ملخص: تنتهي العلاقة السامة وغير الصحية مع شخص منحرف نرجسي بظاهرة يسميها المختصون النفسيون "القتل النفسي"، فما هي؟
محتويات المقال
يتميز الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية المعروف لدى عامة الناس بـ "المنحرف النرجسي" بعدة سمات منها الشعور بالتفوق والحاجة إلى إثارة إعجاب مَن حوله والافتقار إلى التعاطف؛ كما أنه يعاني تدنياً في تقدير الذات ويحاول تعويض هذا النقص من خلال تحقير الآخرين.
وعلى الرغم من أنه يبدو ودوداً وجذاباً أغلب الأحيان، فإنه يؤمن بتفوقه على الآخرين ولديه حاجة مفرطة إلى إثارة إعجاب مَن حوله. يُصاب الرجال باضطراب الشخصية النرجسية أكثر من النساء، وباستخدام سحره وجاذبيته، يعرف الشخص النرجسي كيف يصبح لا غنى عنه بالنسبة إلى ضحيته في بداية العلاقة؛ لكن سرعان ما يزول البريق الكاذب لتتكشف طباعه الحقيقية، فهو شخص متلاعب لا يشعر بالذنب أو الندم حينما يؤذي الآخر.
ولا يقتصر هذا النوع من العلاقات السامة على المجال العاطفي، فالمتلاعب النرجسي قد يكون صديقاً أو زميل عمل أو حتى قريباً. العواقب المؤذية لهذا النوع من العلاقات لا حصر لها؛ لكن ثمة مرحلة نهائية مريعة تواجهها الضحية يسميها المختصون "القتل النفسي".
وفي مقال نُشر في مجلة سايكولوجي توداي (Psychology Today)، أوضح الطبيبان النفسيان كاري بارون (Carrie Barron) وسانتون سيمناو (Santon Samenow) المقصود بالقتل النفسي، فما علاماته؟ وهل يمكن للمرء أن ينقذ نفسه منه؟ فيما يلي نسلط الضوء على هذه الظاهرة المجهولة للكثيرين.
ما هو القتل النفسي؟
اقتُبس تعبير "القتل النفسي" من كتاب مختص الطب والتحليل النفسي الأميركي الراحل ليونارد شينغولد (Leonard Shengold)، "قتل الروح: تأثير إساءة المعاملة والحرمان خلال مرحلة الطفولة" (Soul Murder: The Effects of Childhood Abuse and Deprivation). وقد صاغ شينغولد عبارة "قتل الروح" ليوضح كيف فقد طفل ثقته بنفسه ومتعة الحياة والرغبة فيها بسبب إساءة المعاملة وغياب التعاطف، ويقول المختص في كتابه: "إنها محاولة متعمّدة للقضاء على هوية الفرد أو تدميرها".
حينما لا يقدّر الوالدان مشاعر الطفل الفطرية ومواهبه ولا يشجعانه على تعزيزها تتشوش هويته وتضطرب وتصبح الحياة مؤلمة بالنسبة إليه؛ ويخضع بسبب هذا الوضع إلى نوع من غسل الدماغ؛ إذ يبدأ بإضفاء المثالية على الشخص ذي السلطة (الوالد) في حين أنه يحط من قدر نفسه، فيلقي هذا الواقع المشوه وغير الصحي بظلاله عليه وهو ما يزال ضعيفاً وفي مرحلة النمو.
يسمي مختص التحليل النفسي هذه الحالة "قتل الروح" التي تشير إلى الحرمان الذي يعانيه الطفل بسبب عدم تلبية أيٍ من احتياجاته، والعبء الثقيل الذي يحمله على كتفيه الضعيفتين، فمفاهيم الحب والخير والجمال التي ربطته بالحياة لم تعد موجودة بالنسبة إليه.
كيف يدمر المتلاعب النرجسي ضحيته؟
ليس الأطفال وحدهم من يقعون ضحية لمثل هذه السلوكات؛ إذ تتعرض إليها ضحية المتلاعب النرجسي في المرحلة الأخيرة من العلاقة المؤلمة والطويلة التي تجرها نحو الهاوية. في البداية، يصبح التواصل مع المتلاعب النرجسي غامضاً؛ إذ يكذب ويغير رأيه باستمرار ثم تبدأ بعد ذلك تنتابه نوبات الغيرة ويُظهر رفضه الاعتراف بأخطائه وتحمل مسؤوليتها إضافة إلى إيذاء ضحيته جنسياً (الذي يتخلله التظاهر بالحنو أحياناً) وابتزازاها عاطفياً وتعذيبها نفسياً، وتعيش الضحية بسبب ذلك محنة نفسية شديدة وتنشأ لديها أفكار انتحارية فتفكر فعلياً في إنهاء حياتها.
الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية مجرم حقيقي، حتى لو كان لا يتعرض للمساءلة؛ إنه يؤذي الآخرين بشدة بسبب توقعاته غير المنطقية منهم، وعدم إحساسه بمشاعرهم، وشعوره أنه بمنأىً عن العقاب وأن لديه قدرة مطلقة.
يقول المختص النفسي سانتون سامينو: "يتلاعب المنحرف النرجسي بالناس ويستغل جهودهم لتعويض النقص في داخله".
الأشخاص الأكثر تعرضاً للأذى هم المقربون من المتلاعب النرجسي مثل الزوج والأطفال وزملاء العمل؛ إذ يتعرضون للسحق يومياً، وفي سبيل التعايش بسلام مع هذا الوضع، سيحاولون بأي ثمن تلبية احتياجاته النفسية النهمة على حساب صحتم النفسية، وبعد ذلك يدخل الضحايا في حلقة مفرغة من احتقار الذات والفقدان التام للثقة بالنفس، والشعور المَرَضي بالذنب؛ ما ينتهي بالاكتئاب والرغبة في الموت لوضع حد لحالة أصبحت لا تُطاق بالنسبة إليهم لأنهم يعتقدون خطأً أن الخلاص منها مستحيل.
يؤكد سامينو: "المنحرف النرجسي هو شخص اعتاد فعل ما يريد بغض النظر عن تأثير أفعاله في الآخرين، لديه شغف في فرض سيطرته ويفعل ذلك غالباً في تجاهل صارخ للقواعد الأخلاقية، إنه يهدد ضحيته أو يخدعها أو يعاملها بوحشية جسدياً ونفسياً لتحقيق أهدافه".
كيف يمكنك الإفلات من قبضة المتلاعب النرجسي؟
بطبيعة الحال، فإن آثار هذا النوع من العلاقات مدمرة؛ لكن الطبيبة النفسية كاري بارون توضح إن الخلاص منها ممكن إذ تقول: "ما يدعو إلى التفاؤل أنه إذا تمكن الفرد من الابتعاد عن مصدر الشر والاقتراب من أناس يقدرونه ويحترمونه، فيمكن أن ينقذه ذلك من آثار تلك العلاقة".
الخطوة الأولى هي وعي الضحية بالتأثير الذي خضعت إليه ثم قطع العلاقة بالمنحرف النرجسي وهو الخطوة الأصعب؛ لأن الأخير سيستخدم العديد من الحِيل لإبقاء ضحيته تحت سيطرته مثل تخويفها، واستخدام العنف بصوره كافةً معها، والاستخفاف بها، ودفعها إلى التشكيك في نفسها، ومن العبارات التي قد يتفوه بها في هذا السياق: "أنت لا تساوي شيئاً من دوني"، ويمثل إدراك هذه الحيل والتغلب عليها خطوة حاسمة بالنسبة للضحية.
تقول كاري بارون: "يستلزم الإفلات من هذه العلاقة أيضاً من المرء التخلي عن فكرة إضفاء المثالية على الأحباء أو الماضي، والتخلي عن القيم العائلية الراسخة وأنماط التفكير الخاطئة؛ ما سيمكّنه من فهم قدراته الحقيقية ووضع نفسه في مكانة تسمح له بحب الحياة والعيش بسلام".
يصل المرء إلى ذلك غالباً حينما يحظى بدعم شخص محب تجمعه به علاقة صحية، ووفقاً لدراسة أجرتها كلية هارفارد للتعليم؛ فإن كل ما تحتاج إليه الضحية لتبدأ رحلتها نحو التعافي من علاقتها مع المنحرف النرجسي هو علاقة مع شخص مستقر عاطفياً يمنحها الاهتمام والدعم، ليكون الخير كله بعد ذلك في متناول يدها.