تفكر أو تفكرين في الارتباط بشخص جديد، ويأتي اليوم الذي تجد أو تجدين نفسك فيه أمام الامتحان الصعب، ألا وهو تقديم هذا الشريك الجديد لأبنائك.
يخشى كل شخص مقبل على الارتباط بشريك جديد من رفض أبنائه له ويفكر هل تجاوز أبناؤه فراق الوالد أو الوالدة؟ هل لديهم الاستعداد للعيش مع هذا الشخص الغريب بالنسبة لهم؟ تقول عالمة النفس ماريس فيلانت: "يشكل الأبناء عاملاً أساسياً عند اختيار الآباء لشريك حياتهم".
ويعكس ذلك الصعوبات التي قد نواجهها في سن الرشد، فالأب أو الأم من المفترض أنهما يملكان حريتهما الكاملة مع تحملهما المسؤولية تجاه التزاماتهم من جهة أخرى. لكن ما يحدث غالباً في مثل هذه الحالات هو أن الآباء يتخلون عن حريتهم ويضعون أنفسهم تحت وصاية أبنائهم.
وتوضح المحللة النفسية سيلفيا غامبينو أن هذه الظاهرة تعد سمة من سمات هذا العصر ومردها عدم مراعاة تسلسل الأجيال وتضيف: "عندما يجعل الآباء من أبنائهم مرجعية لهم في مثل هذه القضايا فإنهم يضعونهم في موضع سلطة، الأمر الذي يسبب آثاراً سيئة في نفس الطفل: " فهو لن يدرك ما يناسب مصلحة والده أو والدته، ومن ناحية أخرى، عندما يرى الطفل أن لكلامه تأثيراً في الوقائع سيغذي ذلك وهمه بالسلطة التي يملكها، ما سيقود في النهاية لشعوره بالذنب".
وينظر بعض الآباء إلى تعريف أبنائهم بـ "شريك حياتهم الجديد" كامتحان صعب. ووفقاً لآلان براكونيير فإن ذلك يعود إلى اهتمام الآباء بتأثير خياراتهم في حياة أبنائهم، وعدم رغبتهم في التسبب بألم لهم خاصة بعد تجربة طلاق الوالدين التي لا شك في أنها خلفت لدى الأبناء جرحاً عميقاً.
إذن كيف يمكن اجتياز صعوبة اللقاء الأول بين شريك حياتنا الجديد وأبنائنا؟
يقدم لنا ثلاثة مختصين أسريين نصائح قيمة حول هذا الأمر.
الطفل والأب/الأم والشريك الجديد
"الشريك الجديد":
حرصاً منه على ترك انطباع جيد قد يبالغ شريك الأم أو الأب في حماسته تجاه الأطفال ولا يعد ذلك أمراً مستحسناً ولو كان بنوايا حسنة، إذ إن الأطفال لديهم القدرة على التمييز بين المشاعر الحقيقية والمشاعر المبالغ فيها. إذاً ما هو السلوك الأنسب هنا؟ الاعتدال فلا تكن غير ودود ولا تبالغ في مشاعرك، أظهر الألفة وتعرف عليهم.
الآباء:
من الأفضل تجنب مدح شريكهم الجديد، فقد يفهم الطفل هذا الكلام على أنه تنحية لوالدته أو والده. كل ما عليك فعله هو تعريف أطفالك بشريكك الجديد وماذا يعمل وما هو وضعه العائلي (هل لديه أو لديها أطفال أو بدون).
بالنسبة للطفل:
يمكن ترتيب الاجتماع ضمن جلسة عائلية أو نزهة، المهم أن يجد الطفل بعد اللقاء مع الشخص الجديد مساحة يلجأ إليها للتخلص من نظرات التدقيق والقلق سواء بالذهاب لغرفته أو الانضمام للعب مع أصدقائه، فهو بحاجة للتخلص من توتره العاطفي بعيداً عن الكبار.
لحظة الحديث عن الموضوع
يعتبر خبر انضمام شخص جديد للأسرة مصدر اضطراب في حياة الأطفال. تعتبر فترة ما بعد الطلاق فترة انتقالية بالنسبة للبالغين، أما بالنسبة لأطفالهم فهي ليست كذلك. لذا فإن اختيار التوقيت المناسب للحديث معهم حول الموضوع أمر مهم. وتوضح ماريز فيلانت: "نبدأ بإخبارهم ببساطة أننا التقينا بشخص مهم، دون الخوض في التفاصيل. وتضيف عالمة النفس أنه لا ينبغي أن تكون الحياة العاطفية للوالدين كتاباً مفتوحاً أمام أطفالهم، إذ يمكن أن نوضح لهم المزيد من التفاصيل فقط عندما يصبح مشروع الحياة المشتركة أكثر وضوحاً".
وتوضح سيلفيان جيامبينو أنه إذا كان التوقيت الجيد يساهم في الراحة العاطفية للطفل وشعوره بالأمان، فلا ينبغي أن ننسى أن هذه الفكرة نسبية. لذلك لا يمكننا أن ننصح بوقت مثالي. وكل ما يمكن قوله للآباء هو أن مناقشة أي تغييرات في حياة أطفالهم أو تجهيزها يجب أن يتم تدريجياً".
أما عن كيفية تناول الموضوع فلا يوجد قواعد محددة أيضاً. لكن آلان براكونيير يحذر من أمرين عند التحدث مع الطفل وهما الجدية الزائدة والتي قد تسبب له انزعاجا وتوتراً، والعفوية الزائدة أيضاً التي قد يراها الطفل محاولة فاشلة من الآباء لإخفاء قلقهم".
اختيار الكلمات المناسبة
يجدر بالآباء عدم الانزلاق في الحماس الزائد عند الحديث عن شركائهم أمام أطفالهم لأن هذا قد يؤذي مشاعرهم. وهذا ما حصل مع فريديريك، 38 عاماً، عندما تحدث مع ابنته البالغة من العمر 8 سنوات عن صفات شريكته الجديدة فاليري. "لقد استمعت إليّ دون أن تقول أي شيء، ثم فجأة، قالت لي وقد كادت أن تبكي: أمي ليست سيئة، إنها أيضاً مضحكة ولطيفة. بالإضافة إلى أنها تصنع كعكات رائعة. يتابع: "كنت سأصفع نفسي، وكان ذلك بمثابة درس قاسٍ".
لذلك احذر من الصور المبالغة في الإطراء إذ ينظر إليها الطفل على أنها طريقة ضمنية لاستبعاد الوالد الآخر. "لبناء شخصيته، يحتاج الطفل إلى صورة جيدة لوالديه. هذا هو السبب في أنه من الأفضل أن تتحدث عن شريكك الجديد بتواضع ودقة وينطبق هنا المثل القائل "خير الكلام ما قل ودلّ". يمكنك على سبيل المثال ذكر اسمه ومهنته ثم السماح لأطفالك بالتعرف عليه بشكل تدريجي دون ممارسة أي نوع من الضغط لكسب تعاطفهم تجاهه". وينصح آلان براكونير، بالحديث عن مشاريع الحياة الزوجية أمام الأطفال مثل (التعايش، الانتقال، مشاركة الغرفة ...) بالتدريج، وذلك للسماح للطفل أو المراهق بهضم المعلومات بالسرعة التي تناسبهما.
من ناحية أخرى، يجب توصيل بعض المعلومات بسرعة حتى لا يشعر الطفل بالصدمة، مثل إخباره أن هذا الشريك الجديد لديه أطفال. ويوضح آلان براكونيير "لا ينبغي إغراقهم في سيل من المعلومات وهو ما يفعله بعض الآباء من خلال الاعتقاد أن ذلك يطمئنهم، لكن يجب أن يشعروا في الوقت ذاته أنه يمكنهم طرح جميع الأسئلة التي تخطر على بالهم دون مراقبة أنفسهم".
ينتظر بعض الآباء الإجازة الصيفية، للقيام بخطوة تعريف الأبناء بالشريك الجديد إذ يخفف اجتماع أفراد الأسرة معاً من أي توتر محتمل في هذه الأجواء. هل هذا هو الوقت المناسب للإعلان عن زيادة أفراد الأسرة؟ تقول ماريز فيلانت: "إنها لفكرة جيدة أن تستفيد من هذه الفترة عندما يكون لديك وقت لنفسك وللآخرين"، لكن انتبه: لا تعرّف شريكك الجديد بأطفالك على مائدة الإفطار بعد قضاء الليلة معه، ولا تفرض حضوره طوال الإجازة بحجة التعرف على بعضهما البعض بشكل أفضل".
ويبدو هذا التحذير واضحاً، لكننا في بعض الأحيان قد ننسى لأن الرغبة في التوقف عن الشعور بالذنب والتقليل من أهمية الحدث قد تفوق المنطق السليم.
موقف الطفل الرافض للفكرة
يجمع مختصو الأسرة على أن رفض الأطفال التعرف على شريك أحد الوالدين الجديد، والسلوك العدواني، والحزن المزمن... هي وسيلة للطفل ليعبر عن عدم القبول. لابد من الاستماع للطفل ومناقشته، ولا بأس بتأجيل التعرّف على الشخص الجديد وإجابته عن جميع أسئلته وطمأنته كحلول لتهدئة الأزمة. لكن يجب على الوالد في النهاية أن يوضح أنه لن يغير رأيه حيال ما ينوي القيام به.
هل يجب أن تقدم شريكك الجديد إلى الشريك القديم؟
يشعر بعض الآباء والأمهات أن من حقهم التعرف على الشريك الجديد الذي سيعيش مع أطفالهم سواء بشكل دائم أو خلال الإجازات فقط. ويمكن القيام بذلك "بشرط استيفاء ثلاثة معايير"، وفقاً لـ ماريس فيلانت.
1- يجب تهدئة العلاقة بين الزوجين السابقين، وإلا فإن الشريك الجديد سيشكل أرضية جديدة للنزاع.
2- يكون الاجتماع ضرورياً حقاً فقط عندما يتعين على الشخصين البالغين الالتقاء في المواقف التي تنطوي على وجود الطفل (العودة من عطلة نهاية الأسبوع، والإجازة، وما إلى ذلك). خلاف ذلك، يمكن للطفل أن يفسر هذا الاجتماع على أنه اختبار يخضع له الوالد الذي ينوي الزواج، ما يقلل من قيمته في نظر الطفل.
3- يجب على الوالد عدم إبلاغ طفله بالانطباع الذي تركه الشريك الجديد لدى زوجته السابقة. وذلك حتى يتمكن الطفل من إقامة علاقة صحية مع زوج أمه/ زوجة أبيه دون تبني وجهة نظر والده أو والدته.