ملخص: ارتفاع ضغط الدم حالة شائعة ومزمنة، يمكن أن تتسبب في تلف الأوعية الدموية والأعضاء. وثمة العديد من العوامل التي تسهم في رفع ضغط الدم؛ سواء كانت نمط الحياة أو النظام الغذائي أو وجود بعض الأمراض، فهل يسهم الأشخاص المزعجون أيضاً في رفع ضغط الدم؟
محتويات المقال
ارتفاع ضغط الدم هو حالة شائعة تؤثر في شرايين الجسم؛ حيث يندفع الدم باتجاه جدران الشرايين بسرعة عالية جداً وعلى نحو مستمر؛ ما يجعل القلب يعمل بجهد أكبر لضخ الدم. ويُوصف ضغط الدم عموماً بأنه مرتفع عندما تكون قراءة الضغط تعادل 130/80 ملليمتر زئبقي أو أعلى. وجدير بالذكر إن ارتفاع ضغط الدم قد لا يسبب ظهور أي أعراض عند أغلب المصابين به على الرغم من أنه قد يصل إلى مستويات عالية الخطورة.
ويُعد ارتفاع ضغط الدم من عوامل الخطر الكبرى التي تسبب الوفاة المبكرة في العالم العربي، وذلك بناء على دراسة منشورة في دورية "بي إم سي للصحة العامة" (BMC Public Health)، التي أجرتها مجموعة من الباحثين العرب في الجامعة الأميركية في بيروت بقيادة كريستيل عقل (Christelle Akl)؛ والتي توصلت أيضاً إلى أن معدلات الوعي بارتفاع ضغط الدم وعلاجه والسيطرة عليه ما زالت منخفضة بصفة عامة في العالم العربي، وذلك حتى ضمن البلدان العربية ذات الدخل المرتفع.
وبالطبع، لا بد أنك سمعت بالعديد من عوامل الخطر التي قد تزيد خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم؛ مثل العمر، والتاريخ المرضي العائلي، والسمنة، وقلة ممارسة الرياضة، والإفراط في تناول الملح أو الكحوليات أو التدخين. لكن هل يستطيع الأشخاص المزعجون يا تُرى رفع ضغط الدم؟
اقرأ أيضاً: دليلكِ للتأقلم مع أعراض سن اليأس
هل يسبب الناس المزعجون ارتفاع ضغط الدم؟
في الواقع، يمكن أن تسبب المواقف المجهدِة؛ سواء البيئية أو النفسية، إطلاق سلسلة من الهرمونات التي تسبب بدورها حدوث تغييرات فيزيولوجية منظّمة. يُعرف هذا المزيج من ردود الفعل على التوتر أو الغضب باسم استجابة "الكرّ أو الفرّ" (Figh or Flight Response) التي تنطوي على تسلسل منظم بدقة وشبه فوري لمجموعة من التغيرات الهرمونية والاستجابات الفيزيولوجية؛ والتي تساعد الشخص على محاربة التهديد أو الهروب إلى برّ الأمان. فما علاقة هذا بارتفاع ضغط الدم؟
حسناً، عندما تجد نفسك وسط جدال مرهِق مع شخص مزعج للغاية على نحو يجعلك تشعر بالغضب أو التوتر، ترسل عيناك أو أذناك أو كلاً منها معلومات حول ما يحصل إلى اللوزة الدماغية؛ وهي منطقة من الدماغ تسهم في المعالجة العاطفية، تدرك الخطر وترسل بدورها إشارة استغاثة إلى منطقة ما تحت المهاد التي تُعرف بـ "الوطاء"؛ التي تنشِّط الجهاز العصبي الودي وترسل إشارات عصبية إلى الغدد الكظرية التي تستجيب بدورها عبر إفراز هرمونَيّ الأدرينالين والكورتيزول إلى الدم.
تهيّئ هذه الهرمونات الجسم لكي يستجيب للتهديد عبر مجموعة من التغييرات الفيزيولوجية؛ مثل زيادة معدل ضربات القلب، وزيادة معدل التنفس، واتساع الشُّعُب الهوائية، وزيادة تدفق الدم إلى العضلات، وانخفاض تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي، وارتفاع ضغط الدم. وعندما ينتهي الخطر، فإن الجهاز العصبي السمبثاوي سيفعل فعل المكابح في إخماد الاستجابة للتوتر، ويعزز استجابة "الراحة والهضم" التي تهدئ الجسم بعد زوال "الخطر".
اقرأ أيضاً: ما هي أعراض القلق النفسوجسدية؟
إذاً، يمكن القول إن الأشخاص المزعجين قد لا يرفعون ضغط الدم على نحو مباشر؛ لكنهم ومثل العديد من المواقف المجهدة قد يسببون الشعور بالتوتر أو الغضب؛ ما قد يحفز استجابة "الكر أو الفر" التي تؤثر بدورها في الجسم بأكمله بما فيه رفع ضغط الدم.
لكن ومع ذلك، فإن الارتفاع المؤقت في ضغط الدم بوصفه استجابة للتوتر الحاد أو الغضب هو أمر طبيعي ومتوقع ويدوم لفترة زمنية قصيرة، وغالباً ما يعود ضغط الدم إلى حالته الطبيعية بمجرد انتهاء الموقف. فهل ينتهي الموضوع هنا؟
في الواقع، ليس دائماً؛ لأن الارتفاعات المؤقتة في ضغط الدم قد تكون في بعض الأحيان مرتفعة إلى درجة كبيرة وقد تسبب حدوث نوبة قلبية أو سكتة دماغية، وقد تؤدي أيضاً إلى تضرر الأوعية الدموية والقلب والكلى بمرور الوقت بصورة مشابهة لتأثير ضغط الدم المرتفع على نحو مستمر.
اقرأ أيضاً: المعدة النفسية: أسبابها وأعراضها وعلاجها المحتمَل
متى يصبح الناس المزعجون أكثر خطراً مما نتوقع؟
على الرغم من أن استجابة "الكرّ أو الفرّ" هي استجابة طُورت بوصفها آلية للنجاة والتعامل مع الموقف المهدد للحياة؛ لكن لسوء الحظ، قد يبالغ الجسم في ردة فعله تجاه بعض الضغوط التي لا تهدد الحياة اليوم. بكلمات أخرى؛ طُورت هذه الاستجابة للتعامل مع التوتر الحاد القصير العمر، وليس مع التوتر المزمن الذي يبقى ثابتاً على مدى فترة طويلة من الزمن.
يحدث التوتر المزمن عندما يعاني الجسم من ضغوط ذات تواتر عالٍ أو شدة كبيرة؛ مثلما يحدث عند التعرض لضغط عاطفي مستمر؛ مثل الشجار اليومي المزعج مع أحد أفراد الأسرة، أو وجود مشكلات طويلة الأمد مع الشريك أو العائلة، أو التصادمات المستمرة مع زملاء العمل وضغوط العمل.
أي يبقى الجسم يقظاً على الرغم من عدم وجود خطر، ولا يحظى الجهاز العصبي اللإرادي بفرصة كافية لتفعيل استجابة الاسترخاء على نحوٍ منتظم؛ وهذا يعني أن الجسم يبقى في حالة دائمة من الاستثارة الفيزيولوجية. ومن ثَمّ يسهم هرمونا الأدرينالين والكورتيزول اللذَين يفرزهما الجسم بوتيرة كبيرة في ارتفاع ضغط الدم وتلف الأوعية الدموية والشرايين مع مرور الوقت، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر التوتر المزمن في الصحة الجسدية والنفسية عبر التسبب في مجموعة متنوعة من المشكلات والمضاعفات الأخرى؛ مثل القلق، والأرق، وآلام العضلات، وضعف جهاز المناعة، والاكتئاب، وقرحة المعدة، ومتلازمة القولون المتهيّج، والسكري.
اقرأ أيضاً: الوسواس القهري: الأسباب والأعراض والعلاج
كيف يمكنك التعامل مع التوتر والمواقف المجهدة حتى لا يؤثروا في ضغط الدم لديك؟
قد يلاحظ الأشخاص الذين يشعرون بالتوتر الشديد ويتعرضون لارتفاع ضغط الدم نتيجة المواقف المجهدة والصراعات المستنزفة للطاقة، انخفاضاً في ضغط الدم لديهم بعد السيطرة على التوتر والإجهاد.
ومع ذلك، فإن هذا الأمر لا ينطبق بالضرورة على الأشخاص كلهم؛ لكن حتى ولم يحدث ذلك، فإن السيطرة على التوتر والإجهاد والغضب قد تساعد على تحسين الحالة الصحية بطرائق أخرى، وقد تؤدي إلى حدوث تغيرات سلوكية صحية؛ بما فيها تلك التي تؤدي إلى خفض ضغط الدم.
وفي الأحوال جميعها، إليك بعض الطرائق التي يمكنك من خلالها خفض مستويات التوتر لديك والتعامل مع الحالات المجهدة، دون ارتفاع ضغط الدم عن الحدود الطبيعية:
- مارس الرياضة بانتظام: فقد يساعدك ذلك على الشعور بالتحسن، وتقليل مستويات التوتر، والتكيف مع المواقف العصيبة، بالإضافة إلى آثار الرياضة الإيجابية في صحة القلب وضغط الدم.
- احصل على قسطٍ كافٍ من النوم: لا بد من الحصول على نوم متواصل لقُرابة 6-8 ساعات كل يوم للحفاظ على ضغط دم مستقر.
- اتبع نظاماً غذائياً صحياً: سوف تشكل الأطعمة الغنية بالملح والدهون مع التوتر والقلق مزيجاً خطِراً على ضغط الدم. لذلك؛ قلِّل هذه الأطعمة واستبدِل بها تناول الأطعمة الصحية الغنية بمضادات الأكسدة.
اقرأ أيضاً: سيطر على عواطفك قبل أن تسيطر عليها نوبات اختطاف الأميغدالا
- تخلَّص من الضغوط بقدر ما تستطيع: من الضروري محاولة التخلص من بعض الأمور التي تسبب التوتر أساساً. ومع ذلك، ربما يكون القول أسهل من الفعل، خصوصاً إذا كان مصدر التوتر الرئيس هو أحد أفراد أسرتك أو وظيفتك. فكر أن تلجأ إلى بعض المختصين النفسيين لمساعدتك على التعامل مع هذا التوتر في حال شعرت بأنك تفقد زمام السيطرة.
- تعلَّم استراتيجيات الاسترخاء: يمكن أن يساعد كل من التنفس العميق والتأمل واليوغا وكتابة اليوميات وغيرها من استراتيجيات الاسترخاء على إدارة الغضب والتوتر الحاد والمزمن.
- احصل على الدعم الاجتماعي: إن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة مع العائلة والأصدقاء يتلقون دعماً عاطفياً يساعدهم على نحوٍ غير مباشر في الحفاظ على صحتهم في أوقات التوتر والأزمات.
- غيّر منظورك تجاه الصعوبات: عند التعامل مع المشكلات والمشاجرات مع الأشخاص المزعجين، حاول أن تتقبل مشاعرك تجاه مختلَف المواقف، ثم ابحث بهدوء عن طرائق لحلها. تعرَّف إلى ما يناسبك، وكن مستعداً لتجربة خطوات جديدة، واغتنم الفوائد الصحية التي قد يكون من بينها خفض ضغط الدم المرتفع.