ملخص: هل يجب أن أختار معالجاً أم معالجةً نفسيةً؟ هذا أحد الأسئلة الأولى التي يطرحها البعض على نفسه حين يقرر استشارة طبيب نفسي، فهل يمثل هذا السؤال معضلة حقيقية أم مشكلة زائفة؟ تقول سلوى: "أنا في جدال مستمر مع أمي حول ما إذا كان عليّ اختيار معالج أو معالجة نفسية". أما سمر فتقول: "أنا امرأة وحياتي العاطفية مضطربة جداً، فهل يمكن للمعالج النفسي أن يساعدني أكثر من المعالجة النفسية"؟ يجيب الخبراء عن هذا السؤال عادةً بأنه لا فرق بين المعالج والمعالجة النفسية؛ اختر أيهما ترتاح إليه، وما يهم في المقام الأول هو مهارة المعالج، وعلى الرغم من ذلك يُظهر تاريخ العلاجات النفسية أن النوع الاجتماعي للمعالج على درجة كبيرة من الأهمية فيما يخص العملية العلاجية.
هل يجب أن أختار معالجاً أم معالجةً نفسيةً؟ هذا أحد الأسئلة الأولى التي يطرحها البعض على نفسه حين يقرر استشارة طبيب نفسي، فهل يمثل هذا السؤال معضلة حقيقية أم مشكلة زائفة؟
تقول سلوى: "أنا في جدال مستمر مع أمي حول ما إذا كان عليّ اختيار معالج أو معالجة نفسية". أما سمر فتقول: "أنا امرأة وحياتي العاطفية مضطربة جداً، فهل يمكن للمعالج النفسي أن يساعدني أكثر من المعالجة النفسية"؟ يجيب الخبراء عن هذا السؤال عادةً بأنه لا فرق بين المعالج والمعالجة النفسية؛ اختر أيهما ترتاح إليه، وما يهم في المقام الأول هو مهارة المعالج. يشاركنا مختص التحليل النفسي السويسري وأحد أبرز الشخصيات في تيار التحليل النفسي، أوليفييه فلورنوي (Olivier Flournoy) تجربته الخاصة، ويقول: "أجريتُ تحليلاً نفسياً للرجال والنساء وأرى أنه لا فرق، فأنا كمحلل نفسي أؤدي العمل ذاته مع كليهما وكذلك ستكون الحال إذا كنا نتحدث عن محللة نفسية. لا يشبه الأمر ما نراه في صالونات تصفيف الشعر، فلا يمكن القول إنه ثمة محلل نفسي خاص بالرجال وآخر خاص بالنساء". وعلى الرغم من ذلك، يُظهر تاريخ العلاجات النفسية أن النوع الاجتماعي للمعالج على درجة كبيرة من الأهمية فيما يخص العملية العلاجية.
ما تأثير تماثل المعالج النفسي والمريض أو تعاكسهما بالنوع الاجتماعي؟
لنأخذ بدايات التحليل النفسي، ففي عام 1880 استقبل الطبيب النفسي وأحد زملاء فرويد، جوزيف بروير (Josef Breuer) مريضةً شابةً تُدعى بيرتا بابينايم (Bertha Pappenheim) والمعروفة في سجلات التحليل النفسي باسم آنا أو (Anna O). أحبّت آنا طبيبها حد الولع به حتى تخيلت أنها قد حملت منه، وقد أصابته حالتها بالذهول وتخلى عن علاجها. وللتعافي من عواطفه؛ ذهب جوزيف بروير في رحلة إلى مدينة البندقية حيث حملت زوجته بالطفل الذي "تمنته" بيرتا. بعد بضع سنوات، تعرَّض فرويد، الذي كان قد اكتشف اللاوعي حديثاً، إلى هجوم من إحدى مريضاته التي عبرت عن حبها له. انكب فرويد على دراسة دوافع الحب الكاذبة هذه، فانتهى إلى تطوير نظرية "آلية التحويل" التي تشير إلى العلاقة الخاصة جداً بين المريض ومعالجه، وكانت هذه الآلية أساس العلاجات النفسية كلها إذ سمحت للمريض بالاتصال مع الطفل الذي كان عليه في الماضي والذي يحكم حياته كراشد، ووفقاً لذلك يصبح المعالج الأب أو الأم أو الوالد المثالي الذي افتقده المريض؛ إنها عودة الماضي إلى الحاضر. وفي الوقت ذاته يتأثر المعالج بما يُسمى "آلية التحويل المضاد" التي تؤدي إلى ردود فعل عاطفية وأحاسيس جسدية لديه. تقول المعالجة النفسية المختصة في العلاج الجنسي التي قادت ندوة حول تأثير النوع الاجتماعي للمعالج في العلاج النفسي، ديان بيليسولو (Diane Pellisolo): "على سبيل المثال يمكنني إدراك أن هذا الرجل الذي أستمع إليه هو طفلة صغيرة بالنسبة إليّ، ويتيح لي هذا الإحساس فهم أن أساس التعقيد الشديد الذي يعانيه هو أنه لم يكن الابنة التي كانت يمكن أن تحظى بحب والدتها".
إذاً حينما يقول المعالجون النفسيون المعاصرون إن النوع الاجتماعي للمعالج النفسي غير مهم، فهل هذا إنكار للمسألة؟ في مقاله "حالة عُصاب طفولي" (A Case of Infantile Neurosis) الذي كتبه عام 1917، يشير فرويد إلى أن مرضاه الذكور يميلون إلى تطوير تحويل عدائي تجاهه، ويضيف في المقال ذاته إن المعالج الذكر الذي يستقبل المرضى الذكور قد يواجه الكراهية التي شعر بها الأخيرون تجاه آبائهم في مرحلة التنافس الأوديبي (مرحلة عقدة أوديب) التي يمر بها الأولاد الصغار وتستمر حتى نهاية سن الخامسة. في عام 1931، ذكر فرويد في كتابه "الجنسانية الأنثوية" (Female Sexuality) أن المعالجات النفسيات يملن إلى إثارة التحويل السلبي لدى مرضاهن. من جهة أخرى، فقد كن أكثر قدرةً على اكتشاف العناصر المحددة للطفولة المبكرة لدى مرضاهن من كلا الجنسين، ذلك أنهن يأخذن دور الأمهات البديلات بسهولة عند التعامل مع المرضى.
الانجذاب بين المعالج والمريض
تقول ديان بيليسولو: "في حين يوصي الخبراء بعدم الاهتمام بالنوع الاجتماعي للمعالج لتجنب الاتهامات بالتمييز، تعترف المعالجات بأن مريضاتهن يركزن على "التنافس" معهن أغلب الأحيان؛ إذ يحاولن تجميع مغامراتهن العاطفية كلها والتحدث عنها خلال الجلسات ليثبتن لأنفسهن أنهن مرغوبات أكثر من معالجتهن"! كما تعترف معالجات كُثُر بأنهن يقلقن أكثر بشأن أنوثتهن حينما يستقبلن مرضى ذكوراً، وأنهن يجدن أنفسهن أحياناً بحاجة إلى المقاومة لعدم السماح بأي نوع من الانجذاب بينهن وبين المرضى. من جهة المعالجين الرجال، فقد أوضحوا أنهم يرفضون أحياناً استقبال النساء الجميلات مخافة الانجذاب إليهن كما أن بعض المرضى الذكور يزعزعون ثقتهم بأنفسهم ورجولتهم. إذاً هل من الأفضل أن يرى المرضى الرجال معالجات نفسيات، وأن ترى المريضات معالجين ومعالجات بالتناوب؟ وهل المعالجة أكثر قدرةً على مساعدة المريض في الكشف عن عواطفه القديمة؟ ليس الأمر بهذه البساطة، فردود الفعل العاطفية المرتبطة بالتحويل تؤثر في بدايات العلاج وليس في مساره الكلي. بصرف النظر عما إذا كان المعالج رجلاً أو امرأة، يتطلب عمله أن يولي أهمية كافية طوال المسار العلاجي لكلا الجانبين الأنثوي والذكوري لدى المريض (المكون الذكوري والمكون الأنثوي للنفس وفقاً للمعالجين اليونغيين)، والثنائية الجنسية للنفس التي تظهر لدى كل إنسان قبل مرحلة عقدة أوديب، وعلى هذا النحو سيكون المعالج بدوره الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت أو الحليف أو العدو بالنسبة إلى مريضه؛ ما سيكشف للأخير أقدم العواطف الكامنة في نفسه. تقول نجوى ذات الـ 36 عاماً التي لم تتمكن من التعافي حتى الآن من انفصالها عن زوجها منذ 6 سنوات: "أبحث عن معالجة نفسية، فأنا لا أريد الذهاب إلى معالج نفسي تجنباً لتحويل المشاعر، وعلى الرغم من أنني أعلم أن مشاعر الحب التي تنشأ تجاه المعالج ليست حقيقية فإنها تسبب الألم ذاته". ولكن اختيار نجوى معالجة نفسية لا يضمن لها عدم نشوء مشاعر تعلق لديها تجاه معالجتها، فقد نتعلق بمعالجنا النفسي بصرف النظر عن النوع الاجتماعي لأننا نشعر أنه على دراية بمعاناتنا ونفترض أن لديه القوة الكافية لتخليصنا منها، ولأنه يستمع إلينا ويقدم لنا العون في سبيل ذلك، ففي العلاج النفسي يبدو الأمر وكأنما نؤدي دوراً في مسرح الظل إذ تتجلى تخيلاتنا الواعية واللاواعية كلها ونكتشف جوانب من شخصيتنا لم نكن نعرفها. ليتمكن المريض من اتخاذ القرار الصحيح فإن عليه أيضاً التخلي عن بعض الأفكار الجاهزة. تقول سارة ذات الـ 33 عاماً: "بما أنني امرأة فقد ظننت أن بإمكان المرأة الاستماع إليّ على نحو أفضل؛ لكن تبين لي أن هذه الفكرة ليست صحيحة". قد تكون المعالجة النفسية أكثر حساسية تجاه الأزمة النفسية التي تمر بها مريضة هجرها حبيبها أو تجاه الاكتئاب الذي تعانيه شابة بحاجة إلى إنجاب طفل لأنها أكثر قدرة على إدراك هذه المعاناة. من جهة أخرى فإنه من الأسهل على المعالج أن يقف على حالة الرجل الذي يعاني غضباً أو خجلاً مزمناً، وعلى الرغم من ذلك فإن التعاطف في العلاج النفسي ليس كل شيء.
عوامل أخرى أكثر أهمية عند اختيار المعالج النفسي
إذا كانت جودة العلاقة العلاجية جوهرية، فإننا يجب ألا ننسى أن العلاج النفسي طريقة وخبرة عملية ومهنة، ولذلك ليس النوع الاجتماعي للمعالج ما يؤثر فقط في مشاعرنا وتخيلاتنا وتداعي أفكارنا؛ بل شخصيته ونظرياته ونهجه والطرائق التي يتبعها أيضاً. أخيراً نقول: يسير العلاج النفسي على أفضل نحو حينما يختار المريض معالجه بحرية، لذا على الرغم من أن النوع الاجتماعي للمعالج يُحدث تأثيراً في العملية العلاجية لكن من المستحيل أن نربط جودة العلاج سلفاً بهذا الأمر. وهذا ما تأكده هيفاء ذات الـ 48 عاماً إذ تقول: "اعتقدت أنني لن أكون مرتاحةً أبداً مع معالج رجل وأنه لن يتمكن من فهمي؛ ولكن بعد أن رأيت معالجتين نفسيتين قررت في النهاية أن أكمل علاجي مع معالج، وأنا أشعر بالرضا تماماً معه".
تجربة سهام مع المعالج والمعالجة نفسية
تقول سهام ذات الـ 53 عاماً: "حين قررت بدء العلاج النفسي لم أفكر أبداً في اختيار معالجة نفسية فالأنثى كانت مرادفاً لانعدام الأمان بالنسبة إليّ؛ تماماً كأمي التي لم تقدم لي الحماية الكافية، لذلك فقد لجأت إلى معالجين نفسيين رجال أولاً وكنت أسقط عليهم صورة الأب الذي تمنيته ولم أحظَ به مطلقاً، وخلال الجلسات استرجعت حالة الطفلة التعيسة التي كنت عليها في الماضي وكنت أحدثهم عن الرجال في حياتي ومنهم أشقائي، ولم أذكر أمي وشقيقاتي مطلقاً إذ كنت أحاول استمالتهم بوصفي ضحية، وعلى الرغم من ذلك فإن التقدم العلاجي الأبرز بالنسبة إليّ تحقق حينما لجأت إلى معالجة أخيراً. هل كنتُ لأستشير معالجة لو لم تتوفَ والدتي؟ لا أظن ذلك، وعلى أي حال لم أعد في جلساتي مع المعالجة تلك الفتاة الصغيرة التي كانت ضحية الآخرين بل صرتُ أركز على نفسي وأتحدث عن مغامراتي العاطفية، في حين أنني مع المعالجين الرجال كنت أتحدث فقط عما تعرضت إليه من أذىً وهجر. بعد 12 سنة نجح العلاج النفسي، ويبدو واضحاً لي أن تحويل المشاعر لم ينشأ بالطريقة ذاتها مع المعالج والمعالجة النفسية، فالأخيرة سمحت لي بتصحيح علاقتي بوالدتي ثم استحضار ذكراها دون أن أشعر بالغضب؛ إذ أدركتُ أن المعالجة ليست والدتي. لقد منحتني الأولى الاهتمام، في حين أن الثانية أهملتني".