تعبر بشرتنا -على ما يبدو- عن كل ما لا يمكننا قوله بالكلمات، سواء عندما تحمر خجلاً أمام كلمات الإطراء أو عندما تقشعر عند المداعبة. إنها لغة معقدة بدأنا للتو في فك شيفرتها.
- يتولد الحب من خلال التلامس
- مرحلة "الأنا-الجلد"
- جرح داخلي وندوب خارجية
- رسائل موجهة للدماغ
- مساحيق التجميل أم الوشوم؟
- تسليط الضوء على طبقات الجلد الثلاث
- للحصول على النعومة المنشودة!
إن باستطاعة بشرتنا الشعور بكل شيء وامتصاص كل شيء وكذلك استشعار كل شيء: الحرارة، البرودة، الألم، النعومة وغيرها، ومن ثم إيصال الرسالة فوراً إلى الدماغ؛ لكن المداعبات هي أكثر ما تفضله بشرتنا من بين كل هذه المعلومات؛ إذ تعد بشرتنا التي تفصل بيننا وبين العالم الخارجي وتصل مساحتها إلى مترين مربعين وتضم في طياتها خمس ملايين خلية حسية، بمثابة جهاز استقبال هائل للأحاسيس. ويجزم الباحث الأميركي أشلي مونتاغو؛ وهو أحد رواد دراسة التأثيرات الحسية للجلد، بذلك قائلاً: "إن الجلد أهم عضو لدى الإنسان، فكل إحساس يشير إلى رسالة إنسانية أساسية"، وأولى تلك الرسائل هي الحب.
يتولد الحب من خلال التلامس
تعبر جاكلين ناديل؛ الباحثة في مختبر علم النفس البيولوجي في جامعة السوربون بباريس، عن هذه القناعة بقولها: "يتولد الحب من خلال التلامس". يشعر الأطفال الصغار بذلك بوضوح، فهم يتطلعون طوال الوقت إلى الاحتضان والتدليل، ولهذا السبب يُوصى بتدليكهم. وقد أظهرت التجارب أن اتباع هذه العادة كان يقلل من الوقت الذي يقضيه الأطفال الخدج في المشفى، كما كان يُحسن من التآزر الحركي لديهم، وكذلك من انتباههم للأشياء. أما بالنسبة للأطفال مكتملي النمو، فإن التأثير المهدئ الذي تخلفه عمليات التدليك، يُسهل عليهم الخلود للنوم.
كما يمكن للبالغين اتباع هذه العادة لمتعتهم الشخصية، فما الذي يفوق في إثارته تحسس جلد الآخر؟ عند مغازلة شخص لآخر، تمر الرغبة عبر النظر والصوت، قبل أن تتجسد بشدة، وحينها يُعتبر التلامس شكلاً من أشكال التملك، ووسيلةً لمعرفة الآخر والتعرف عليه، ولذلك ينصح بعض المعالجين الجنسيين الأزواج الذين يمرون بأزمة، بقضاء بعض الوقت معاً لممارسة التدليك والمداعبة، فالتلامس -في واقع الأمر- وسيلة للتواصل فيما بينهما لا مجال فيها لهيمنة أحدهما على الآخر.
مرحلة "الأنا-الجلد"
يقوم الجلد بالإرسال كما يقوم بالاستقبال، فهو يتأثر وينبض بالحياة،كما يعكس انفعالاتنا. هذا ما يؤمن به المحلل النفسي ديدييه أنزيو، وما عبر عنه في كتابه الذي يحمل عنوان "الأنا-الجلد" في عام 1974، ومن حينها بدأ التحليل النفسي يرتبط بعلم الأمراض الجلدية.
وفقًا لأطروحته؛ تتشكل شخصيتنا بدايةً من خلال إدراكنا لجلدنا، لهذا الإطار الذي يحدد هويتنا. فتتشكل في الواقع، الصورة التي لدينا عن أنفسنا - بالمعنى الحرفي للكلمة - أثناء التواصل من خلال تلامس بشرتيّ الأم والطفل - هذا ما يُعرف بـ "الأنا-الجلد"؛ وهي إحدى مراحل التطور التي ستتيح للطفل الوصول إلى مراحل أخرى من تطوره النفسي، ثم إلى الهوية الجنسية.
وبعد ذلك؛ وطوال الحياة، سيستمر الجلد مرآةً عاكسةً لتقلبات حياتنا الداخلية صعوداً وهبوطاً، فسيحمر الوجه تحت وطأة الغضب، ويصبح شاحباً عند الشعور بالخوف، وتبدو أمارات السعادة على قسمات الوجه المشرق، كما سينذر اكفهرار الوجه بالوقوع في براثن الاكتئاب.
جرح داخلي وندوب خارجية
من المعتاد اليوم اعتبار أن الإجهاد والاستياء يتسببان في تفشي الصدفية والهربس والأكزيما وحتى حب الشباب؛ لكن الدكتورة دانييل بومي-ري؛ طبيبة الأمراض الجلدية والمحللة النفسية في مستشفى سانت لويس في باريس، تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. فوفقاً لما ذكرته؛ إن 80% من الأمراض الجلدية تعود جذورها لسبب نفسي: "إن من يعاني منها هو شخص لديه الكثير ليقوله؛ لكنه لا ينبس ببنت شفة. ونرى انعكاس ذلك العجز عن التعبير و آثاره على جلده.". لدى بشرتنا –على ما يبدو- لغة خاصة، وهي مسؤولة عن نقل كل ما لم نصرح به علانيةً في حياتنا. إن أسباب هذا التفاعل بين الدماغ والجلد بسيطة، فكلاهما لهما نفس الأصل الجنيني! إذ أنهما يتشكلان في نفس الوقت؛ في اليوم الحادي والعشرين من تطور الجنين.
ومنذ ذلك الحين؛ ولا يتوقف تداول المعلومات فيما بينهما... إجهاد؟ انفعال ما؟ سيترجم الجهاز العصبي هذه المعلومة إلى لغة كيميائية حيوية عبر الناقلات العصبية، وهذه بدورها ستؤثر على الجلد بطريقة تجعله قادراً على التسبب في إحدى الأمراض الجلدية - أو معالجتها. وعليه، فنحن جميعاً معرضون لخطر الإصابة بالحساسية أو تساقط الشعر على إثر صدمة عاطفية. وفي أغلب الأحيان؛ يكون الاستشفاء ممكناً من خلال العلاج. وأحياناً أخرى لا يمكن ذلك؛ إذ تعتقد دانييل بومي- راي أن "درجة القلق هي التي تصنع الفارق".
تبرر مثل هذه الروابط بين الجلد والدماغ وجود طب الجلد النفسي، وفيه يتشارك كل من الطبيب النفسي وطبيب الأمراض الجلدية معاً في علاج الالتهابات الجلدية الشديدة أو المسببة للإعاقة. فهل علينا الاستلقاء على الأريكة لعلاج حب الشباب؟ تشرح دانييل بومي-ري هذا الأمر قائلةً: "لا، فعند حضور مريض يعاني من مشكلة جلدية ما، علينا بالأحرى العمل وجهاً لوجه ووفقاً لهذه المشكلة". وتستطرد شارحةً أن الصدفية ستجعله يتطرق إلى الغضب المكبوت، أما إذا كان يعاني من الأكزيما، فعلينا التحدث عن قلقه. أما فقد الشعر فسنعزوه إلى فقد شيء آخر، في حين أن حب الشباب قد يظهر كندبة واضحة ناتجة عن الحزن. ويمكن وصف بعض مضادات الاكتئاب الخفيفة إلى جانب إجراء هذه الجلسات، ثم ستظهر النتائج؛ إذ يتحسن الجلد تدريجياً، وتتغير الصورة الذاتية إلى الأفضل؛ مثل الجرح الذي يلتئم برفق.
رسائل موجهة للدماغ
لقد بدأنا للتو العمل على الاكتشافات حول هذه الروابط المذهلة بين الجلد والدماغ. ومن الآن فصاعداً؛ تُجَّمع الأبحاث المتعلقة بنفس التخصص: طب الأعصاب والغدد الصماء والأمراض الجلدية العصبية. وفي هذا السياق؛ أظهرت بعض الدراسات الحديثة تأثير العطور على مناعة الجلد؛ حيث أمكن التخلص من أعراض تحسس جلدي من خلال استنشاق إحدى العطور فحسب. وأظهرت دراسة أخرى أُجريت على كبار السن أن معالجة جفاف الجلد تزيد من حساسيته.
هذه النطاقات الخاضعة للدارسة مثيرة للغاية؛ إذ ستكون لها تداعيات واسعة على حياتنا اليومية. ومثلما يذكر لوران ميزري؛ أستاذ الأمراض الجلدية والمختص بالعلاقة ما بين الجلد والدماغ، يبدو أن الناقلات العصبية – التي تعد بمثابة رسائل كيميائية تنتشر بين الجلد والجهاز العصبي – يمكنها التأثير سواء على سُمك الأنسجة أو إنتاج الكولاجين والدهون، وكذلك على تصبغ الجلد أو استجابته المناعية. وبناءً عليه؛ هناك احتمال كبير بألا تكتفي كريمات العناية بالبشرة التي نستخدمها قريباً بالتفاعل على السطح؛ بل ستتغلغل بعمق نحو مصدر المشكلة نفسها عن طريق تحفيز الناقل العصبي المناسب.
مساحيق التجميل أم الوشوم؟
لا تُعتبر جلودنا انعكاساً لحياتنا الداخلية فحسب، فهي تمثل أيضاً شكلاً من أشكال اللغة الاجتماعية؛ إذ يُعد كل من استخدام مساحيق التجميل ورسم الوشوم وعمل الثقوب لوضع الحلي، طرقاً مختلفة للتواصل مع الآخرين والتعبير عن الحاجة إلى الاندماج، أو الرغبة في التمايز، أو التعطش للتمرد. حتى أن هناك مغزىً ما وراء تسمير البشرة، فهو يدل على اتخاذ نمط حياة معين.
ويمكن استخدام الجلد أيضاً كلغة دينية، فقد ورد في الأناجيل أن أي مرض جلدي كان يشار إليه كما لو كان دليلاً على خطيئة ما أو على عقاب إلهي، وغالباً ما كان يتوجب إخفاء الجلد الذي يمثل رمزاً لإنسانيتنا، أمام ما هو سماوي، أو يكون لزاماً علينا أن نقدم له دلالة على إيماننا؛ مثل قيام الرهبان بحلق جزء من فروة الرأس، أو الختان لدى اليهود. في الوقت نفسه؛ يزداد ظهور الجلد الذي يعكس هويتنا العميقة والسطحية وكذلك وجودنا، بوصفه مكاناً مليئاً بالذكريات؛ حيث تترك حياتنا عليه بصمةً لا تُمحى على مر الزمان.
تسليط الضوء على طبقات الجلد الثلاث
يمكن الحديث عن تكوين الجلد شديد التعقيد بإيجاز، بقول إنه يتضمن ثلاث طبقات تتراكب فوق بعضها البعض.
هناك الطبقة الخارجية الرقيقة البشرة؛ والتي على الرغم من رقتها (0.10 مم) إلا أنها في غاية المقاومة، وتوجد على سطحها الطبقة القرنية التي تشكل طبقةً واقيةً فعالةً للغاية. وتعتبر الطبقة الخارجية الرقيقة البشرة بمثابة نسيج حي يتجدد باستمرار، على النقيض من أنسجة القلب التي تتجدد ببطء، ومن النسيج العصبي الذي لا يتجدد على الإطلاق. ومبدئياً؛ يقتصر عمل مستحضرات التجميل على الطبقة الأولى، أما من الناحية العملية، فتصل بعض الكريمات إلى الطبقة التالية؛ إلا أن ذلك نادر لأن الطبقة القرنية تلعب دوراً فعالاً بوصفها حاجزاً، وتستطيع الزيوت العطرية وحدها اختراق الجلد بأكمله.
أما الأدمة الأكثر سمكاً، فتتكون من عدة ألياف من الكولاجين والإيلاستين اللذان يمنحان البشرة الليونة والتماسك.
وتعد طبقة ما تحت الجلد الطبقة الأكثر سمكاً والأعمق، وتشكل منطقة تخزين مليئةً بالخلايا الدهنية كبيرة الحجم.
للحصول على النعومة المنشودة!
إن التمتع ببشرة مخملية الملمس يعد سبباً لا يُضاهى لإغراء الجنس الآخر، خاصةً وأن الجزء اللين من أطراف الأنامل يحتوي على ما لا يقل عن 250 مستقبلًا لكل سنتيمتر مربع (هذه هي المنطقة الأكثر كثافةً في الجسم)؛ ما يجعل الأيدي في غاية الحساسية في تقدير ما تتلامسه. هل تودون الحصول على بشرة ناعمة الملمس وجميلة المنظر وذات رائحة عطرة ولا تقاوم؟ عليكم بالتقشير (لمرة واحدة على الأقل أسبوعياً) والترطيب (لمرة واحدة على الأقل يومياً)، وها هي كريمات الجسم الجديدة الملونة والمعطرة والمخملية تبرع في إرضاء حواسنا...
اختبر نفسك!
اكتشفوا ما تخبركم به بشرتكم عن أنفسكم من خلال تحديد السمة الشخصية النفسية والعاطفية المهيمنة لديكم، فمن شأنها تعريفكم بالعلاقة الرمزية والعاطفية اللاشعورية التي تربطكم بها، وبمجرد تحديد سمتكم الشخصية، سوف تكتشفون تمريناً للتنويم المغناطيسي يمكنكم ممارسته بسهولة للعناية بأنفسكم وبشرتكم بطريقة مختلفة.