لمَ يؤمِن البعض بالخرافات؟ مختصون نفسيون يجيبون

4 دقائق
الخرافات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: على الرغم من التطور الهائل الذي نعيشه اليوم، ما زال الكثيرون يؤمنون بخرافات مثل ضرورة الدق على الخشب طرداً للحسد، أو تَراهم يتشاءمون من يوم محدد من الأسبوع وغيرها الكثير. ويرى الطبيب النفسي أن الخرافات نتاج ربط أحداث الواقع ببعضها على نحو غير منطقي؛ مثلاً لو دخلتُ إلى المنزل بقدمي اليسرى أولاً وفي اليوم ذاته توفي أحد أفراد أسرتي، أستنتج على الفور أن الدخول بالقدم اليسرى نذير شؤم، ولذلك دائماً سأدخل إلى المنزل بقدمي اليمنى أولاً، وحينما أدخل بقدمي اليسرى خطأً سأرتعدُ خوفاً. فلمَ يؤمن البعض بالخرافات؟ وكيف يؤثر ذلك في حياتهم؟

على الرغم من التطور الهائل الذي نعيشه اليوم، ما زال الكثيرون يؤمنون بخرافات مثل ضرورة الدق على الخشب طرداً للحسد، أو تراهم يتشاءمون من يوم محدد من أيام الأسبوع وغيرها الكثير. ويمثل الإيمان بالخرافات نهجاً فكرياً مشتركاً بين البشر، وقد يقيد البعض إلى درجة أنه يمنعه من عيش حياته على نحو سليم، فما أسباب هذه الظاهرة؟ وكيف يمكننا الحد منها لكيلا تسيطر علينا بالكامل؟

لمَ يؤمن البعض بالخرافات؟

يقول مختص التحليل النفسي جيرار لوفان (Gérard Louvain): "الخرافات قديمة قِدمَ البشرية، وعلى الرغم من سخافتها فهي نتاج خالص للذكاء البشري".

الخرافات وسيلة لمواجهة الخوف من الصدف

يقول الطبيب النفسي كريستوف أندريه (Christophe André): "لنا أن نتخيل مثلاً كيف نشأ لدى إنسان ما قبل التاريخ انطباع بأن الدق على الخشب يدرأ الحظ السيئ، ثم كيف أخبر قبيلته كلها بالأمر، ومنذ ذلك الحين تبنّى الجميع هذه العادة كنوع من الحيطة".

ويرى الطبيب النفسي أن الخرافات نتاج ربط أحداث الواقع ببعضها على نحو غير منطقي، فمثلاً لو دخل أحدهم إلى منزله بقدمه اليسرى وفي اليوم ذاته توفي أحد أفراد أسرته، قد يستنتج على الفور أن الدخول بالقدم اليسرى نذير شؤم، فلا يدخل إلى منزله إلا بقدمه اليمنى أولاً، وحينما يدخل بقدمه اليسرى خطأً يرتعد خوفاً.

نحن نُنشئ هذه الصلات دون أساس لنحاول إيجاد معانٍ للأحداث وأسباب ملموسة لها وقواعد تسير وفقها، في حين أن الصدف هي التي تكمن خلفها.

الخرافات وسيلة لمحاربة القلق

يقول جيرار لوفان: "نبتكر طقوسنا الخرافية لنسيطر على القلق الوجودي الناجم عن حالة عدم اليقين التي ترافقنا نحن البشر، فإذا مر شخص بيوم عصيب مثلاً يستنتج أن هذا طبيعي لأن اليوم هو الثلاثاء وهو يتشاءم منه"!

يقول كريستوف أندريه: "كلما كان قلقنا أكبر ازداد تعلقنا بالخرافة، لِما لها من تأثير مطَمئِن في أنفسنا". إضافة إلى ذلك، فإن لثقافة المرء وخلفيته العائلية دوراً في مدى إيمانه بالخرافات؛ كما أنه يتمسك أكثر بها حينما يواجه المواقف المحفوفة بالمخاطر التي لا يمكنه التحكم فيها أو التنبؤ بنتائجها، فإحصائياً، يُعد كبار الرياضيين مثل سائقي الفورمولا 1 ومصارعي الثيران أكثر إيماناً بالخرافات مقارنةً بالفرد العادي".

التفكير الخرافي العصابي

يرى المعالجون النفسيون أن الخرافات كلها لا أساس لها من الصحة، ومن ثم فإن التمييز بين التفكير الخرافي ضمن حدود المقبول وبين ما يُعد اضطراباً عصابياً لا يرتبط بصحة هذه الخرافات بكل تأكيد، ويوضح كريستوف أندريه قائلاً: "يتعلق الأمر بتواتر الأفعال المرتبطة بالخرافات وعددها، وبما إذا كانت تقيد حرية الفرد في حياته اليومية أو لا".

فمثلاً نستمتع جميعاً تقريباً بتجنّب الدوس على الفواصل بين بلاطات الرصيف؛ لكن حينما يجد المرء نفسه مجبراً دائماً على اتباع سلوكيات كهذه أو يمنع نفسه من التفكير في رقم معين أو كلمة معينة (موت)، أو يجبر نفسه على البقاء في المنزل في يوم محدد من أيام الأسبوع مهما كان الظرف، بغية تجنُّب سوء الحظ أو المصائب التي يخشاها، فإن ذلك قد يعني أنه يعاني اضطراباً عصابياً.

ماذا أفعل إذا كنتُ أؤمن بالخرافات؟

تعاطَف مع نفسك

إذا كنت تشعر أن ما تؤمن به يجلب لك الراحة فلا تغيّره بل تقبَّله. يصنف فرويد الإيمان بالخرافات والأفعال المرتبطة به ضمن المظاهر النفسية للحياة اليومية، وعلى الرغم من أنه أنكر إيمانه بالخرافات فإن مراسلاته تُظهر أنه كانت لديه طقوسه الشخصية.

لا تسمح للخرافات بتقييدك

بعد مواجهة عدة مواقف صعبة ستجد أن الخرافات التي تقيد حياتك تتزايد ولم يعد بإمكانك التحرر منها، ولتتمكن من وضع حد لها انظر إلى الأمور نظرة عالِم، واسأل نفسك مثلاً: هل تحدث المصائب التي تخشاها إذا لم تدق على الخشب أو إذا دخلتَ منزلك بالقدم اليسرى بدلاً من اليمنى؟ وستجد أن الإجابة هي بالتأكيد لا.

استشِر مختصاً نفسياً

إذا كنت تجد أن مشاعر القلق تسيطر عليك كلما حاولت تجنُّب طقوسك هذه، فلا تترد في استشارة معالج نفسي أو معالج سلوكي مختص في اضطرابات القلق.

نصيحة للمحيطين

احترم طقوس التفاؤل الخرافية التي يتمسك بها أحباؤك؛ لكن حاول مساعدتهم على ألا تصبح هذه الطقوس قيوداً تشل حركتهم، ولا تسخر منهم فذلك لن يساعدهم على التخلص منها بل سيدفعهم فقط إلى الاختباء.

بدلاً من ذلك يمكنك أن تريهم أمثلة ملموسة: "لم أدق على الخشب، وتركتُ الحذاء مقلوباً ودخلتُ المنزلَ بقدمي اليسرى أولاً ولم يحدث شيء".

كيف تعاملت نادية مع خرافاتها؟

"كنتُ بحاجة إلى التحكم في حياتي"

تقول نادية ذات الـ 32 عاماً وهي مختصة في علوم الحاسوب: "كنتُ في السادسة من عمري حينما ابتكرت خرافتي الأولى، وكنتُ قد دعيت إلى حفل عيد ميلاد وقتها فقلت لنفسي: إذا فكرتُ بأنني سأشعر بالملل هناك فسيحدث العكس وسأقضي وقتاً طيباً، وتدريجياً، صرت أفكر بهذه الطريقة سلفاً قبل حضور أي مناسبة خشية ألا أقضي وقتاً ممتعاً. في أحد الأيام شعرتُ أنني لم أعد قادرةً على إضاعة حياتي بطريقة التفكير هذه وقررتُ استشارة معالج نفسي، وقد استخدم معي النهج الفرويدي الكلاسيكي إضافة إلى الطرائق المستوحاة من المذهب السلوكي.

حدّثته عن نفسي وأعطاني بعض الإرشادات؛ ومنها أن أخرج من المنزل دون أن آخذ معي سلسلة المفاتيح المفضلة لديّ وأن أدوّن مشاعري وأفكاري السلبية قبل اجتماع مهم. ودفعني الطبيب إلى التساؤل: لمَ أعتقد أنّ المصائب تطاردني؟ ما المميز لديّ حتى يحدث هذا؟

في النهاية، أدركتُ أن تفكيري الخرافي كان مجرد ستارة لإخفاء مشكلاتي الحقيقية وهي افتقاري الشديد إلى الثقة بالنفس وحاجتي إلى التحكم في حياتي، وأعمل الآن على تحسين هذين الجانبين والتحرر من طريقة تفكيري هذه ومشاعري السلبية".

المحتوى محمي