ملخص: يستكشف هذا المقال العلاقة المعقدة بين بكتيريا الأمعاء وصحتنا النفسية، وبالتحديد حالتنا المزاجية العامة، ويقدّم أبرز النصائح لتعزيز صحة الأمعاء وتحسين المزاج.
محتويات المقال
ما هي بكتيريا الأمعاء؟ وما أهميّتها؟
تشير بكتيريا الأمعاء (Gut Microbiota) أو ميكروبيوتا الأمعاء إلى مجموعات من الكائنات الحيّة الدقيقة التي تعيش في القنوات الهضمية؛ والتي تشمل البكتيريا والفيروسات والفطريات والميكروبات الأخرى. ويوجد أكبر عدد من هذه الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء الغليظة؛ أي القولون.
وتؤدّي بكتيريا الأمعاء، التي كانت تُعرف سابقاً باسم "ميكروفلورا الأمعاء"، دوراً في مختلَف العمليات الفيزيولوجية الرئيسة؛ بما فيها:
- استخلاص الطاقة من الطعام الذي نهضمه.
- الدفاع عن الجسم ضد مسبّبات الأمراض الضارة.
- تعديل وظائف الجهاز المناعي.
- تقوية الحواجز البيوكيميائية داخل الأمعاء والقنوات الهضمية.
ويمكن أن تستضيف القناة الهضمية العديد من البكتيريا النافعة والضارة كذلك؛ ما يؤدّي إلى الإصابة بالعدوى التي تتراوح بين الأمراض الناتجة من الغذاء إلى أمراض الجهاز الهضمي الأخرى التي تسبب أعراضاً مثل الإسهال والقيء.
ويسبّب عدم التوازن في ميكروبيوتا الأمعاء، في عدد من المشكلات الصحية؛ بما فيها السمنة، وداء السكري من النوع الثاني، والتهاب الأمعاء. وتشير الأدلة العلمية إلى وجود روابط وثيقة بين صحة بكتيريا الأمعاء والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب واضطراب طيف التوحد (ASD)؛ حيث من المحتمَل أن تؤثّر بكتيريا الأمعاء في السلوك والحالة المزاجية والصحة العقلية للأفراد من خلال ما يُعرف باسم "محور الأمعاء والدماغ" (Gut-Brain Axis).
اقرأ أيضاً: هل تمضغ العلكة أم لا؟
تؤثّر بكتيريا الأمعاء في الحالة المزاجية وقد تمنع الاكتئاب
في دراسة رائدة أشرف عليها عالِم الأحياء الدقيقة في جامعة لوفين (University of Leuven) في بلجيكا، جيروين رايس (Jeroen Raes) إلى جانب فريق من الباحثين، كشفت النتائج عن العلاقة المحتمَلة بين ميكروبيوم الأمعاء (Gut Microbiome) والاكتئاب.
حيث قام الباحثون بفحص مجموعتين كبيرتين من الأفراد؛ تتكون المجموعة الأولى من 1,054 بلجيكياً شُخّص 173 منهم بالاكتئاب أو سجلّوا نتائج سيئة في مسح جودة الحياة، وتتكوّن المجموعة الثانية من 1,064 هولندياً.
أخذ الباحثون في الاعتبار عوامل مثل العمر والجنس واستخدام مضادات الاكتئاب، وكلها عوامل يمكن أن تؤثّر في ميكروبيوم الأمعاء. وكذلك، قام الفريق بتحليل الدور المحتمَل لبكتيريا الأمعاء في تنظيم الحالة المزاجية من خلال تجميع قائمة من 56 مادة مهمة لوظيفة الجهاز العصبي تنتجها أو تحلّها بكتيريا الأمعاء.
وخلصت النتائج في كلتا المجموعتين إلى أن أنواعاً معيّنة من بكتيريا الأمعاء كانت مفقودة لدى الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب. وفي مقابل ذلك، اتضح أن لديهم زيادة في البكتيريا المرتبطة بمرض كرون (Crohn's disease)؛ ما يشير إلى دورٍ محتملٍ للالتهاب في الاكتئاب.
وعند التحقيق في أدوار الميكروبات المعوية المختلفة، وجد الباحثون أن ثمة نوع بكتيريا مفقود لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب يرتبط بالدوبامين، وهو إشارة دماغية رئيسة تسهم في الإصابة بالاضطرابات المزاجية مثل الاكتئاب. هذا بالإضافة إلى أن هذا الميكروب يُنتج مادة مضادة للالتهابات تسمَّى "الزُبدات" (Butyrate)؛ التي يمكن أن تكون مفيدةً في محاربة الإصابة بالاكتئاب بالنظر إلى الدور المحتمَل للالتهاب في ظهوره.
اقرأ أيضاً: تعرف على أفضل الأغذية للعناية بأمعائك
لماذا تؤثّر صحة الأمعاء في الحالة المزاجية؟
تمتلك الأمعاء نظامها العصبي المعروف بـ "الجهاز العصبي المعوي" (Enteric Nervous System). وفي حين أنه ليست لدى هذا الجهاز وظائف معرفية مثل الدماغ، فإنه يتحكّم في عمليات الهضم وامتصاص العناصر الغذائية، ويتواصل مع الدماغ. لذلك؛ يمكن أن تؤدي التغييرات الكبيرة في الجهاز العصبي المعوي إلى إرسال إشارات إلى الدماغ مسببةً تغيرات في المزاج؛ الأمر الذي يفسّر ارتباط اضطرابات الجهاز الهضمي مثل متلازمة القولون العصبي ومرض كرون والتهاب القولون التقرحي غالباً بالاكتئاب وأعراض القلق.
ومن الجدير بالذكر إن قُرابة 90% من مادة السيروتونين في الجسم، والمعروفة بأنها: "المادة الكيميائية السعيدة" لدورها في تنظيم الحالة المزاجية، تُنتَج في الأمعاء وليس الدماغ. إذ تنتج بكتيريا الأمعاء العديد من الناقلات العصبية؛ بما فيها الدوبامين (Dopamine) والنورأدرينالين (Norepinephrine) وحمض غاما أمينوبوتيريك (Gamma-Aminobutyric Acid)، وكلها يمكن أن تؤثّر في الحالة المزاجية والعواطف.
3 نصائح لتعزيز صحة أمعائك وتحسين مزاجك
في ضوء المعطيات العلمية التي ذكرناها سابقاً، يبدو أن صحة الكائنات الحية الدقيقة في أمعائنا تؤدّي دوراً مهماً في حالتنا المزاجية والعاطفية اليومية. وتساعد الخطوات التالية على تعزيز صحة بكتيريا الأمعاء ومن ثَمّ تحسين المزاج:
- تناول الخضروات بأنواعها: تعمل الكائنات الدقيقة في الأمعاء على تفتيت الألياف الغذائية من النباتات، وتنتج مستقلَبات (Metabolites) رئيسة مثل الأحماض الدهنية القصيرة المدى المفيدة لصحة الأمعاء. وتنتج النباتات مستقلَبات مختلفة؛ ومن ثَمّ فإن النظام الغذائي المتنوّع أفضل للتنوّع الميكروبي؛ حيث يسهم استهلاك النباتات في تنوّع الميكروبيوم بطريقة لا تقوم بها الأطعمة الحيوانية. ويُنصح باستهلاك قُرابة 30 نوعاً مختلفاً من النباتات في الأسبوع من أجل صحة مثالية للأمعاء؛ إلا أن الأشخاص المصابين بمرض القولون العصبي قد يحتاجون إلى تجنّب بعض الخضروات التي تؤدّي إلى تفاقم الأعراض.
- جرّب الأطعمة المخمرة: الأطعمة المخمرة ما هي إلا بروبيوتيك (Probiotics) طبيعي يزيد تنوّع الميكروبات في الأمعاء. يمكن البدء بإضافة الأطعمة المخمّرة إلى النظام الغذائي تدريجياً، وتشمل بعض الأمثلة: الزبادي، والكفير، والملفوف المخلّل.
- اهتم بالتمرين البدني والنوم: يؤدّي كل من النظام الغذائي والتمرينات الرياضية والنوم وإدارة الإجهاد دوراً مهماً في صحة الأمعاء. وتشمل التوصيات 150 دقيقة من النشاط البدني أسبوعياً و7 إلى 9 ساعات من النوم كل ليلة؛ إذ يرتبط النوم بتنوع ميكروبيوم الأمعاء، بينما تساعد التمرينات الرياضية على تعزيز إنتاج الأحماض الدهنية القصيرة السلسلة (Short-chain fatty acid) المفيدة للأمعاء، ويمكن لتقنيات اليقظة مثل التأمل أن تخفّف التوتّر؛ ما يسهم في تحسين صحة الأمعاء.
اقرأ أيضاً: أكلات تحسّن الصحة النفسية ستغيّر وجهة نظرك في الطعام!
وأخيراً، يقدّم التفاعل المعقّد بين بكتيريا الأمعاء والمزاج آفاقاً واعدة في فهم مشكلات الصحة النفسية والعلاجات المحتمَلة لاضطرابات المزاج التي يعاني منها ملايين الأشخاص. وبينما يستمر العلم في كشف هذه العلاقة، أصبح من الواضح أن الحفاظ على ميكروبيوتا الأمعاء الصحية والمتنوّعة لا يؤدي دوراً رئيساً في تعزيز الصحة البدنية فحسب؛ ولكن الحالة العاطفية والاستقرار النفسي كذلك.