تعتري العلاقة الزوجية مواقف مختلفة قد يترك بعضها شعوراً بالخيبة لدى الزوجين. ولعل غياب الاحترام بينهما أحد أكثر الأمور التي تطرأ على العلاقة إيلاماً. فمن قلة الاهتمام إلى الإهانة المتعمدة من قبل الزوج، تترك هذه الأفعال آثاراً لا يستهان في نفس الطرف الآخر. ما هو الدافع وراء عدم احترام الزوج لنا؟ وكيف نتعامل مع هذا السلوك؟
كلمات مؤذية، صراخ عالي، أو نظرات ازدراء، تتباين هذه السلوكيات التي قد تعتري العلاقة الزوجية من حيث تكرارها وشدتها بين علاقة وأخرى. الإرهاق والتوتر والعيش المشترك كلها عوامل تتيح للإنسان عشرات الفرص للتعبير عن عدائيته، وتؤكد زلات اللسان التي تحمل عبارات تنطوي على إهانات أو تهديدات تجاه الزوج خلال المشاحنات كم أن الحب هو مفهوم متناقض في جوهره.
في علاقة الحب وكما في الحرب، يقوم المرء بتحديد نطاق سيطرته ويدافع عنه كما أنه قد يستولي على "السلطة" أيضاً. ويجد بعض الأزواج مع مرور الوقت التوازن الملائم لاستمرار العلاقة دون أن يضر ذلك بهم. بينما يعاني آخرون بألم وفي كثير من الأحيان بصمت من عدم احترام الزوج لهم.
يتحدث إريك 44 عاماً عن زوجته السابقة التي كانت دائماً ما تعايره بسبب فرق الدخل المادي بينهما: "دائما ما أحسست بالإهانة من طرفها لقد عانيت بصمت ولم أرد أن أبدو متذمراً".
وسواء كانت مستمرة أم عرضية فإن معالجي العلاقات الزوجية يصنفون سلوكيات عدم احترام الزوج التي تتخذ صوراً عدة على أنها سلوكيات مؤذية جداً.
قد يهمك أيضا: كيف أتعامل مع أهل زوجي؟
عدم احترام الزوج قولاً أو فعلاً أو سهواً
وفقاً لباتريك استريد مؤلف كتاب "استعادة العلاقة الزوجية" (Le couple retrouvé)، فإن عدم الاحترام بين الزوجين يمكن أن يتخذ أشكالاً عدة مثل الإهمال سواء كان متعمداً أو لا، والتعامل الفظ مع الزوج وحتى الصمت في حضوره: "أحد أشكال عدم احترام الزوج أن تكون جالساً معه في نفس المكان وتتصرف كما لو كنت وحدك تماماً، لا تعيره أي اهتمام".
كما تدل المسافة التي تفصل بين الزوجين أثناء جلوسهما معاً على مقدار الاحترام، فالجلوس بعيداً جداً عن الزوج دلالة على تجاهله، أما الجلوس قريباً منه أكثر من اللازم دون النظر إليه فهو يمرر رسالة له مفادها "أنا لا أراك". سلوكيات أخرى مثل التحديق في الجدران في أثناء تحدث الزوج دون إعارة أي اهتمام لحديثه، أو السخرية منه بشكل متواصل تعد أبرز مظاهر عدم الاحترام.
كما قد ينغمس الزوج في تقديم أفضل صورة عن نفسه خارج المنزل وفي العمل، وعندما يعود يعتبر أن مهمته قد انتهت ولا داعي للاحتفاظ بهذه الصورة أمام زوجه بسبب أنه لا يعطي أهمية له.
بحسب باتريك استريد فهنالك صورتان من عدم الاحترام بين الزوجين: تحمل الأولى شكلاً سلبياً وتأتي نتيجة إهمال الزوج لزوجه، أما الثانية فتأتي بفعل إيجابي يتمثل بالعدائية تجاه الزوج وتظهر فيما سماه باتريك أستريد "ساحات القتال الجانبية"، في إشارة إلى الخلافات الصغيرة التي لم يتم حلها والتي تسمم العلاقة الزوجية باستمرار. يمارس كل شخص سلوكيات عدم الاحترام تجاه الزوج وفقاً لأسلوبه، فمن التهكم عليه أمام الأصدقاء، والتنهدات الغاضبة في وجهه عند إبداء أي ملاحظة، إلى عدم إيلائه أدنى درجة من الانتباه.
ويشير المحلل النفسي جيرارد بونيت، مؤلف كتاب "قوة الجنس التي لا تقاوم"، إلى الاختلاف في سلوك عدم احترام الزوج بين الرجال والنساء. فعادة ما يكون الرجال أكثر عدوانية وأكثر مباشرة، بينما تستخدم النساء الإيماءات والتلميحات في التقليل من قيمة الزوج: "الرجال يسحقون، والنساء يزعزعن الاستقرار، ولكن العنف موجود في كليهما. والخاسر الأكبر دائماً هو الزوجان".
يقول المحلل النفسي جان ميشيل هيرت، مؤلف كتاب "وقاحة الحب، خيال الحياة الجنسية" (L'insolence de amour, fiction de la vie sexe): "إن الزوج الذي لا يحترم زوجه ينكر وجوده ولا يأخذ حاجاته وعواطفه على محمل الجد". ينطوي جزء كبير من هذه السلوكيات على الكراهية، التي هي جزء من الحب في الأساس، وعند كبتها تتحول هذه الكراهية إلى عدم احترام".
وكلما قل إدراكنا لما يجول في أنفسنا أصبحنا أقل قدرة على تقبل التناقض في مشاعرنا، وينتهي الأمر بإسقاط هذه الصراعات الداخلية التي تعترينا على الطرف الآخر.
وغالباً ما تترافق مشاعر الكراهية مع الرغبة بالانتقام مشحونة بكل إساءات الزوج وميله الدائم نحو التقليل من قيمة الآخر وتراكم هذه الممارسات من الماضي وحتى الآن. أما عن الإهمال يقول المحلل النفسي: " إن الإهمال بدون نوايا سيئة يكون دائماً محلاً لاعتذارات عفوية". لكن الأكثر خطورة، من ناحية أخرى، هو الميل إلى اتهام الضحية بفرط الحساسية أو جنون العظمة، هذا الإنكار للعنف هو بحد ذاته عنف آخر ".
اقرأ أيضا:
العنف الجنسي تجاه الزوج
استغرقت فلورنس، 42 عاماً، شهوراً قبل أن تجرؤ على إخبار زوجها أن إيماءاته خلال علاقتهما الجنسية، جعلتها تشعر بنوع من الاعتداء عليها من قبله: "كان بإمكاني أن أشعر بشيء في الطريقة التي لمسني بها لقد تجاوز الأمر الإثارة، كان هنالك شيء من الغضب في حركاته. عندما أخبرته عن ذلك، أصبح عدوانياً، ولم يستطع تحمل استجوابه حول ما شعر أنها "مهاراته الرجولية". لقد اتخذنا قراراً بالذهاب إلى معالج جنسي، وكان الحوار ممكناً".
تشير كاثرين بلانك، مؤلفة كتاب "الجنس عند النساء" إلى أن "الرغبة الجنسية هي أحد أشكال العنف المتأصل في الحياة الجنسية. وهي تتيح فجأة حالة من تمكين السلطة والسيطرة على الآخر، التي يصعب التعرف عليها في كثير من الأحيان أو شرحها ببساطة". تؤكد كاثرين بلانك أن مفهوم الاحترام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشهوة الجنسية لدى الشخص، وما هي حدوده وخيالاته. وتكمن الصعوبة برمتها في وضع الشخص حدوداً لنفسه خلال العلاقة، ولكن دون التمسك بمواقف صارمة من حيث المبدأ" وتستطرد: "إن السكوت على عدم الاحترام خلال العلاقة يحمل آثاراً خطيرة على المدى الطويل، سواء بالنسبة لك أو للعلاقة نفسها".
ضع حدوداً صارمة
إذن كيف تتعامل مع عدم احترام الآخر لك؟ من الضروري التصرف بحزم عند أول تعدٍ من الآخر على حدودك. يوضح جان ميشيل هيرت: "يتعلق الأمر بتعيين حدودك الشخصية ودعوة الآخر لأخذها في الاعتبار. يتطلب الأمر أولاً أن تعي أنك تتعرض للإهانة ثم مقابلتها بالرفض. ويمكن ملاحظة هذه المقدرة بشكل خاص لدى الأشخاص الذين تمتعوا بالأمان والاحترام الكافيين خلال الطفولة من قبل والديهم إذ ستكون لديهم الشجاعة على المواجهة بشكل أكبر".
"عندما لا تجرؤ على الرد، قد يكون من المفيد جداً العثور على رابط بين الوضع الحالي والوضع الذي عايشته خلال الطفولة مع والديك. وعلى العكس من ذلك فإن الإهمال وسوء التقدير اللذين قد يتعرض لهما الطفل من قبل والديه قد يقودانه عند الكبر إلى تكرار العلاقات المؤذية على غرار ما عايشه في السابق، والتي قد لا يخرج منها إلا بعد أن يصل حداً لا يطاق من المعاناة".
وهذا ما عاشته دومينيك، 46 عاماً، بعد أربعة وعشرين عاماً من زواجها من رجل "بارد ومتعالي"، يشبه والدتها بشكل غريب على حد تعبيرها. تقول دومينيك: "كانت أختي، وهي أم لطفلين يبلغان من العمر 11 و8 أعوام، قد أقدمت للتو على محاولة الانتحار الثانية. كانت فترة عصيبة، وعندما علق زوجي بالقول عن أختي إنها مجرد إنسانة أنانية، كان ذلك بالنسبة لي القشة التي قصمت ظهر البعير. كنت أعلم أنني أمتلك أخيراً الشجاعة لطلب الطلاق".
"آذيت زوجي دون أن أعلم".
تقول مانون، 39 عاماً، مديرة مشروع في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني:
"يتصف طبعي بالقلق كإنسانة أولاً وكأم ثانياً، أما زوجي السابق سيمون فكان ذا طبيعة متفائلة يمكن أن أصفها بالتهور. ولم أسمح له باتخاذ أي مبادرة بخصوص ابننا لوريس دون الرجوع إليّ. حتى أنني لم أكن أترك لوريس مع والده وحده. ونشبت الخلافات بيني وبين زوجي بشكل مستمر وعندما اتهمني بالقلق الشديد أشرت إليه بكل أخطائه وإخفاقاته في المجال المهني، أشعر بالخجل من ذلك".
"وبعد زواجي الثاني أدركت أن تنحيتي له أمام ابنه كان أسوأ مظاهر عدم احترامي له. أحد أسوأ المواقف التي أذكرها كان عندما سأل لوريس والده عشية الاحتفال بعيد ميلاده السادس، أن يحصل له على إذن مني للقيام بعرض صغير للألعاب النارية لأنه قد يكون خطيراً. لم أنس النظرة التي رمقني بها سيمون في ذاك اليوم".
اقرأ أيضا: