كيف تسير جلسة تعليم أسلوب الأكل الواعي؟

أسلوب الأكل الواعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ما معنى أسلوب الأكل الواعي؟ هو أسلوب يتمحور حول الوعي التام بما نستهلكه من طعام بغية التحكم في العادات الغذائية؛ إذ يتعلم المرء إدراك حاجاته العاطفية من تناول الطعام، وذلك من ضرورات التمتع بالعافية النفسية. حضَرنا جلسة تدريبية في هذا الخصوص لنعرف المزيد عن هذا المفهوم، تعرفوا معنا إلى تفاصيلها من خلال المقال التالي.

أسلوب الأكل الواعي: ما هو؟ هو أسلوب غذائي يتمحور حول الوعي التام بما نستهلكه من طعام، وقد اكتسب أهمية كبرى اليوم. شارَكنا في ورشة للتعرف إليه، ونشارككم تفاصيلها من خلال السطور التالية.

يبدو أننا نفقد فطرتنا السليمة فيما يتعلق بتناول الطعام حين نكبر، فالطفل مثلاً قد يفضل طعاماً دون آخر، أو يرغب في تناول أنواع جديدة من الطعام ويُبدي دهشته من أحدها، أو قد يثير قلق والديه حين يرفض تناول أي شيء؛ لكنهما سيكتشفان أن سلوكه هذا طبيعي حين يدركان أن حرارته مرتفعة ويشعر بالمرض. إنها فطرة الإنسان وحكمته الداخلية التي يفقدها في الكبر لأسباب كثيرة؛ مثل التربية أو الحرمان الذي قد يتعرض له في زمن الكوارث والحروب، أو الهوس بتناول الطعام الصحي وغيرها.

تقول جيرالدين ديساند (Géraldine Desindes): “يمكن لأي شخص اتباع أسلوب الأكل الواعي، باستثناء من يعانون فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي العصبي”. تقود جيرالدين جلسة الأكل الواعي بمشاركة متخصصَين في التأمل؛ المؤسس المشارك لتطبيق بوتي بامبو ( Petit Bambou)، بنجامين بلاسكو (Benjamin Blasco)، ومركز كي الصحي (Qee wellness center)، والهدف من الجلسة هو نشر مفهوم الأكل الواعي بين الفرنسيين.

نحو العاشرة صباحاً، اجتمعت مجموعة صغيرة من المتطوعين لا يتجاوز عدد أفرادها 12 شخصاً محباً للاطلاع في مكان الجلسة الكائن بالدائرة التاسعة بباريس، على مرمى حجر من محطة مترو نوتردام دي لوريت، وكان المكان مفروشاً بالحصر والوسائد والمقاعد، فخلع المتطوعون جميعهم أحذيتهم عند الباب ثم استقروا في أمكنتهم وبدؤوا بتبادل نظرات الحماس والتساؤل فيما بينهم، متلهفين لمعرفة ما سيُطلب إليهم فعله.

التحضير لجلسة ممارسة الأكل الواعي

تُستَهَلُّ الجلسة بتمرين الإحماء؛ إذ يدلك كل واحد من المشاركين كامل جسده من الرأس وحتى القدمين ثم يتنفس بعمق ويجلس في مكانه، لتبدأ بعد ذلك عملية التأمل. بعد أن يستقر المشاركون على الوسائد، يُنصحون بالجلوس على حافتها مع الحفاظ على توازنهم ومد أرجلهم على الأرض، فمن الأفضل أن يجلس كل منهم في الوضعية المريحة بالنسبة إليه، ثم يميل رأسه قليلاً نحو الأسفل للمساعدة على الاسترخاء، ويمكنه إغماض عينيه إذا كان مرتاحاً بما فيه الكفاية.

بعد التحضير، دخلنا في صلب أسلوب الأكل الواعي: وضعت جيرالدين ديساند مجموعة من الأطعمة أمام المشاركين؛ مثل كعك الميكادو وبسكويت الليمون العضوي ومرطبان من الشوكولاتة السائلة وألواح الشوكولاتة، وثمار اليوسفي، والقرنبيط، وغيرها. أثارت رؤية هذه الأطعمة ردود فعل مختلفة بين المشاركين، بسبب الأنظمة الغذائية الصحية التي يتبعونها أو الرغبات التي اعتادوا أن يحرموا أنفسهم منها وأيقظتها رؤية هذه الأطعمة مجدداً، وقد مكنهم ذلك من تحليل قناعاتهم المسبقة فيما يخص تناول الطعام، فوصلنا جميعاً إلى نتيجة واحدة وهي أننا نجهل كيفية الاستماع إلى حاجاتنا ورغباتنا على نحو سليم بسبب عاداتنا الغذائية التي تتحكم فينا.

مرحلة التمرين العملي

انتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة التمرين العملي؛ إذ طُلب من كل مشارك إغماض عينيه وتخيل أنه مسؤول رفقة فريق من العلماء عن رحلة فضائية كبيرة لاكتشاف كوكب جديد، وبعد الهبوط على الكوكب المستهدَف سار كل شيء على ما يرام وكان يتحرك عليه بأريحية تامة، ثم تفاجأ بجسم غريب مجهول صغير الحجم.

استخدمنا لتخيل هذا الجسم حبة زبيب، واستعنا بحواسنا الخمس لنعيد استكشافها وكأننا لا نعرفها، فتعرفنا مجدداً إلى حجمها ولونها وقوامها، ولاحظنا مدى شفافيتها وكيف تتحرك في راحة اليد، وكانت هذه المرة الأولى التي يولي فيها كثير منا هذا القدر من الاهتمام للطعام،

ثم ركزنا على تقييم شعورنا بالرغبة في تناول حبة الزبيب حين ننظر إليها ونلمسها ونشم رائحتها.

المرحلة الأخيرة

أخذ المشاركون وقتاً ليتشاركوا مشاعرهم عقب انتهاء هذه التجربة الممتعة، وقد لوحظ عموماً أن انجذابهم إلى الأطعمة خلال التمرين اختلف باختلاف الحواس التي أيقظتها، فمثلاً أثار شم رائحة حبات الزبيب شهيتهم أكثر من النظر إليها لأن حاسة الشم تستحضر نكهات معينة ومن ثم فهي أقوى من حاسة البصر في هذا الخصوص؛ ما يزيد الجوع ويجعل مقاومته أصعب.

والأكثر غرابة هو أن تثير حاسة السمع شهيتنا إلى الطعام؛ لكن هذا ما حدث مع أحد المشاركين في الجلسة إذ ارتفعت درجة الجوع لديه إلى 8/10 حين تخيل سماع فرقعة حبات الفشار. وتوضح جيرالدين ديساند الدور العاطفي لحاسة السمع فيما يخص الطعام فتقول: “سماع صوت مضغ حبات الفشار في السينما يثير شهيتنا؛ كما أن عدم سماع أصوات المضغ وأدوات المائدة على الطائرة مثلاً قد يصيبنا بالاضطراب بسبب نقص شيء ما”.

يتطلب التمتع بالعافية النفسية أن نُشبع جوعنا من الناحية الفكرية والروحية والجسدية، وقد يصعب التوفيق بين هذه النواحي عندما نشعر بالشبع جسدياً مثلاً، في حين أننا لم نشعر بالشبع من الناحية الروحية لأن عقلنا يرفض أن نحرم أنفسنا من طعام يرتبط بذكرى مريحة لنا ونرغب في تناوله بشدة.

تزداد أهمية التمييز بين العقل والجسد في مجتمعنا، وتتيح ممارسة الأكل الواعي للمرء تحديد دوافعه ورغباته العاطفية دون أن ينتقدها أو يحاول تقييمها، لأن الغاية الرئيسية من الأكل الواعي ليست أن يتمكن من إنقاص وزنه مثلاً بل أن ينمي حالة من التسامح الحقيقي مع النفس تدريجياً ويدرك العادات التي تقيده ثم يحرر نفسه منها ويعيد تحديد مفهوم الشبع.

إذا استخدمنا ما تعلّمناه في هذه الجلسة نهجاً في حياتنا، فسنحتاج إلى 21 يوماً في المتوسط لنتمكن من تغيير إحدى عادات الأكل اليومية لدينا، وشيئاً فشيئاً تغدو هذه الممارسة بديهية وممتعة.

error: المحتوى محمي !!