ملخص: سواء كنا نودع أحد أحبائنا الذي سنعاود لقاءه قريباً أو ننهي علاقة عاطفية، فإن الفراق ليس تجربة سارّة، وحتى أنها قد تكون مؤلمة جداً للبعض ومليئة بالدموع، فلمَ يستصعب البعض وداع أحبائه جداً؟ وكيف يمكننا تقبُّل الوداع؟
محتويات المقال
سواء كنا نودع أحد أحبائنا الذي سنعاود لقاءه قريباً أو ننهي علاقة عاطفية، فإن الفراق ليس تجربة سارّة، وحتى أنها قد تكون مؤلمة جداً للبعض ومليئة بالدموع، فما السبب؟ وكيف يمكن للمرء أن يتماسك أكثر حين يودع أحباءه؟
لمَ يمثل الوداع تجربة مؤلمة جداً للبعض؟
في عصر الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر، بات بإمكاننا البقاء على اتصال بأي شخص وفي أي وقت، ويُسعدنا هذا الارتباط الدائم بالآخرين؛ بل وحتى يمنحنا الطمأنينة ولكن ظاهرياً فقط.
ويرى مختص التحليل النفسي سافيريو تومازيلا (Saverio Tomasella) أن التكنولوجيات الحديثة تجذبنا لأنها تملأ فراغاً نفسياً في داخل كلٍ منا؛ ومن ذلك أنها تجنبنا وداع الآخرين، فالفراق ليس سهلاً على أحد. ويوضح إن الإنسان يولد ناقصاً وتمثل أمه أو الأشخاص الموكلون بحمايته، المرجعَ الذي يستند إليه في بناء ذاته، ومن هنا تنشأ صعوبة قطع الروابط مع الآخرين.
أريد أن أكون شخصاً آخر
يتحدث ماجد ذو الـ 39 عاماً عن آخر إجازة أمضاها مع أصدقائه، فيقول: "بعد انتهاء إجازة أمضيتها رفقة أصدقائي، ذهبنا إلى محطة القطار ووقفنا هناك بحزن كما لو كنا أطفالاً صغاراً، وبدت أجراس القطارات وكأنها تعلن أن موعد الفراق قد حان، لم نتمكن من ترك بعضنا بعضاً".
ويقول الطبيب النفسي كريستوف فور (Christophe Faure): "نحن لا نريد لهذه الأمسيات والاجتماعات والأوقات الطيبة التي قضيناها مع أحبائنا أن تنتهي، فهي ملأتنا بالسعادة لأننا رأينا أنفسنا خلالها على نحو مختلف".
في هذه الأوقات أدركنا فجأة أننا نطمح إلى عيش حياتنا بطريقة مختلفة وكأننا اكتشفنا جوانب جديدة من ذواتنا واطلعنا على إمكاناتنا التي لم نكن نعي وجودها لدينا، ومن ثم فإن الوداع يجرنا بقسوة إلى الواقع مرة أخرى.
أخاف نظرة الآخرين إليّ
تقول سوسن ذات الـ 36 عاماً: "لقد ماطلتُ 6 سنوات قبل أن أنفصل نهائياً عن زوجي". وتتابع: "على الرغم من أنني كنت أعي أن الانفصال صار ضرورة فقد وجدت العديد من الحجج لأبقى معه مدة أطول".
ويقول كريستوف فور: "يثير الانفصال مخاوف عديدة لدى المرء، فهو يخاف من نظرة الناس السلبية إليه (أو اعتباره زوجاً غير صالح)، ومن عدم قدرته على تجاوز هذه التجربة وحده، وأخيراً يخاف من المجهول الذي يمثل خطراً بالنسبة إليه، وتقيده هذه المخاوف القديمة أحياناً إلى درجة أنه قد يحافظ بوعي أو بغير وعي على علاقة مضطربة أو حتى مدمِّرة.
وجودي يرتبط بوجود الآخر في حياتي
لكن الخوف الأكبر بالنسبة إلى المرء وفقاً لسافيريو تومازيلا هو أن ينتهي وجوده حينما يفترق عن الآخر، ويسمي المختص ذلك "الموت النفسي".
تعيش هيفاء حالة الحزن المؤقتة ذاتها صباح كل يوم، وتوضح قائلة: "تصعب عليّ جداً مفارقة ابنتي حينما أوصلها إلى الحضانة، ولا أقوى على وداعها لا بالكلام ولا بالإيماءات". ويقول كريستوف فور: "يحيي الانفصال في النفس دائماً تجربة هجر أو فقدان قديمة وقد يكون البعض حساساً تجاهها أكثر من غيره".
ووفقاً لسافيريو تومازيلا فإن الطفل الذي لم ينعم بارتباط آمن بوالديه ولم يحظَ باهتمامهما، يفتقر إلى الإحساس بهويته واستقلاليته، ويعاني في سن الرشد اعتماداً عاطفياً. عايش هذا الطفل أحداثاً صادمة مثل فقدان أحد الوالدين أو إصابته بالمرض، أو تجربة كان لها التأثير ذاته في نفسه؛ مثل غياب الوالد الطويل بسبب غرقه في العمل، أو اهتمام الوالدين ببعضهما بعضاً أكثر من اهتمامهما به وما إلى ذلك، وقد تكون هذه التجارب منشأ شعوره بالتعرض إلى الهجر ومن ثم اعتقاده أن ليس بإمكانه الحفاظ على الروابط مع أحبائه.
كيف تتعامل مع عدم تقبُّلك لحظات الوداع؟
1. تعرف إلى رغبتك في التغيير
يقول كريستوف فور: "إذا كنت تشعر بالحزن بعد انتهاء لحظات الفرح والسرور رفقة الآخرين، فقد تكون تلك إشارة عليك الانتباه إليها واغتنامها. قد يكون ذلك نداء داخلياً يدعوك إلى تغيير عادة لم تعد تلائمك، وإلى فهم ذلك الجزء من نفسك الذي عبرت عنه خلال لحظات الفرح تلك، لذا استمع إليه ولا ترفضه".
2. تقبَّل الحزن الذي تفرضه لحظات الوداع
يقول مختص التحليل النفسي سافيريو تومازيلا: "تصيبنا لحظات الوحدة المؤلمة والطويلة بالخوف، ولأنه لا يمكن للإنسان الحصول على كل ما يتمناه، فإنه من الضروري أن تفرق بين الحاجة والرغبة ثم تتقبل الشعور بالإحباط الناجم عن عدم تحققها لتتمكن من التعايش مع تجربة الوداع؛ كما يجب أن تمنح حزنك الوقت الكافي".
3. استكشف ماضيك
ما نمط الانفصال الذي يصعب عليك تقبله؟ ما مواقف الوداع التي تحيي في نفسك تجربة أليمة من الماضي؟ وبوصفك والداً مثلاً، هل تشعر أنك تُسقط مخاوفك على أطفالك؟ ينصحك كريستوف فور في هذه الحالة باستكشاف مرحلة طفولتك وطرح أسئلة على نفسك ويقول: "قد يجد المرء أن عواطف الطفولة ما زالت تسيطر عليه، لذا فإن الحل قد يكمن في التحرر من مخاوف الماضي وبمساعدة معالج نفسي إذا تطلب الأمر".
كيف صارت سمر تتقبل لحظات الوداع؟
تقول سمر ذات الـ 56 عاماً وهي مُدرِّسة متقاعدة: "فقدتُ أمي حينما كنتُ صغيرة جداً في حادث سير، وطوال حياتي كنت أتألم لأنني لم أتمكن من وداعها، وكان وداع أي شخص صعباً عليّ، وحينما أدركت معاناتي هذه ولا سيما بعد ولادة طفلي، تعلمت كيف أستعد للوداع، فحينما أكون على وشك المغادرة أتوقع مسبقاً ما سأشعر به وما سيشعر به الأشخاص الذين سأغادرهم، وأمنح نفسي الوقت لاستيعاب الموقف، فأتقبل حزني كما لو كان أحد أطفالي، وأهدئه قدر المستطاع".
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر بُعد المسافة في العلاقات العاطفية؟