كيف تكتشف أن طفلك تعرض للتحرش الجنسي؟ وماذا تفعل حينها؟

7 دقائق
التحرش الجنسي بالأطفال
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: نادراً ما يتكلم الأطفال عن تعرُّضهم للتحرش الجنسي بسبب مخافة اللوم أو عدم تصديقهم أو بسبب تهديد المتحرش لهم. لكن ومع ذلك، فثمة بعض العلامات التي قد تدلّ على التحرش الجنسي بالأطفال، فما هي؟ وكيف يمكن للأهالي التعامل مع هذه الحادثة؟

التحرش الجنسي بالأطفال ظاهرة خطِرة جداً وحساسة ومنتشرة أكثر بكثير مما تتوقع، فقد يكون ابن الجيران أو أخوك الصغير أو حتى طفلك ذاته يعاني في صمت رهيب!

في الواقع، تتعرض فتاة من بين كل 4 فتيات وصبي من بين كل 13 فتىً للتحرش الجنسي في الولايات المتحدة الأميركية، ونحو طفل من كل 20 طفلاً في المملكة المتحدة. أما على مستوى العالم، تقدَّر نسبة الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي بنحو 8-31% عند الفتيات و3-17% عند الفتيان، والدول العربية والإسلامية ليست استثناءً على الإطلاق!

ربما قد تتفاجأ عندما تعلم أن 93% من حالات التحرش الجنسي يكون المتحرش فيها شخصاً يعرفه الطفل وأهله ويثقون به، فقد يكون أحد أفراد العائلة أو من الأصدقاء أو المعلمين أو المدربين أو المقربين. ومن عوامل الخطر التي تتعلق بهذا الموضوع بالإضافة إلى آثاره السلبية في الصحة الجسدية والنفسية للطفل، هي أن العديد من الأطفال ينتظرون وقتاً طويلاً للإبلاغ عن تعرُّضهم للتحرش أو قد لا يبلغون عنه مطلقاً؛ ما قد يعرضهم إلى المزيد من التحرش والاستغلال الجنسي وانتهاك حرمة أجسادهم. لذلك؛ إليك العلامات المنذرة بتعرُّض الطفل للتحرش الجنسي، وطريقة التصرف الصحيحة حينها، وكيف يمكنك تقليل فرصة حدوثه أساساً.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين عقاب الطفل وتأديبه وأيهما الأصلح؟ الإجابة من طبيب نفسي

ما مدى انتشار التحرش الجنسي بالأطفال في العالم العربي؟

الفكرة القائلة إن التحرش الجنسي بالأطفال في الدول العربية أمرٌ نادر الحدوث فكرة غير صحيحة على الإطلاق؛ فقد وجدت إحدى الدراسات التي نفذها كلٌ من استشاري الطب النفسي للأطفال سعد عمر الخطيب (Saad Omar Alkhateeb) والطبيبة النفسية أمينة الخطيب (Amina Alkhateeb) من مستشفى جدة للأمراض النفسية في المملكة العربية السعودية؛ التي نُشرت في المجلة الدولية لأبحاث الطب النفسي (International Journal of Psychiatry Research) عام 2019، أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال في المملكة العربية السعودية والبحرين هي نسبة مرتفعة مقارنة بدول آسيا الأخرى، ومشابهة بدرجة كبيرة لنسبة انتشار التحرش الجنسي عند الأطفال في دول أوروبا الغربية.

وقد سلطت الدراسة الضوء على مجموعة من التقارير التي تبين تزايد حالات التحرش الجنسي بالأطفال في المملكة العربية السعودية؛ حيث قدّر أحدها نسبة التحرش الجنسي بالأطفال بنحو 22%، في حين وجد تقرير آخر أن طفلاً واحداً من بين كل 4 أطفال يتعرض للتحرش الجنسي، وقد وُجد أن 49.23% من الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي تقل أعمارهم عن 14 عاماً.

بالإضافة إلى ذلك، أشار تقرير نشره المركز التابع لمعهد أبحاث السلام في أوسلو في الشرق الأوسط (PRIO Middle East Center) عام 2021، إلى ازدياد خطر تعرُّض الأطفال للتحرش الجنسي في مناطق النزاع والحروب. ووفقاً للتقرير؛ يواجه 83% من أطفال اليمن خطر التعرض للعنف الجنسي، وتصبح هذه النسبة 49% في العراق، و48% في سوريا.

وجدير بالذكر إن عدم وجود أرقام واضحة عن التحرش الجنسي بالأطفال في الدول العربية الأخرى لا يعني عدم وقوعه؛ وإنما أن الإبلاغ عن هذه الاعتداءات في هذه الدول أمر نادر الحدوث؛ وقد يكون ذلك حسب ما ذكرته دراسة عربية نفذها مجموعة من الباحثين بقيادة أسامة المدني (Osama AlMadani) ونُشرت في المجلة المصرية لعلوم الطب الشرعي (Egyptian Journal of Forensic Sciences)، نتيجة الشعور بالعار والذنب ولوم الذات، أو نقص الوعي بحقوق الضحية، أو عدم الاستعداد لمواجهة النظام القانوني، أو الخوف من عدم التصديق، أو الخوف من وصمة العار الاجتماعية، أو الخوف من خطر تمزق العائلة، خصوصاً إذا كان المتحرش هو أحد أفراد العائلة أو من المقربين.

اقرأ أيضاً: تتسبب بالكوابيس: كيف تؤذي أفلام الرعب طفلك؟

ما هو التحرش الجنسي بالطفل؟

يشمل التحرش الجنسي بالأطفال مجموعة من الأنشطة التي تنتهك القوانين أو المحرمات الاجتماعية في المجتمع؛ مثل:

  • لمس الأعضاء الجنسية للطفل بشكل غير لائق سواء كان لابساً أو عارياً.
  • إجبار الطفل على التعري أو ممارسة العادة السرية.
  • التقاط صور جنسية للطفل أو عرضها أو توزيعها.
  • الانخراط في أي نوع من النشاط الجنسي أمام الطفل؛ بما فيه مشاهدة المواد الإباحية.
  • عدم اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الطفل من مشاهدة الأنشطة أو الصور الجنسية.
  • حيازة صور الاعتداء الجنسي على الطفل.
  • إجبار الطفل على القيام بأعمال جنسية أمام كاميرا الويب.
  • الاتصال الجنسي المباشر.

يمكن أن يسبب التحرش الجنسي أضراراً جسدية ونفسية خطِرة على الأطفال، سواء على المدى القصير مثل المعاناة من الأمراض المنقولة جنسياً، أو الحمل غير المرغوب فيه؛ أو على المدى الطويل مثل معاناة الطفل من الاكتئاب، أو القلق، أو اضطرابات ما بعد الصدمة، أو اضطرابات الأكل، أو إيذاء النفس، أو الانخراط في سلوك إجرامي، أو الانتحار.

اقرأ أيضاً: كيف تتصرف إذا كان ابنك المراهق يشاهد مواد إباحيةً؟

العلامات المنذرة بتعرض الطفل للتحرش الجنسي

كما ذُكر سابقاً، فقد لا يتحدث الطفل عن تعرضه للتحرش الجنسي غالباً؛ لأنه قد يعتقد أن ما حصل هو خطؤه، أو لأن المعتدي يقنعه بأن الأمر "طبيعي" أو "سر" خاص بينهما، أو لأنه قد يقدم له الهدايا، أو يهدده، أو يخبره إن أحداً لن يصدقه.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الطفل مهتماً بأمر المعتدي إذا كان من الأصدقاء أو المقربين أو من العائلة، ويخشى عليه من الوقوع في المشكلات. لذلك؛ سواء كنت والداً أو صديقاً أو أخاً، فمن الضروري أن تكون على دراية بالعلامات التي قد تنذر بأن طفلاً في عائلتك قد تعرض للتحرش الجنسي؛ ومنها:

علامات تحذير جسدية

مثل الألم في منطقة الأعضاء التناسلية أو الشرجية، أو وجود كدمات أو نزيف أو بقع دموية على ملاءات السرير أو الملابس الداخلية، أو وجود عدوى منقولة جنسياً، أو حمل.

علامات تحذير سلوكية

قد يتصرف الطفل بطريقة غير لائقة جنسياً أو يستخدم لغة جنسية صريحة، أو يبدو أنه يعرف المزيد عن الموضوعات الجنسية أكثر مما ينبغي بالنسبة إلى عمره، بالإضافة إلى علامات سلوكية أخرى تشمل:

  • أن يصبح الطفل هادئاً أكثر من المعتاد.
  • أن يشعر بقلق الانفصال عندما يغادر الوالدان أو مقدم الرعاية.
  • أن يتجنب شخصاً معيناً، أو يبدو خائفاً منه، أو يحاول تجنب قضاء الوقت معه منفرداً.
  • أن يتراجع في السلوكيات المكتسَبة؛ مثل العودة إلى مصّ الإصبع أو تبليل الفراش.
  • أن يصبح منعزلاً ويقضي الكثير من الوقت بمفرده.
  • ألا يرغب في خلع الملابس أو الاستحمام أمام الوالدين.
  • أن يطيع الأوامر ويمتثل لها على نحوٍ مفرط.

علامات تحذير عاطفية

غالباً ما يعاني الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي من تغيرات عاطفية شديدة، فقد لا يفهم ما حدث له ولا يكون متأكداً من شعوره، فتراه قد يصبح عدوانياً أو يعاني من تغيرات قوية في الشخصية على نحو مفاجئ وغير متوقَّع. وتشمل العلامات العاطفية الأخرى ما يلي:

  • التغييرات في عادات الأكل.
  • تدني احترام الذات.
  • الشعور بالقلق أو الخوف طوال الوقت.
  • آلام المعدة أو الصداع المستمر.
  • الكوابيس.
  • إيذاء النفس.
  • قلة الاهتمام بالأنشطة الترفيهية التي كان يتطلع إليها بشغف قبل ذلك.
  • صعوبة التركيز والتعلم، وقد تبدأ درجاته المدرسية بالانخفاض.

جدير بالذكر إن بعض هذه العلامات، ليس بالضرورة كلها، قد يظهر على الطفل نتيجة تغيرات مهمة أو مؤلمة أخرى في الحياة؛ مثل موت أحد الأقرباء أو طلاق الوالدَين. ومع ذلك، فإن أكبر مؤشر إلى التحرش الجنسي بالطفل هو التغيير المفاجئ وغير المبرَّر في سلوكه أو مشاعره دون أي سبب واضح.

ومع ذلك، يتعامل كل طفل مع التحرش بطريقته الخاصة، ففي بعض الأحيان، قد يظهر تغيير فوري على الطفل، وفي أحيان أخرى سوف تستغرق مشاعره عدة سنوات للظهور. لكن عادة ما يعطي الطفل بعض التلميحات والأدلة غير المباشرة على حدوث التحرش الجنسي لكن دون الإفصاح عنه صراحةً.

لذلك؛ من الضروري أن تكون مدركاً لما يحدث وأن تأخذ أي شيء يقوله الطفل عن سلامته الشخصية على محمل الجد؛ لأن 98% من حالات التحرش الجنسي بالأطفال المُبلَغ عنها تكون صحيحة.

اقرأ أيضاً: 3 قواعد للاهتمام بالصحة العقلية للأطفال

كيف تتصرف إذا أخبرك طفلك أنه تعرَّض للتحرش الجنسي؟

قد يكون هذا الموقف من أصعب المواقف التي تمر على الوالدين. في الأحوال جميعها، إذا ساورك الشك بأن طفلك قد تعرض للتحرش الجنسي أو أظهر بعضاً من العلامات الآنفة الذكر، فتحدث إليه؛ لكن دون إلحاح أو ضغط.

يمكن أن تسأله بصراحة إن كان شخص ما قد لمسه بطريقة جعلته يشعر بعدم الارتياح، وهنا من المهم أن تستمع إلى الطفل بصبر وأن تراقب سلوكه غير اللفظي وأن تمنحه الوقت للتحدث وفق وتيرته الخاصة.

فإذا أفصح الطفل عن معلومات تدل على تعرُّضه للتحرش الجنسي، حافظ على هدوئك قدر المستطاع لأن ردة فعلك في هذه اللحظة أمر بالغ الأهمية لنموه وقدرته على الشفاء. من الضروري أن تبقى هادئاً، وتتأكد من عدم الرد بالشك أو الإنكار لأن هذا قد يزيد صدمته، وتجنَّب الشعور بالغضب أمامه لأن هذا الغضب قد يربكه حتى ولو كان غضبك موجهاً نحو شخص آخر، وثِق تماماً بأنه من المستَبعد جداً أن يكشف الطفل عن تعرُّضه للتحرش الجنسي كوسيلة لجذب الانتباه، حتى ولو بدا ما يقوله أمراً مستحيلاً في ذهنك. عليك أن تُطمئنه برحمة وتأكِّد له ما يلي:

  • أنك تصدقه.
  • أنه تصرف تصرُّفاً صحيحاً عندما أخبرك.
  • أنه شجاع لمشاركة ما حدث معه.
  • أن الذنب ليس ذنبه وأن المعتدي هو الشخص الوحيد المسؤول.
  • أنه طفل محبوب مهما حدث.
  • أنه بأمان وسوف تساعده.
  • أنك ستفعل كل ما في وسعك لإنهاء الإساءة الجنسية.

في المقابل، إياك أن تلوم الطفل على ما حدث، أو أن تقترح عليه عدم إخبار أحد، أو أن تلوم نفسك أمامه، أو أن تخبره بأن ينسى ما حدث، أو أن تطلب منه ألا يتحدث عن الموضوع مرة أخرى، أو أن تُبدي الانزعاج عندما يتحدث طفلك عن التحرش.

تحلَّ بالصبر والهدوء، وإن كان بالإمكان، اطرح بعض الأسئلة المفتوحة لتحديد بعض المعلومات الأساسية، ثم اتصل بالسلطات القانونية المسؤولة أو خدمات حماية الطفل في مدينتك لاتخاذ الإجراء المناسب.

وتذكَّر أن عدم الكشف عن الاعتداء الجنسي للسلطات يعرّض أطفال الآخرين للخطر. ومن المهم أيضاً أن تفكر في طلب استشارة المختصين النفسيين من أجل مساعدة طفلك على تجاوز الصدمة التي مر بها.

كيف تحمي طفلك من الوقوع ضحيةً للتحرش الجنسي؟

أن تكون آمناً خير من أن تكون آسفاً؛ لذلك لا تدع الخجل يمنعك من توعية طفلك. إليك بعض النصائح التي من شأنها أن تساعدك على ذلك وتجعل طفلك أقل عرضةً للتحرش الجنسي:

  • تحدَّث في وقت مبكر من عمر طفلك عن أجزاء الجسم، واستخدم الأسماء الصحيحة للأعضاء التناسلية، فهذا قد يساعد الطفل على التحدث بوضوح في حال حدوث شيء معه.
  • علِّم الطفل أن بعض أجزاء الجسم هي مناطق خاصة، وحدد له مَن هم الأشخاص الذين يستطيعون رؤيتها عارية أو لمسها (مثل الوالدين أو مقدم الرعاية أو الطبيب)، ووضّح له ما هي اللمسات المقبولة وتلك غير المقبولة.
  • علِّم طفلك حدود الجسم وأنه لا يجوز لأحد أبداً أن يلمس أعضاءه الخاصة؛ كما أنه ينبغي له ألا يلمس الأعضاء الخاصة لأي شخص آخر حتى ولو طُلب منه ذلك.
  • أخبِر طفلك بأن الأسرار المتعلقة بلمس أعضاء الجسم ليست أسراراً جيدة، وأن عليه إخبارك مباشرةً إذا طالبه شخص ما بالاحتفاظ بهذا النوع من الأسرار.
  • أخبره بألا يسمح لأحد بالتقاط صور لأعضائه الخاصة.
  • علِّم طفلك كيفية الخروج من المواقف المخيفة أو غير المريحة بأن يقول: "لا"، أو أن يصرخ إذا استلزم الأمر.
  • أكِّد لطفلك مراراً وتكراراً أنه لن يتورط أبداً في المشكلات إذا أخبرك بسر يتعلق بلمس أعضائه أو تعرُّضه لأي ضغط كان، وأنك موجود لمساعدته دائماً وأبداً.
  • أخبِر طفلك أن هذه القواعد تنطبق على الغرباء وعلى الأصدقاء والمقربين وعلى الأطفال الآخرين أيضاً.

قد لا تكون هذه النصائح كافية لمنع التحرش الجنسي تماماً؛ ولكن المعرفة قوة، وهي رادع قوي وبخاصة مع الأطفال الصغار الذين غالباً ما يُستهدَفون بسبب براءتهم وجهلهم في هذا المجال. وتذكَّر أن حواراً لمرة واحدة لا يكفي؛ بل عليك أن تبحث عن العديد من المواقف المريحة الأخرى لتكرار هذه التعليمات على مسامع طفلك.

المحتوى محمي