجرى أستاذ علم النفس في جامعة أوسلو (University of Oslo)، كارل هالفور تيغن (Karl Halvor Teigen) خلال عام 2008 استبانة على الطلاب من أجل اسكتشاف الكلمات "العاطفية" المرتبطة بالتنهد، وسُئل المشاركون عن عدد المرات التي يتنهدون فيها، وتوصلت الاستبانة إلى نتيجة مفادها أن التنهد مرتبط بالمزاج السلبي بصفة عامة، وهو علامة على خيبة الأمل والهزيمة والإحباط.

بعد ذلك، طلب تيغن من المشاركين تخيُّل أسباب تنهد الأشخاص الآخرين وطرح 4 سيناريوهات؛ شخص يتنهد بين أصدقائه وهو يأكل في مطعم، شخص يجلس إلى جانب شخص آخر ويتنهد، شخص يتصفح رسالة ويتنهد، وسماع صوت صديقك وهو يتنهد على الطرف الآخر من المكالمة. في كلٍ من الحالات الأربع، ذكر المشاركون إن الآخرين يتنهدون بسبب المشاعر السلبية أكثر بـ 10 مرات من الأسباب الإيجابية؛ إذاً فإن التنهد بحسب تلك الاستبانة يكشف عن حالة الاستسلام والإحباط لدى الإنسان، وأحياناً يكون عملية لإعادة ضبط الجسم جسدياً ونفسياً.

وفي سياق متصل، توصلت دراسة أجرتها مجلة علم النفس البيولوجي (Biological Psychology) خلال عام 2022، إلى نتيجة مفادها أن التنهد مرتبط بالاستجابات العاطفية السلبية مثل القلق والتوتر والحزن. وتوضح المختصة النفسية آنا هايبرن إن التنهد المفرط يؤدي إلى تفاقم مشاعر القلق والتوتر؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالذعر.

اقرأ أيضاً: استخدم هذه التقنية اليابانية للتغلب على القلق والاكتئاب.

ما الذي يؤدي إلى كثرة التنهد؟

توجد عدة أسباب تدفع الناس إلى التنهد كثيراً؛ وأهمها:

1. الضغوط النفسية والجسدية: عندما تواجه ضغوطاً جسدية أو نفسية، تحدث عدة تغييرات في جسمك؛ ويمكن أن تشمل تسارع ضربات القلب والتعرق واضطراب الجهاز الهضمي، وبسبب التوتر؛ قد يحدث لك ضيق في التنفس ولهذا تشعر بالرغبة في التنهد.

2. اضطرابات القلق: يلعب التنهد المفرط أيضاً دوراً في بعض اضطرابات القلق؛ بما فيها اضطراب الهلع واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والرهاب؛ ولكن الباحثين لم يعرفوا بعد ما إذا كان التنهد المفرط يسهم في حدوث هذه الاضطرابات أو أنه أحد أعراضها.

3. الشعور بالاكتئاب: بالإضافة إلى الشعور بالتوتر أو القلق، يمكننا أيضاً إصدار تنهدات للإشارة إلى المشاعر السلبية الأخرى مثل الحزن أو اليأس؛ ولهذا السبب قد يتنهد الأشخاص المصابون بالاكتئاب في كثير من الأحيان.

4. الإصابة بأحد أمراض الجهاز التنفسي: يمكن أن يتنهد الإنسان كثيراً حين يكون مصاباً بأحد  أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD).

اقرأ أيضاً: 5 أنواع من اضطرابات القلق: تعرف إلى أعراضها وطرق علاجها.

هل ثمة فوائد نفسية وجسدية للتنهد؟

يوضح استشاري طب الأسرة وعضو الكلية الملكية البريطانية، محمد العلاق إن التنهيدة من الناحية النفسية تعمل على تهدئة الإنسان، ومن الناحية الفيزيولوجية تُعد ضرورة حيوية من أجل ضمان استمرارية وظائف الرئة؛ ففي الوقت الذي نستنشق فيه كمية أكبر من الهواء سوف يستفيد الجسم من أكبر كمية من الأوكسجين.

ما أضرار فرط التنهد؟

تشرح أستاذة الصحة النفسية، إلكي فليمينكس (Elke Vlemincx) إن لفرط التنهد العديد من الأضرار؛ فالأشخاص الذي يتنهدون كثيراً يصابون بفرط التنفس وهو ما يعني وجود مستويات منخفضة من ثاني أوكسيد الكربون في الجسم على نحو مزمن، وهذه الحالة يصاحبها بعض الأعراض مثل الدُّوار وخفقان القلب والشعور بضيق التنفس والألم، وتضيف فليمينكس إن فرط التنهد يكون أحياناً رسالة استغاثة من الجسم يطلب من خلالها زيارة الطبيب.

متى تجب عليك زيارة الطبيب؟

يُعد التنهد المتزايد علامة على وجود حالة كامنة تحتاج إلى علاج؛ ولهذا يُنصح الأشخاص الذين يتنهدون كثيراً بزيارة الطبيب إذا لاحظوا هذه الأعراض:

  1. ضيق في التنفس غير متناسب مع العمر أو مستوى النشاط.
  2. الضغط النفسي الذي يصعب تخفيفه أو السيطرة عليه.
  3. أعراض اضطراب القلق؛ بما فيها التوتر وصعوبة التركيز وصعوبة السيطرة على نوبات القلق.
  4. أعراض الاكتئاب؛ بما فيها الشعور المستمر بالحزن أو اليأس، وانخفاض مستوى الطاقة، وفقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت ممتعة سابقاً.

ختاماً، فإن التنهد ظاهرة طبيعية نقوم بها يومياً ولها الكثير من الفوائد مثل تنظيم التنفس والتعبير عن المشاعر؛ لكنه حين يكون مفرطاً فهو علامة خطر تُنذرنا بضرورة مراجعة الطبيب من أجل الاطمئنان على صحتنا النفسية والجسدية.