ملخص: ليس سراً أن الصعوبات ترافق العلاقات عموماً، فكيف إذا كنا نتحدث عن العلاقات عن بعد؟ لا وبل تأتي الثانية مع مجموعة خاصة من الصعوبات يمكننا أن نُطلق عليها اسم "الأفعوانية العاطفية"، فعند غياب الشريك تعتريك مشاعر الوحدة والشوق وحتى الغيرة وعدم الشعور بالأمان، وعندما تلتقي بمن تحب يغمرك الشعور بالدفء والغموض في كل مرة تتقابلان بعد انفصال طويل، ويبقى السؤال: كيف يؤثر هذا النوع من العلاقات بما يرافقه من تبدلات الحالة المزاجية الجسيمة في الصحة النفسية؟
إن كنت تتساءل لمَ لشخص ما أن يفضل أن يكون في علاقة عن بعد (Long Distance Relationship) على أن يكون إلى جانب من يحب، فنجيبك عن ذلك بإجابتين؛ أولهما القلب وما يهوى، وثانيهما أن متطلبات حياة بعض الأفراد وظروفها تفرض عليه التنقل والابتعاد إما لكسب لقمة العيش أو الدراسة.
وكي لا نكون جاحدين بالكامل، لا يمكن إنكار كم سهلت وسائل التواصل الاجتماعي هذا النوع من العلاقات؛ ولكن في الوقت نفسه، لا يمكننا إغفال الآثار السلبية لحلول الاتصال أو إرسال الرسائل محل التواصل البشري المحسوس.
وعلى الرغم من أن معدل نجاح العلاقات عن بعد لا يقل نسبياً عن معدل نجاح العلاقات الأخرى، فإن الاهتمام الأكبر يدور حول نقطة أكثر جوهريةً؛ ألا وهي: هل للعلاقات عن بعد تداعيات جسيمة على الصحة النفسية علينا أن نعي وجودها؟
كيف تتفاعل أدمغتنا مع العلاقة عن بعد؟
وفقاً لعالمة النفس إيمي داراموس؛ يختلف تفاعل أدمغتنا مع العلاقات عن بعد إلى حد كبير اعتماداً على مرحلة العلاقة؛ حيث تختلف التجربة النفسية لشخص أصبح في علاقة عن بعد حديثاً، على نحوٍ كبير عن تجربة الشخص الذي قضى عاماً كاملاً في علاقة عن بعد.
وأضافت داراموس توضيحاً لهذه النقطة: "في البداية، ترقص الناقلات العصبية والهرمونات معاً، وعندما تنتهي الرقصة وتبدأ المواد الكيميائية في الانخفاض بغياب هذا الشخص، فيكون تأثير الغياب والفقد في الجسم مشابهاً إلى حد كبير لتجربة "تأثير انسحاب المخدرات". وفي الأيام الأولى، يكون الاندفاع الكيميائي أكثر حدة؛ ولكن مع الوقت تتحدد استجابة الدماغ والجسم لما يُبديه هذا الشخص".
وتوافق اختصاصية علم النفس السريري وخبيرة العلاقات، كارلا مانلي مشيرةً إلى أن المشاعر الإيجابية الناجمة عن تفاعل كلٍّ من هرمون الأوكسيتوسين والدوبامين والسيروتونين غالباً ما تكون ناقصة في العلاقات عن بعد؛ الأمر الذي يفسر الشعور بالوحدة والاكتئاب والافتقار إلى الدافع وصعوبة النوم وعدم القدرة على التركيز والرغبة في الاتصال على نحوٍ متواصل.
ومن جهة أخرى، ترتفع مستويات هرمونَيّ الأدرينالين والكورتيزول؛ ما يفسر ازدياد مشاعر القلق والتوتر والميل إلى التقلبات المزاجية والعدوانية في العلاقات عن بعد.
التداعيات النفسية للعلاقات عن بعد
تكثُر العقبات في طريق نمو العلاقات عن بعد، ومع هذا تزدهر كثيرة منها حتّى في ظل ظروف اللقاء الفقيرة، وتشكّل المسافة عاملاً يجعل القلب أكثر ولعاً. ونتناول معاً أشيع الآثار النفسية التي تزداد بين صفوف الأفراد الذين يخوضون تجربة العلاقات عن بعد.
1. التخوف الدائم
يزداد التخوف عند غياب الشريك عن ناظرَيّ شريكه؛ إذ يراوده قلق مستمر حول تفويت أي حدث مثير أو ممتع قد يحدث حالياً في مكان آخر بينما هو يفوت مشاركته، ويتضخم هذا التخوف في الأحداث الكبيرة التي يمر بها الشريك مثل التخرج أو احتفاله بالترقية أو غيرها.
ذلك يُشعر الشخص أنه فاقد لفرصة المشاركة في حياة الشريك؛ الأمر الذي يتطور ليؤثر في الأحداث الصغيرة وحتّى العلاقة بشكل عام، وفي الشخص نفسه الذي يصبح شخصية متخوفة أكثر من ذي قبل، ظناً منه أن حياة شريكه تتحول ويتبدل شكلها وهو لا يستطيع أن يشاركه هذا التحول.
2. انعدام الأمان وزيادة الرغبة بالتملك
من الصعب التغلب على الرغبة الملحّة في سؤال الشريك أين هو وماذا يفعل الآن ومع مَن هو في العلاقات عن بعد، فأنت تريد سؤاله لكنك تخشى أن تضغط عليه بكثرة الأسئلة، ناهيك بالرعب والذعر عندما لا يصلك جواب منه في غضون دقائق.
التفسير بسيط: "المسافة تجعل الثقة صعبة"؛ إذ يسيطر التملك بسهولة أكبر في العلاقات عن بعد، وفكرة أن شريكك لربما أُعجب بشخص في بيئته الجديدة ستنتصر على الإيمان بأن الشخص اختار أن يكون معك على الرغم من المسافة.
3. الميل إلى الغيرة
على نحوٍ مشابه لانعدام الأمان وزيادة الرغبة بالتملك؛ تخلق الغيرة تأثيراً سلبياً في العلاقة قد يكون مدمراً لجوهرها، فمجرد أن تملأ عقلك بالشك والاستفهام ستجد نفسك منزعجاً ومشتتاً في أي وقت. تبث الغيرة مخاوف غير ضرورية وتُكثر خلافاتك مع الشريك الذي يفسر غيرتك المفرطة على أنها ضعف ثقة.
4. الإجهاد العاطفي
ليس من الغريب أن ترى الشخص المنخرط بعلاقة عن بعد في قمة سعادته في لحظة ما، وفي أتعس حالاته في اللحظة التي تليها، فمجرد الاستماع إلى كلمة لطيفة من شريكه يجعل قلبه ينبض أسرع، وبمجرد أن يغلق اتصاله معه سيسيطر عليه الحزن. هذا التباين الشاسع في الحالة المزاجية متعب ومرهق ويحمل خطر التطور لحالة مزمنة من التوتر والقلق حتّى!
5. التعايش مع القلق
القلق ليس رحلة سهلة عندما تضطر إلى التعايش معه لأنك في علاقة عن بعد؛ إنه ليس جيداً لك وكذلك للأشخاص الأقرب إليك، سواء الشريك أو الأصدقاء أو العائلة، ويُعزى حدوثه إلى تراجع مستوى السيروتونين في الدماغ.
إذ يدور الكثير في ذهنك على الدوام، وتتألف أفكارك بمعظمها من مواقف افتراضية قد تكون أو لا تكون واقعية ولكنها قد تتبادر إلى ذهنك على أي حال! يمكن وصف الأمر بأنك دائماً على حافة الهاوية تفكر في ما سيحدث بعد ذلك، فيغلب الشعور بعدم الاستقرار لأنك لست متأكداً حقاً من مستقبل العلاقة.
6. الشعور بالوحدة
من الطبيعي أن يصبح الشعور بالوحدة مألوفاً أكثر عندما تفقد وجود شريكك ودوره في حياتك اليومية، وكما تشعر بهذا الفراغ ستبدأ أيضاً بالتساؤل: هل أنا قريب من شريكي أم لا؟ وبخاصة عندما تتذكر الأيام التي كنتما فيها معاً جنباً إلى جنب، والاتصال الذي فُقد بينكما. ولدحض هذا الشعور؛ من المهم أن تذكّرا بعضكما أنكما موجودان دائماً لتقديم الدعم.
7. الاكتئاب
قد تسبب المعاناة المزمنة في العلاقات عن بعد إلى حدوث الاكتئاب في بعض الحالات، فالابتعاد عن الشريك قد يُعطي طابعاً رمادياً لكل ما حولك؛ إذ قد يكون رؤية زوجين سعيدَين بمثابة تذكير أنك بعيد عن الشريك، أو مرور مناسبة خاصة وأنتما بعيدان بمثابة تذكير ملموس بأنكما حقاً بعيدان عن بعضكما.
إن صح التعبير، تبدو الأفكار والمشاعر جميعها داكنة اللون في ظل فراقكما، وهذا طبيعي فالعلاقة عن بعد أصعب الرحلات التي يختبرها الشريكان، وتُعتبر اختباراً حقيقياً يُشعرك بالعجز والارتباك ويدفعك إلى الاستمرار في القتال في الوقت نفسه.
ختاماً، الخبر السعيد أن العلاقات عن بعد ليست دائمة، لذلك من الحكمة أن تكون على دراية جيدة بتأثيراتها في الصحة النفسية حتّى تفهم مشاعرك على نحوٍ أفضل وتديرها على النحو الأمثل، حتّى وإن تطلب الأمر طلب المساعدة من الطبيب النفسي. وفي النهاية، قد لا تكون العلاقات عن بعد سيئة إلى هذه الدرجة، فالغياب يجعل القلب أكثر ولعاً!