ملخص: "أهلاً بصديقي القديم"، "كيف الحال يا عزيزتي؟"، "لقد مرَّ زمن طويل يا صديقتي". كثيرة هي المرات التي أنقذتنا فيها العبارات السابقة من مواقفَ حرِجة قد يسبّبها نسيان أسماء الآخرين، فما الذي يكشفه هذا النسيان عنا وعن علاقتنا بهم؟
محتويات المقال
لا يعدو نسيان أسماء الآخرين أن يكون مجرد ثقب عابر في الذاكرة؛ لكنه يمكن أن يضعنا في مواقف حرِجة. فما الذي يكشفه هذا النسيان في الحقيقة عنّا وعن علاقتنا بالآخرين، علماً أنه قد يُنظر إليه باعتباره علامة عدم اهتمام بل واحتقار للآخر؟ وكيف يمكن أن نتذكّر ما ننساه من أسماء الآخرين؟
لماذا تنسى أسماء الآخرين؟
يعترف مروان ذو الـ 31 عاماً، قائلاً: "عندما يتعلّق الأمر بشخص غير مقرب منّي، فإنني غالباً ما قد أتعرّف على وجهه وأتذكر مهنته؛ لكن اسمه يغيب عن ذاكرتي، وهذا يحرجني لأنني أخشى أن يظنّ أنني لا أكترث له". هذا النوع من النسيان شائع حسب ما تؤكده المعالجة النفسية والمدربة المتخصصة في التحليل التفاعلي، إيزابيل كريبيل (Isabelle Crespelle)، مؤلفة كتاب "التحرّر على مدى الحياة: رحلة في قلب التحليل التفاعلي" (S'épanouir tout au long de la vie, voyage au coeur de l'analyse transactionnelle)، فالتعب والتوتّر والأفكار الأخرى التي تشغل البال يمكن أن تؤدي إلى فقدان مؤقت للذاكرة. وتضيف إيزابيل كريبيل: "ومع ذلك، فإن لكل واحد منّا أسبابه "المعقولة" للنسيان" بوعي أو دونه.
أنسى استجابةً لقناعات الطفولة
ترى إيزابيل كريبيل أن: "مسارات حياتنا تؤَسَّس منذ مرحلة الطفولة، انطلاقاً من الرسائل التي تلقّيناها من الوالدين والمربّين؛ إذ يمكن للطفل أن يتماهى مع العبارات التي كان يسمعها من والديه من قبيل: "أنت تنسى كل شيء"، "أنت لا تسمع شيئاً"، فتصبح استجابة الطفل لقناعاته مصدر أمان بالنسبة إليه، وعندما يصبح راشداً فإنه يبقى وفياً دون وعي لهذه الرسائل، ومخلصاً لأولئك الذين كانوا يوجّهونها إليه، علماً أن الشخص المقتنع بألّا ذاكرة له، لن تكون له ذاكرة بالفعل"! لكن النّاسيَ ليس وحده المسؤول عن هذه الحالة، فقد يكون لمُخاطبه أيضاً معتقداته الخاصة التي يتعلّق بها. تضيف إيزابيل كريبيل: "ثمة أشخاص سيفعلون كل شيء من أجل ألّا نلاحظ وجودهم، وألّا نتذكرهم ولا نتذكر أسماءهم، لأنهم يستبطنون بدورهم رسائل كانوا يسمعونها من قبيل: "لا تظهر بمظهر البطل" أو "توقف عن تصدّر الواجهة".
أنسى لأحمي خصوصيتي
تشير المحللة النفسية نوربيرت شاتيون (Norbert Chatillon) إلى أن: "الاسم الشخصي الذي يمنحه الوالدان للطفل يحمل شحنة قوية من الخصوصية، ومن أجل "تسجيله" في الذاكرة، يجب أن يتحقق شعور ما، سلبي أو إيجابي، تجاهه". إذاً يعكس نسيان أسماء الآخرين أو عدم الاهتمام بها حمايةً من اقتحامهم لخصوصياتنا، والتّعرض لنقدهم، والخوف أيضاً من أن تربطنا بهم علاقةما؛ كما لو أن تجاهلهم يمثل الوسيلة الأكثر أماناً من أجل عدم التعرف إليهم.
أنسى لأكبح عدوانيتي
يرى المحلل النفسي جان جاك موسكوفيتز (Jean-Jacques Moscovitz) أن: "نسيان أسماء الآخرين علامة على حضور فكرة أخرى في الذهن، في شكل خوف أو رغبة أو دافع أو غير ذلك، ولذلك يتدخل اللاوعي من أجل طردها؛ وكأن حالات النسيان هذه تحمينا وتحمي الآخرين من عدوانية طبيعية ومهيمنة من الطرفين"! مشيراً إلى أن نسيان أسماء الآخرين قد يكون لأنها: "تذكّرنا بتجارب صعبة عشناها مع أشخاص يحملون الأسماء ذاتها، أو أماكن من ذكريات الطفولة تتضمن أسماؤها الأحرف والأصوات نفسها، أو أحداث تثير عواطف سلبية ونفضّل نسيانها".
تجربة سجى مع نسيان أسماء الآخرين
تقول سجى؛ وهي مسؤولة مبيعات في الأربعين من عمرها: "لقد عُرفت دائماً بعادة سيئة تتمثل في نسيان أسماء الآخرين، خصوصاً في أثناء التجمعات، في الأمسيات أو المؤتمرات، واليوم عندما يقدَّم لي أشخاص جدد، سواء من محيط الأصدقاء أو في العمل، فإنني أتعمّد ذكر أسمائهم عدة مرات مع بداية الحوار بيننا، فتجدني أردد: "أهلاً، إيمان"، أو "ما رأيك في هذا يا جاد"؟ فالتكرار وسيلة ممتازة للحفظ".
ما العمل عند نسيان أسماء الآخرين باستمرار؟
1. انتبه إلى الآخرين
تنصح المحللة النفسية نوربيرت شاتيون قائلةً: "إذا كنت تشعر في أثناء لقائك بشخص ما أنك لا تستمع إليه، وأنك لا تركّز في كلامه أو لا تهتم به، فحاول أن تستغل عدم الانتباه هذا من أجل تعزيز حضورك، ويتطلب ذلك انضباطاً معيناً يمكن اكتسابه عبر التدرّب، فالأمر يتعلق بالتمرّن على التركيز في الذات والاهتمام بالآخر في الوقت نفسه، وهذا التريّث وسيلة فعالة من أجل الانتباه".
2. اسمح لنفسك بالنسيان
تقول المعالجة النفسية إيزابيل كريبيل: "عندما تجبر نفسك على التذكر، فمن الطبيعي أن تخاف النسيان، وستشعر غالباً بالحرج. في المقابل، إذا سمحت لنفسك بنسيان أسماء الآخرين، فإنك ستكون أقل ارتباكاً بسبب التخوف من هذا الخطأ". إنها طريقة للتجاهل تسمح باستعادة الثقة في النفس، ومن ثمّ الانتباه إلى الآخرين أكثر.
3. اسأل نفسك
يرى المحلل النفسي جان جاك موسكوفيتز أن هذا النسيان، الذي لا أهمية له ظاهرياً، يمكن أن يصبح فرصةً مناسبةً لإعادة اكتشاف الذات. يقول موسكوفيتز: "اجلس، وخذ ورقة وقلماً، وانطلق من هذا الاسم الذي نسيته، أو ذلك الذي عوّضته به، ووظّفه في لعبة تداعي الأفكار أو عبارات الجِناس، فهذا "التمرين" المُثري قد يسمح لك باسترجاع ما نسيته، وإصلاح الخطأ "الإرادي" الذي ارتكبته نهائياً".