متلازمة المربع المفقود: كيف يسبب تركيزك على ما ينقصك تعاستك؟

4 دقائق
متلازمة المربع المفقود
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: متلازمة المربع المفقود هي مصطلح صاغه الكاتب دينيس براغر للإشارة إلى ميل الناس الفطري للتركيز على ما ينقصهم على نحو يمنعهم من تحقيق السعادة.

إذا كنت تعاني خفّة الشعر، فغالباً ما سيسرق الشعر الكثيف ناظريك في كل مكان، وإذا كانت بشرة وجهك متعَبة، فقد تمعن النظر في وجوه الناس كلهم متفحصاً نضارتها، أما في حال معاناتك من مشكلات في زواجك، فلن يلفت نظرك شيءٌ بقدر ما تفعل تلك الأصابع المتشابكة بحنان والموجودة في كل مكان! بل قد تتأمل زوجاً من العصافير متحسراً على تعاستك في الحب. لماذا يا سادة نميل إلى التركيز بشدة على الشيء الناقص أو السلبي في حياتنا وننسى كل ما هو موجود وإيجابي؟ هذا ما يُسمى بـ "متلازمة المربع المفقود" (Missing Tile Syndrome)، وإليك كيف تؤثر في سعادتنا وكيف نتجاوزها.

ما هي متلازمة المربع المفقود؟ وكيف تؤثر سلباً في بلوغ السعادة؟

متلازمة المربع المفقود هي ميل البشر إلى التركيز الكبير على عيب أو نقص في حياتهم وتجاهل كل الفضائل والإيجابيات الأخرى التي يمتلكونها، على نحو يحرمهم السعادة ويؤرق مضاجعهم. صاغ الكاتب الأميركي دينيس براغر (Dennis Prager) المصطلح في كتابه "السعادة مشكلة خطِرة: دليل إصلاح الطبيعة البشرية" (Happiness is a Serious Problem: A Human Nature Repair Manual)؛ حيث يقول براغر إن الطبيعة البشرية هي أولى الحواجز التي تقف عائقاً في طريق عيش حياة سعيدة لأن البشر يميلون، حتى لو تمتعوا بحياة مليئة بالبركات والنعم والسعادة، إلى التركيز على الجانب السلبي بدلاً من الإيجابي، والتركيز على ما هو مفقود بدلاً مما هو موجود.

وقد فرَض براغر مثالاً، مفاده أنك إذا دخلت إلى غرفة مزيّنة فريدة من نوعها تحتوي على أثاث كبير ومثير للإعجاب وسقف مستعار مؤلف من مربعات مزخرفة، ثم اكتشفت وأنت تنظر إلى السقف أن ثمة بلاطة أو مربعاً مفقوداً، فلن تستطيع مهما حاولت بعد ذلك أن تزيح نظرك عن مكان المربع المفقود. سوف تنسى الجمال الموجود في الغرفة كله وتركّز على ما هو ناقص.

وبالطبع، إن التركيز المفرط على ما هو مفقود من شأنه أن يغذي الشعور بالقلق وعدم الكفاية؛ ما قد يؤثر سلباً في السعادة والرفاهية عموماً. على سبيل المثال؛ قد تتجاهل أطفالك وأصدقاءك ووالديك وتنغمس في التعاسة لمجرد أن علاقتك مع زوجتك ليست جيدة!

لمَ هذه السلبية كلها؟

يميل البشر إلى تذكّر التجارب الصادمة السلبية أكثر من التجارب الإيجابية، وتذكّر الإهانات على نحو أفضل من تذكّر كلمات الثناء، والتفكير في النقاط والجوانب السلبية أكثر من الإيجابية، والاستجابة للأحداث السلبية بقوة أكبر من الاستجابة للأحداث الإيجابية. وعلى ما يبدو، تجذب الأمور السلبية والنواقص انتباهنا وتلتصق بذاكرتنا وتؤثر غالباً في قراراتنا.

على سبيل المثال؛ قد تقضي يوم عطلة رائعاً مع عائلتك في جو من الاسترخاء والهدوء، ثم وبسبب تعليق واحدٍ من شريك حياتك تجد نفسك منزعجاً، وقد تفكر في كلماته لبقية اليوم وربما لعدة أيام، وإذا سُئلت عن عطلتك، ستجيب بأنها كانت فظيعة، على الرغم من أنها كانت جيدة عموماً لولا تلك الحادثة السلبية البسيطة. فلماذا هذا التحيّز السلبي كله؟

قد يكون ميلنا إلى التركيز على الجوانب السلبية والنواقص في حياتنا والتفكير المطوّل فيها والتغاضي عن التفاصيل الإيجابية والجيدة ضريبة دفعناها خلال تاريخنا التطوري؛ ففي وقت سابق من تاريخ البشرية، كان الاهتمام بالعوامل المهدِّدة والمواقف الخطرة والسلبية في المكان المحيط مسألة حياة أو موت، وكان أولئك الذين أولوا الجوانب السلبية اهتماماً أكبر أكثر عرضة للنجاة، وأكثر عرضة لتوريث جيناتهم الشديدة الاستشعار للخطر. بكلمات أخرى، قد يكون الميل إلى التركيز على السلبية أكثر من الإيجابية أحد الطرائق التي يحاول بها الدماغ الحفاظ على سلامتنا.

وعلى الرغم من أنه لا داعي اليوم لهذا التأهب والحذر والسلبية للبقاء على قيد الحياة، فإن التركيز على السلبيات والتحيزّ تجاهها ما زال يؤدي دوراً رئيسياً في كيفية عمل أدمغتنا؛ بل ويؤثر في طريقة تفكيرنا واستجابتنا وشعورنا.

إن كان من المستحيل الحصول على المربع المفقود، ماذا تفعل؟

من الاقتراحات التي قدمها براغر للتغلب على هذه المعضلة: إما الحصول على المربع المفقود؛ وهذا يعني أن تسعى وتبذل جهدك للحصول على ما ينقصك بدلاً من التحسر عليه دائماً، وإما استبدال المربع المفقود والحصول على البدائل إن لم يكن بالإمكان الحصول على ما تتمناه، وإما نسيان المربع المفقود. ففي بعض الأحيان، قد لا يكون من الممكن الوصول إلى النقطة التي يكتمل فيها السقف، ولا يمكن الحصول على المربع المفقود ولا إصلاحه ولا استبداله بغض النظر عن الجهود الحثيثة المبذولة، وحينها يسبب التركيز على الجوانب السلبية والنواقص التعاسة دون أي أمل في تخطيها.

وهنا عليك أن تتذكر دائماً أن الكمال مستحيل المنال والحياة ليست مثالية، وكل شخص لديه نواقص وعيوب؛ ولكن موقفه من الحياة هو ما يحدد كيف يرى تلك النواقص وكيف يتغلب عليها. يقول الاختصاصي التربوي والأسري، الدكتور يزن عبده، إنه ينبغي للشخص أن يتقبل وجود النقص فيه وفي الآخرين، وأن يركز على الصفات الجيدة في شريكه وفي الناس المقربين وأن يتجاهل الصفات التي لا تعجبه.

لذلك؛ حاول أن تكون سعيداً بما لديك، فعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو صعباً؛ لكنه مهارة يمكن تحسينها بمرور الوقت، وإليك بعض النصائح لتحقيق ذلك:

  • مارس الامتنان: دوّن ما تمتنّ لوجوده في حياتك، فالامتنان يزيد المشاعر الإيجابية والسعادة الذاتية ويحسّن الرضا عن الحياة. خذ الوقت الكافي للتفكير في كل ما لديك من علاقات إيجابية وممتلكات وسمات شخصية والتفاصيل الصغيرة كلها، واحمد الله على وجودها.
  • ركِّز على رؤية الجوانب الإيجابية وأعد صياغة أفكارك السلبية: ابحث عن طرائق يمكنك من خلالها إعادة صياغة أفكارك بطريقة أكثر إيجابية، وهذا لا يعني تجاهل الأمور السلبية؛ وإنما محاولة إلقاء نظرة أكثر واقعيةً على الأحداث؛ ما يسمح لك بملاحظة أنماط تفكيرك وتحدي أفكارك السلبية.
  • ركِّز على اللحظة الراهنة: لا تفكر كثيراً فيما مضى ولا تنشغل بمحاولة السيطرة على المستقبل، فالسعادة يمكن تحقيقها من خلال التركيز على الحاضر والامتنان لما لديك.
  • ابنِ علاقات قوية مع الآخرين: إن وجود علاقات إيجابية وداعمة مع الأشخاص الذين تحبهم وتهتم لأمرهم يوفر حاجزاً ضد التوتر ويحسّن الصحة ويساعدك على أن تصبح أكثر سعادة.
  • تجنّب المقارنة: قد نشعر بالتعاسة عندما نقارن أنفسنا وحيواتنا مع الآخرين وحيواتهم. لذلك؛ توقف عن مقارنة نفسك بالآخرين وتذكّر أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست صورة حقيقية كاملة عن حياة الناس، وأن نزعة المجتمع اليوم هي نحو الاستهلاك وتوليد الرغبة المستمرة في الحصول على المزيد؛ سواء المزيد من المال أو المنتجات أو الثياب أو الأصدقاء. لذلك من المهم أن تتراجع قليلاً وتسأل نفسك لماذا تريد المزيد، وتحدد ما يجعلك سعيداً بالفعل، ثم تركز طاقتك عليه.

ختاماً، تذكّر أنك كلما ركّزت على الجوانب الإيجابية في حياتك وشعرت بالامتنان لما تمتلكه، تضاءلت مساحة المربع المفقود في حياتك، وقد تنسى وجوده أساساً.