ملخص: يخاف البعض تلقي الهدايا من الآخرين فما الأسباب وراء هذا الخوف؟ وهل هو خوف منطقي؟ تقول هيفاء: "أحب تقديم الهدايا للآخرين وليس تلقيها؛ إذ تخيفني المفاجآت وتصيبني نظرة الشخص الذي جلب لي هدية بالإحراج، ويزعجني الموقف برمته". تقول مختصة العلاج النفسي سيلفي تونينبوم: "قد يرجع ذلك إلى حقيقة أن الهدية تخفي داخلها الكثير من المعاني، وتتضمن رسائل واعية أو غير واعية ويمكن لهذه الرسائل أن تزعجنا؛ ومنها شعورنا بأننا أصبحنا مدينين لمن قدم لنا الهدية". فما المخاوف الأخرى التي قد تثيرها الهدايا لدى البعض؟
يخاف البعض تلقي الهدايا من الآخرين، فما الأسباب وراء هذا الخوف؟ وهل هو خوف منطقي؟ يجيبنا مختصون نفسيون من خلال السطور التالية.
تقول هيفاء ذات الـ 47 عاماً التي تعمل مصممة ديكور وتعاني رهاب تلقي الهدايا أو الكابيتيلوفوبيا (Capitellophobe): "أحب تقديم الهدايا للآخرين وليس تلقيها؛ إذ تخيفني المفاجآت وتصيبني نظرة الشخص الذي جلب لي هدية بالإحراج، ويزعجني الموقف برمته ولا سيما حينما يكون هنالك الكثير من الهدايا، ويولّد لدي هذا الموقف انطباعاً بأن العلاقة أصبحت رسمية ولا أعرف كيف عليّ التفاعل معه". تقول مختصة العلاج النفسي سيلفي تونينبوم (Sylvie Tenenbaum): "قد يرجع ذلك إلى حقيقة أن الهدية تخفي داخلها الكثير من المعاني، وتتضمن رسائل واعية أو غير واعية ويمكن لهذه الرسائل أن تزعجنا؛ ومنها شعورنا بأننا أصبحنا مدينين لمن قدم لنا الهدية". ومع ذلك، لا يتقن الجميع "فن" رد الهدايا بمثلها.
لمَ يخاف البعض تلقي الهدايا؟
1. عدم الشعور بالقيمة الذاتية
يشعر الشخص الذي يستصعب تلقي الهدايا بالإحراج ذاته الذي يشعر به عندما يمدحه أحدهم أو يثني عليه أو يقدم له خدمة، وتقول مختصة العلاج النفسي كورين دولون (Corinne Dollon): "تتطلب القدرة على قبول الهدية تمتع متلقيها بقدر كافٍ من تقدير الذات والثقة بالآخرين". ويرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بما تلقاه فيما سبق من رعاية واهتمام حين ولادته وخلال مرحلة طفولته، وما حظي به من تقدير ضمن العائلة والمدرسة، فإذا كان فد تلقى الكثير من الاهتمام في الماضي فسيتقبل الهدايا براحة إلى حد ما، أما إذا كان يعاني نقصاً نفسياً فإن هذه الهدية ستزيد من شعوره بهذا النقص. وتقول مختصة التحليل النفسي فيرجيني ميغلي (Virginie Megglé): "نحن نحب الهدية التي نتلقاها حينما تمنحنا راحة نفسية وتُشعرنا بوجودنا، خلاف ذلك فإننا لن نهتم بها كثيراً".
2. المخاوف التي تثيرها الهدية
تتابع سيلفي تونينبوم: "تثير الهدية في نَفس المتلقي شعوراً بالقلق وعدم الأمان". قد يشعر متلقي الهدية بأنه أصبح مديناً لمن قدمها له ما يثير لديه مخاوف من قبيل: كيف يمكنني أن أرد بالمثل؟ وكيف سينظر إليّ هذا الشخص؟ وهل يحاول أن يتملكني بهديته هذه؟ إضافةً إلى مخاوفه ممن قدم له الهدية، يخاف المتلقي من ذاته أيضاً في مثل هذا الموقف إذ ترى كورين دولون أن قبول الهدية يعني الكشف عن الذات، وهذا أمر بالغ الخطورة بالنسبة إلى أولئك الذين لم يتعلموا كيفية التعبير عن مشاعرهم سواء كانت مشاعر الفرح أو الألم. من جهة أخرى فقد تعلمنا دائماً أن نشكر من قدم لنا هدية سواء أعجبتنا أو لا وألا نظهر شعورنا بخيبة الأمل مطلقاً، ولأننا نجد أنفسنا مجبرين في موقف كهذا على إظهار ما هو مغاير لحقيقة ما نشعر به فقد نعجز عن الكلام ونصاب بالإحراج.
3. الهدية لا تعني لهم شيئاً
تقول فيرجيني ميغلي: "نحن لا نكره الهدايا في حد ذاتها؛ بل ما أصبحت عليه اليوم فكرة تقديم الهدية". تسيطر على عالمنا اليوم نزعة استهلاكية، ولذلك فإن تبادل الهدايا الذي كان طريقة للتعبير عن المحبة والتقارب بين الناس لم يعد كذلك، فالأطفال مثلاً يحصلون على الهدايا بمناسبة أو من دون، وحتى المتاجر الاستهلاكية صارت تقدم الهدايا بكثرة لزبائنها؛ كما أن المرأة التي يهديها زوجها حلياً اليوم قد تبيعها غداً إن لم تعجبها. فقدت الهدية الغاية الرئيسية منها ولم يعد لها معنىً، فما الفائدة من تبادل الهدايا إذا كان ذلك يتمحور حول الشراء والامتلاك فقط، لا ترسيخ أواصر المحبة؟
كيف تدرك المعنى الحقيقي للهدية؟
1. حافظ على البساطة
تقول المعالجة النفسية سيلفي تونينبوم: "علينا أن نعيد إلى مفهوم الهدية الرسالة النبيلة المرتبطة بها بعيداً عن كل تصنع؛ أي أن يكون الغرض من تقديم الهدايا للآخرين هو أن نفرحهم وليس أن نرضي أنفسنا أو نجعلهم يحبوننا أو حتى لمجرد احترام الطقوس الاجتماعية، ويتضمن ذلك أن نختار الهدية وفقاً لذوق الشخص الذي سنقدمها له وليس وفقاً لذوقنا".
2. ابدأ بتقديم هدية لنفسك
توضح مختصة العلاج النفسي كورين دولون إن العطاء والتلقي يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، لذا ابدأ بتعلّم كيف تعطي نفسك وتتلقى منها؛ قدم لنفسك مثلاً هديةً بسيطة وتقبَّل هديتك هذه بابتسامة. وأخيراً لا تحكم على نوايا الآخرين عندما يقدمون لك هدايا لا تعجبك ولا تأخذ الأمر على محمل شخصي.
3. أعطِ الهدية قيمتها الحقيقية
تقول مختصة التحليل النفسي فيرجيني ميغلي: "يجب أن نعيد للهدية معاني الألفة التي تتضمنها، فلا تكون مجرد سلعة مادية بل دلالةً على الروابط التي تجمع بيننا وتوحدنا". وعندما لا تعجب هديتك الشخص الذي قدمتها له فهذا لا يعني أنه لا يحبك؛ بل على العكس قد يكون راغباً في تعزيز علاقته بك إذ بإمكانك إهداؤه وقتاً واهتماماً بدلاً من الهدايا المادية؛ كدعوته إلى عشاء أو حضور فيلم في السينما أو اصطحابه إلى افتتاح معرض فني.
تقول سوسن ذات الـ 27 عاماً: "في كل مرة تلقيت فيها هدية كنت أرد بالجملة ذاتها: "لم يكن عليك فعل ذلك"، وكنت أعني ما أقوله ففي معظم الأحيان كانت الهدايا تخيّب أملي نوعاً ما، واستمر الأمر كذلك حتى تفاجأتُ في إحدى المرات أن خطيبي ووالداي لم يحضروا لي شيئاً في عيد ميلادي، وقد سبّب لي ذلك شعوراً بالضيق لكنني أدركت أن رد فعلي حين كانوا يحضرون لي هدية كان يحرمهم من الفرحة ويصيبهم بالإحباط، لذا وجدتُ حلاً يناسب الجميع وهو أن أخبرهم سلفاً بما يمكن أن يجعلني سعيدة، ومنذ ذلك الحين صارت الهدايا التي أتلقاها تُشعرني بالسرور فعلاً".