ملخص: يظهر الكثير من الآباء امتعاضه عند قراءة مقال أو كتاب تربوي، فتراه يقول: "لا يمكن ترك الطفل على هواه!، ومن حق الوالد التدخل ليريه خطأه حينما يخطئ". أو: "شُغل الأطباء النفسيين الشاغل إثارة الشعور بالذنب لدى الآباء والمعلمين، لم يعد بإمكاننا معاقبة أطفالنا، حتى أن مجرد صفع الطفل صفعة واحدة يعني أننا استحلنا وحوشاً. يريد هؤلاء المختصون إفهامنا أننا المسؤولون عن تصرفات أطفالنا غير الملائمة!"، ومن جهة أخرى يظن بعض الآباء أن تَفهُّم الطفل يعني التراخي معه وتركه على هواه، وعلى ما يبدو، ثمة سوء فهم وخلط كبير بين مفهومي التأديب والعقاب وذلك على الرغم من أن لكل منهما معايير مختلفة تماماً عن الآخر، فما الفرق بينهما؟ وأيهما أصلح للطفل؟
تَفهُّم الطفل لا يعني التراخي معه
يُظهر الكثير من الآباء امتعاضه عند قراءة مقال أو كتاب تربوي فتراه يقول: "لا يمكن ترك الطفل على هواه!، ومن حق الوالد التدخل ليريه خطأه حينما يخطئ". أو: "شُغل الأطباء النفسيين الشاغل إثارة الشعور بالذنب لدى الآباء والمعلمين، لم يعد بإمكاننا معاقبة أطفالنا، حتى أن مجرد صفع الطفل صفعة واحدة يعني أننا استحلنا وحوشاً. يريد هؤلاء المختصون إفهامنا أننا المسؤولون عن تصرفات أطفالنا غير الملائمة!". من جهة أخرى يظن بعض الآباء أن تَفهُّم الطفل يعني التراخي معه وتركه على هواه.
وعلى ما يبدو، ثمة سوء فهم وخلط كبير بين مفهومي التأديب والعقاب وذلك على الرغم من أن لكل منهما معايير مختلفة تماماً عن الآخر.
ما الفرق بين العقاب والتأديب؟
يستند العقاب إلى الحرمان أو حتى إساءة المعاملة ويستخدمه البعض في تربية طفله متوهماً أن هذا الحرمان أو الألم هو نوع من التوعية الفعالة للطفل وأنه سيؤدي إلى تغيير سلوكه. سرق طفل غرضاً من المتجر مثلاً، فيعاقبه والده بحرمانه من المصروف ويقول له: "هذا سيعلمك ألا تسرق مجدداً"، تمثل الجملة الأخيرة نوعاً من تبرير الذات الذي لجأ إليه الوالد لتبرير القرار الذي اتخذه وهو يحاول بذلك في الحقيقة تجاهل مشاعر معينة أثارها الموقف لديه فالخطأ أو التجاوز الذي ارتكبه طفله أحيا في نفسه ذكرى ما من طفولته، فكأنما يبتغي من عقابه رأب جرح قديم داخله رمزياً. ولذلك فإن العديد من العقوبات لا يجدي نفعاً لأنه لا يمكن خداع الأطفال فهم يدركون أن هذه العقوبات لا صلة مباشرة لها بالأخطاء التي ارتكبوها، ويدركون من جهة أخرى أنها ترتبط بشخص من عاقبهم.
أما التأديب فينطوي على ديناميكية مختلفة، فهو يسمح للطفل بمواجهة الواقع بفضل وجود رابط بين تصرفه والعواقب التي نجمت عنه، كما يساعده على فهم أن للقواعد أولويةً على رغباتنا الشخصية، ودور الوالد هنا هو نقل صورة الواقع إلى الطفل، فيقول له مثلاً: "اللعبة التي ترغب في امتلاكها هي ملك للمتجر ولذلك عليك دفع ثمنها"، وعلى هذا النحو يعرّفه إلى الحدود والقيود التي عليه التعامل معها فيواجه ما سماه فرويد مبدأ الواقع. لكن تحقيق الرغبة يستلزم وسائل لذلك وهي في هذه الحالة امتلاك المال الذي يجب دفعه ثمناً للعبة، أو تأجيل الحصول عليها حتى وقت آخر (عيد ميلاده أو بداية عطلة نهاية العام الدراسي مثلاً)، ومرة أخرى مهمة الوالد إيضاح هذه الحقيقة لطفله، ومن ثم سيقول له: "هذه اللعبة التي سرقتها باهظة الثمن، ولذلك لديك أحد حلين، إما أن ترجعها إلى المتجر وإما أن تدفع ثمنها من مصروفك الشخصي".
وهكذا، لا يمثل التأديب هجوماً على الطفل وليس الهدف منه إذلاله أو الحط من قيمته أو حرمانه بل طريقة لإرشاده وتعلميه كيف يضبط نفسه تحت ضغط رغباته.
لنأخذ مثالاً آخر، يقول والد لابنه المراهق: "أنت تخرج رفقة فلان على الرغم من أنني نهيتك عن ذلك، وأنا لا أفرض عليك أن تكرهه أو تحبه لكن يحق لي أن أوضح لك وجهة نظري، فعلاقتك به لا تبدو سليمة لأنني أرى أنه يحاول استغلاك ولا يمكنني الموافقة على ما أشعر أنه يؤذي ولدي". وفي هذه الحالة لن يكون الوالد هو الذي يؤدب الولد بل واقع الموقف في حد ذاته، وعلى الأول التحلي بالكثير من التواضع ليتقبل أن يقتصر دوره على توضيح الحقيقة للثاني، ويتقبل أيضاً الألم الذي سيشعر به غالباً بسبب عدم استماعه إليه.
تعامل مع أخطاء طفلك وتجاوزاته بالتأديب
قد يمنع والد ابنته ذات الـ 15 عاماً من السفر في رحلة مع صديقاتها، وقد ترضخ لذلك أو تعصي إرادته وإذا فعلت ثم تعرضت لمكروه ما، سيَثبُت لها أن العواقب أشد قسوة بكثير من الإحباط الذي شعرت به حينما منعها والدها من الذهاب في هذه الرحلة. يستصعب الوالدان في كثير من الأحيان فرض الحماية على ولدهما حتى لو كان بإمكانهما فعل ذلك رغماً عنه، ولذلك من الضروري أن يوضح الوالد في المثال السابق الأمر لابنته كما يلي: "حينما أمنعكِ من الذهاب في الرحلة فهذا يتعلق بخوفي أنا ولا علاقة للأمر بكِ"، وعلى هذا النحو ستقدّر الفتاة هذه السلطة الأبوية المبنية على الثقة.
خلاصة القول هي أن تَفهُّم أخطاء الطفل لا يعني التراخي معه أو تركه على هواه أو اتخاذ موقف المتفرج مما فعله، بل مساعدته على فهم الواقع ومواجهته بأمان، فالوالد هو صلة الوصل بين طفله والواقع الخارجي وطبقة حماية تسمح له بالموازنة بين الأوهام التي تدور في ذهنه ومرارة الحقيقة وقسوتها أحياناً. لا شك في أنني لا أؤيد العقاب، بل أدعو إلى اتباع أسلوب التأديب عند التعامل مع أخطاء الطفل، لأن هذا ما سيساعده على مواجهة مقتضيات واقع لا يخضع له.