ملخص: هناك خط فاصل بين الواقع والخيال يجعلنا نتعاطى مع مجريات حياتنا اليومية ونتفاعل معها بفعالية؛ لكن أحياناً لا يميز البعض هذا الفاصل ليجدوا أنفسهم يعيشون حياة أقرب إلى الأحلام، وهذا ما يُسمى باضطراب الآنية الذي يُصنف بأنه من الاضطرابات الانشقاقية. ويختلف هذا الاضطراب كلياً عن الذُّهان، وأسبابه متعددة لكن أهمها التعرض للصدمات أو الضغوط، ويظهر من خلال نوعين من الأعراض؛ أولها تبدد الشخصية وثانيها الاغتراب عن الواقع. ويمكن علاج اضطراب الآنية باتباع مسارات متعددة مثل العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي، وكذلك الالتزام ببعض الإرشادات الذاتية.
قد يراودنا أحياناً شعور بأننا نتبعد عن الواقع ونعيش في الخيال لكنه غالباً يكون شعوراً مؤقتاً يزول سريعاً؛ إلا أنه يلازم المصاب باضطراب الآنية ليتعامل مع نفسه باعتباره شخصاً غير حقيقي، فرغم اختلاطه بالآخرين في حياته اليومية إلا أنه يظل حبيس صندوق زجاجي يجعله أقرب إلى من يعيش في فيلم أو حلم، وتصبح حاله أقرب إلى انفصال الروح عن الجسد!
واضطراب الآنية مثله كمثل بقية الاضطرابات النفسية؛ له أسبابه وأعراضه وطرائق علاجه التي سنتعرف إليها في مقالنا.
ما هو اضطراب الآنية؟
يصنف المختص النفسي السعودي شادي مكي اضطراب الآنية بأنه من الاضطرابات الانشقاقية، ويُطلق عليه أحياناً تسمية "اختلال الآنية" أو "شعور الحلم"، وغالباً يكون مصاحباً لاضطراب القلق أو في أحيان أخرى ينشأ بعد تعرض الشخص للصدمات سواءً في مرحلة الطفولة أو في مرحلة متقدمة من حياته، ويشعر الشخص فيه بانفصاله عن الواقع وكأنه يشاهد نفسه من الخارج.
وتختلف حدة اضطراب الآنية من شخص إلى آخر، فيزور البعض لفترة قصيرة ليشعر بانفصاله عن الواقع لبرهة، بينما يلازم أشخاصاً آخرين معظم الوقت تاركاً أثره الجسيم في صحتهم النفسية، فيُفقدهم قدرتهم على الإحساس بالزمن والمحيط الخارجي ليرَوا كل شيء من حولهم بصورة ضبابية أقرب إلى الحلم.
والفرق بين اضطراب الآنية والذهان أن الأخير مرض عقلي يُفقد المريض قدرته على الإدراك، بينما يكون المصاب باضطراب الآنية مدركاً وواعياً بما حوله لكنّ شدة قلقه تنعكس على شعوره بتبدد الشخصية والأفكار والمشاعر.
ما أسباب اضطراب الآنية؟
يشير الطبيب النفسي السعودي سلطان السبيعي إلى أن السبب الدقيق للإصابة باضطراب الآنية غير مفهوم حتى اليوم؛ لكنّ هناك أشخاصاً أكثر عرضةً من غيرهم للإصابة به مثل المصابين بحالات التوتر والخوف الشديدة.
وأحياناً يكون السبب هو التعرض لصدمة في مرحلة الطفولة أو لتجارب وأحداث سبّبت للشخص ضغطاً نفسياً شديداً مثل الإهمال أو الإيذاء الجسدي أو العاطفي، إلى جانب التعرض لضغوط مالية أو مهنية.
كما ترتفع احتمالية الإصابة باضطراب الآنية عند مرضى الصرع والأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو القلق أو نوبات الهلع أو الصداع النصفي، وهو يرتبط كذلك بتعاطي بعض أنواع المخدرات مثل الماريجوانا.
اقرأ أيضاً: عندما يختلط الخيال بالواقع: كل ما تود معرفته عن التفكير الوهمي
ما أعراض اضطراب الآنية؟
تنقسم أعراض اضطراب الآنية وفقاً لموقع مايو كلينك الطبي (Mayo Clinic) إلى أعراض تبدد الشخصية وأعراض الاغتراب عن الواقع، وتشمل الأولى:
- شعور الشخص بأنه مجرد مُراقب خارجي لأفكاره ومشاعره وجسمه.
- شعور الشخص بأنه إنسان آلي فقد القدرة على التحكم في كلامه وحركاته.
- شعور الشخص بتغيُّر أحجام الأشياء عما هي عليه في الواقع؛ مثل رؤية يده وكأنها أكبر مما هي عليه.
- التخدر العاطفي أو البدني.
- الانفصال العاطفي عن الذكريات والتشكيك في أنها ذكرياته من الأساس.
أما أعراض الاغتراب عن الواقع فتتمثل في:
- الشعور بالاغتراب عن البيئة المحيطة وعدم التآلف معها، فيشعر الشخص وكأنه في فيلم أو حلم.
- الانفصال العاطفي عن الأشخاص الموجودين في المحيط وكأن بينه وبينهم حاجزاً زجاجياً.
- عدم وضوح البيئة المحيطة ومعالمها من ألوان وتفاصيل.
- عدم إدراك الزمن، فيشعر الشخص أن الأحداث التي وقعت له مؤخراً مر عليها زمن طويل.
كيف يمكن علاج اضطراب الآنية؟
تبدأ رحلة علاج المصاب باضطراب الآنية بالتشخيص الصحيح؛ والذي بحسب الطبيبة النفسية جينيفير كاساريلا (Jennifer Casarella) يراجع فيه الطبيب التاريخ الطبي للمريض ويفحصه جسدياً بمختلف الأساليب لاستبعاد الإصابة بأي مرض جسدي، أو وجود آثار جانبية لبعض الأدوية التي قد تسبب هذه الأعراض، وفي حال التأكد من الإصابة باضطراب الآنية يتم توجيهه إلى الطبيب أو المختص النفسي الذي يصمم له خطة علاج بناءً على حالته.
ويقسم الطبيب النفسي السعودي طارق الحبيب علاج الآنية إلى مسارين. المسار الأول هو العلاج الدوائي الذي يلجأ إليه المعالج في حال كانت الأعراض قوية، لأن تأثير الاضطراب في حياته حينها يكون بالغاً، ويلفت الحبيب الانتباه إلى أن المعالجين النفسيين لا يرون أهمية للاستمرار في علاج اضطراب الآنية بالأدوية عند توقف أعراضه أو عدم ظهورها بشكل مقلق، بالأخص مع أن الكثيرين يختبرون درجة من الانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية في مرحلة ما من حياتهم؛ لكن من النادر أن يتطور هذا الشعور إلى اضطراب في الشخصية.
أما المسار الثاني فيكون من خلال العلاج المعرفي السلوكي الذي يتحقق باتباع عدة أساليب؛ ومن ضمنها مهارات صرف الانتباه والتجاهل، ومحاولة جعل الشخص يتعايش مع أعراض الاضطراب ويتكيف معها بحيث لا تعيق حياته، وبذلك يقل التوتر والقلق اللذان يسهمان بشكل بالغ في الإصابة باضطراب الآنية.
ويوجد العديد من الإرشادات الذاتية وفقاً للطبيبة النفسية راشمي بارمار (Rashmi Parmar) التي تساعد المصاب على التخفيف من أعراض اضطراب الآنية؛ مثل ممارسة تمارين الاسترخاء واليقظة، وكذلك الحفاظ على روتين يومي منظم مع الحرص على تناول الغذاء الصحي والنوم لعدد ساعات كافٍ وممارسة الرياضة.
اقرأ أيضاً: أحلام اليقظة ممارسة ذهنية إيجابية وإليك الأسباب
على الرغم من أن أعراض اضطراب الآنية مزعجة ومربكة، وبخاصة إذا استمرت لفترة طويلة؛ لكن تفهّمها والبدء في علاجها يسهم بشكل بالغ في الحد منها ومن ثم توقفها، لذا إن كنت تعاني منها فلا تتردد أن تذهب إلى الطبيب النفسي في أقرب وقت حتى تغير حياتك إلى الأفضل.