على الرغم من التقدم التكنولوجي، لماذا ما زال الكثيرون يحبون الورق ورائحته؟

إذا خُيّرت ما بين قراءة كتاب ورقي أو إلكتروني، أيها ستختار؟ في الواقع، غالباً ما سيكون جوابك متطابقاً مع أجوبة الغالبية باختيار الكتاب الورقي، فعلى الرغم من غرقنا شبه الكامل في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ما زال العديد يفضل القراءة من الورق؛ لكن لماذا؟ ما سر الورق وتعلقنا به؟ ولماذا ما زلنا نرفض أن نستبدل بالكتب الورقية الكتبَ الإلكترونية؟

6 أسباب تفسر تفضيل الكتب الورقية على الإلكترونية

نظمت مؤسسة أوكسفام (Oxfam)؛ وهي من أكبر شركات بيع الكتب المستعملة في أوروبا، استطلاعاً شمل نحو 2,000 شخص في المملكة المتحدة لأخذ آرائهم فيما يتعلق بالكتب الورقية والكتب الإلكترونية؛ حيث أبلغ 46% منهم أنهم يستمتعون أكثر بتقليب صفحات الكتب، و 42% منهم يفضلون وجود نسخ كتب ورقية بين أيديهم، بالإضافة إلى أن 25% قالوا إنهم يحبون رائحة الكتب الورقية. أما عن الأسباب اختيار الناس للكتب الورقية، فيمكن حصرها في ما يلي:

التجربة الواقعية

من أهم أسباب تفضيل الناس للكتب الورقية هي التجربة الواقعية التي يعيشونها والتي تكون أكثر ثباتاً وديمومة في النفس؛ حيث يقدم الكتاب شيئاً حسياً ملموساً يساعد على الانغماس في القصة أو تفاصيل الكتاب في أثناء القراءة من الورق. 

تقول استشارية علم النفس والمؤسِّسة المشاركة لعيادة علم النفس في مدينة تشيلسي في بريطانيا، الطبيبة إلينا توروني (Dr. Elena Touroni)، إن القراءة تتيح لنا الهروب من الواقع، وتوفر لنا استراحة من حياتنا اليومية؛ كما أنه فرصة لتعلم شيء جديد وتوسيع عقولنا في أغلب الأحيان. 

التجربة الحسية

قد يبدو هذا غريباً؛ لكن تجربة حمل الكتاب وتقليب صفحاته وسماع الصوت الناجم عنها يعطي القارئ تجربة حقيقية وملموسة؛ كما أن ملاحظة ما قرأته ورقم الصفحة التي وصلت إليها لها دور كبير في التجربة النفسية للقراءة. 

المساعدة على التركيز

إن القراءة من الكتب الورقية تساعد على التعمق في موضوع القصة، على عكس الكتب الإلكترونية التي يسهل فيها تشتيت انتباه الشخص في أثناء القراءة على جهازه؛ بسبب تعدد مهمات الأجهزة الإكترونية على نحو يجعل من القراءة أشبه بالتصفح دون الدخول في تفاصيل الكلمات ومعانيها. 

أفضل صحياً

للقراءة من خلال جهاز إلكتروني العديد من الآثار السلبية، فالضوء الصادر عن هذه الأجهزة ليلاً يعوق القدرة على النوم مسبباً الشعور بالخمول في اليوم التالي؛ ما يؤثر في صحتك العامة سلباً. في المقابل، فإن الكتب الورقية تساعد على النوم ليلاً على نحو أفضل؛ كما أنها تحسن المهارات اللغوية للقارئ وتعزز النمو العقلي والذاكرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن قراءة الكتب الالكترونية لفترة طويلة تؤدي إلى إجهاد العين وإرهاقها؛ حيث تظهر هذه المشكلات على هيئة أعراض عديدة مثل حكة العيون والصداع وجفاف العيون.

تجربة أفضل في فهم المعلومات

ثبت أن الأشخاص الذين استخدموا الكتب الورقية كانوا أكثر قدرة على تذكر أحداث القصة أو الموضوع الذي قرؤوه مقارنة بمن قرؤوا باستخدام الأجهزة الإلكترونية؛ حيث وجد الباحثون أن القراءة من الكتب الورقية تجعل الشخص أكثر ترابطاً مع أحداث القصة وتعاطفاً معها؛ ومن ثَمّ أكثر تأثراً بأحداثها؛ ما يسمح له بتذكرها لوقت أطول. 

أفضل للأطفال

من الظاهر أن القراءة من الكتب الورقية تعزز التفاعل بين الآباء وأطفالهم؛ حيث يُظهر الأطفال العديد من علامات التفاعل، سواء اللفظية أو غير اللفظية، مع الكتب الورقية مقارنة بالكتب الإلكترونية؛ ويعود ذلك إلى أسباب عدة منها  التشتت والإلهاء اللذَين تخلقهما الأجهزة الإلكترونية فتمنع الأطفال من الانسجام الكامل والتعمق في القصة. 

هل لرائحة الكتب تأثير في تعلق الشخص بالقراءة من الورق؟

عندما تتحدث أمام أحد القرَاء عن رائحة الكتب، فغالباً ما يتبادر إلى ذهنه مدفئة مع كتاب وكوب من الشراب الساخن في جو شتوي ماطر، أو قد يتخيل نفسه مستلقياً أمام شط البحر وكتابه بيده، وغيرها من الذكريات التي ترتبط مع رائحة الكتب. 

أما علمياً، فهذه الرائحة هي عبارة عن تفاعل المواد الكيميائية العضوية الموجودة في الكتب مع العوامل الجوية الطبيعية، سواء الضوء أو الحرارة أو الماء؛ ما يؤدي إلى إطلاق مركبات عضوية متطايرة ذات رائحة غريبة قد تشبه الفانيليا، توصف بأنها "مزيج من الأوراق العشبية مع رائحة أحماض خفيفة بالإضافة إلى القليل من رائحة الفانيليا".

أو قد تشبه رائحة الكتب الشوكولا أو القهوة أو الدخان. في الأحوال جميعها، ما يهم حقاً ليس الرائحة في حد ذاتها؛ وإنما الذكريات المرتبطة بها، فالأيام التي نقضيها بقراءة كتاب تكون غالباً أوقات مريحة وسعيدة من حياتنا؛ ومن ثَمّ ترتبط رائحة الكتب مع الإحساس بالاسترخاء والراحة النفسية. 

فعندما تشم رائحة أحد الكتب قد تقول لنفسك: "كم أحب هذه الرائحة"! على الرغم من أنها قد لا تكون جيدة فعلياً، ولأنك تحب ما تربطك به هذه الرائحة من ذكريات جميلة ومريحة.