كيف ينبع وصم المرض النفسي من الجهل به؟

4 دقائق
وصم المرض النفسي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ما يزال الجهل بسمات المرض النفسي يحول دون انتشار الوعي به ويسهم في استمرار حالة الوصم المجتمعي والشخصي والمؤسسي له، لتتضاعف معاناة الأفراد المصابين بسبب العبء الملقى على عاتقهم في تحمل أعراض المرض دون اللجوء إلى مساعدة متخصصة والحصول على العلاج المناسب. نتناول في هذا المقال تأثير وصم المرض النفسي في المريض في المريض ونقدم نصائح للتغلب على ذلك، بالإضافة إلى التذكير بأهمية نشر الوعي على مستوىً شخصي ومجتمعي ومؤسسي.
عالمياً، أكثر من 70% من المصابين بمرض نفسي لا يتلقون أي علاج نتيجة عدد من العوامل؛ منها الجهل بسمات الأمراض النفسية ونقص المعرفة حول كيفية الوصول إلى العلاج، بالإضافة إلى التمييز والانحياز ضد الأشخاص المصابين بمرض نفسي وفقاً لدراسة من معهد كينغز كوليدج لندن للطب النفسي (King’s College London Institute of Psychiatry).

تظهر هذه العوامل كلها مستقلة عن المرض النفسي في حد ذاته؛ أي أن جميعها عوامل خارجية لا تخص المرض أو الاضطراب النفسي بل اعتقادات المريض والآخرين من حوله عنه.

كيف تطوَّر الجهل حول الأمراض النفسية؟

وفقاً لمقال الباحثة في مجال علم النفس وعلم الأعصاب الإدراكي والسريري، سارة مور (Sarah Moore) فقد تطوَّر الوصم حول المرض النفسي نتيجة الجهل وافتقار المعرفة والوعي اللازمين خلال الخمسينيات من القرن الماضي؛ ما أدى إلى خوف ووصمة عار شديدة مرتبطَين بذلك الأمر.

ومثّلت هذه الفترة وقتاً عصيباً للصحة النفسية؛ حيث تم احتجاز العديد من الأشخاص الذين عانوا من مشكلات الصحة النفسية في المصحات وتعرضوا لعلاجات قاسية وغير مجدية، وكذلك تم نعتهم بالمجانين والمعيبين. كما أثار انتشار فكرة عدم وجود علاج للأمراض النفسية مزيداً من الخوف، وحال دون سعي العديد من المرضى إلى الحصول على المساعدة النفسية وبالتالي استمرار المعاناة.

أسباب الوصم المجتمعي للمرضى النفسيين وأشكاله

بحسب الرابطة الأميركية للطب النفسي، فالتمييز ووصمة العار المرتبطان بالمرض النفسي يأتيان غالباً من عدم الفهم أو الخوف الذي تؤججه التمثيلات الإعلامية غير الدقيقة أو المضللة للأمراض النفسية. وفي حين يتقبل الجمهور الطبيعة الطبية أو الجينية لاضطراب الصحة النفسية والحاجة إلى العلاج، ما تزال لدى العديد من الأشخاص نظرة سلبية عن المصابين به.

وتشمل أنواع الوصم المرتبط بالمرض النفسي:

  • وصمة العار العامة: تشمل المواقف السلبية أو التمييزية التي يتبناها الآخرون بشأن المرض النفسي.
  • وصمة العار الشخصية: تشير إلى شعور المريض بالخزي الداخلي بسبب حالته.
  • وصمة العار المؤسسية: تشمل سياسات المنظمات التي تحد عن قصد أو دون قصد من فرص عمل الأشخاص المصابين بمرض نفسي واندماجهم في المجتمع.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى المعوقات التي قد تمنعك من الذهاب إلى الطبيب النفسي

ما تأثير وصم المرض النفسي في المريض؟

يشير الخبراء من مايو كلينيك إلى أن سلوكيات التمييز التي يتعرّض لها المصابون بالأمراض النفسية هي أمر شائع، سواء كانت مباشرة مثل إبداء شخص ما ملاحظة سلبية حول المرض أو غير مباشرة مثل التجنب للاعتقاد أن الشخص المصاب غير متزن أو عنيف أو يمثل تهديداً، وتؤثر سلباً في حالة المريض وكذلك سعيه إلى طلب العلاج.

وتشمل بعض الآثار الضارة للوصم ما يلي:

  • الإحجام عن طلب المساعدة أو العلاج.
  • عدم فهم العائلة أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو غيرهم لطبيعة المرض النفسي.
  • قلة فرص العمل أو القدرة على ممارسة الأنشطة الاجتماعية أو صعوبة العثور على سكن.
  • التنمر أو العنف الجسدي أو التحرش.
  • عدم القدرة على الحصول على تأمين صحي يشمل علاج المرض النفسي.

كيف يمكن التغلب على وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي؟

بحثت دراسة من جامعة لوند السويدية (Lund University) في العلاقة بين محو أمية المرض النفسي والتمييز ووصمة العار المجتمعية تجاه الأشخاص المصابين بالاكتئاب أو الذهان، وأظهرت النتائج ارتباط زيادة الوعي حول الصحة النفسية بمواقف أكثر إيجابية ورغبة أقل في التمييز والوصم تجاه المصابين بالاكتئاب أكثر منها تجاه المصابين بالذهان.

وكذلك كشفت نتائج دراسة من جامعة ملبورن الأسترالية أن التثقيف الجيد في مجال الصحة النفسية لدى الشباب يؤدي إلى نتائج أفضل للأفراد الذين يعانون من الاضطرابات النفسية؛ إما عن طريق تسهيل طلب المساعدة المبكرة من قِبلهم أو من خلال مساعدة البالغين لهم على تحديد العلامات المبكرة للاضطرابات النفسية وطلب المساعدة في علاجهم.

وهناك ثلاث فئات من التدخلات تساعد على محو الجهل بالمرض النفسي:

  • الحملات المجتمعية التي تشارك فيها الأسر.
  • التدخلات المدرسية التي تعلّم مهارات طلب المساعدة أو محو الأمية في مجال الصحة النفسية.
  • برامج تدريب الأفراد على التدخل بشكل أفضل في أزمات الصحة النفسية باستخدام نماذج محددة لتعزيز الصحة.

كما أكد باحثون من البرنامج الوطني للصحة النفسية بلبنان أهميةَ مكافحة وصمة العار الهيكلية للمرض النفسي من خلال الإصلاح القانوني وضرورة تقليل وصمة العار الشخصية عن طريق بناء التعاطف العام، بالإضافة إلى إلزام إدارة الرعاية الصحية الأولية بتقديم خدمات متكاملة للصحة النفسية عالية الجودة.

خطوات فردية للتغلب على وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي

بالإضافة إلى الخطوات السابقة التي يمكن تطبيقها على نطاق واسع لتشمل الأفراد والمؤسسات والمجتمعات، يقدم الخبراء من مايو كلينيك بعض النصائح للأفراد المصابين باضطراب أو مرض نفسي تساعدهم على تخفيف عبء المرض وما يحيط به من معلومات مغلوطة كما يلي:

  1. احصل على العلاج: لا تدع الخوف يجعلك تتردد أو يمنعك من طلب المساعدة إذا شعرت أن صحتك النفسية ليست بخير؛ إذ يمكن أن يوفر العلاج الراحة من خلال تحديد المشكلة التي تعاني منها وتقليل الأعراض التي تتداخل مع عملك وحياتك الشخصية.
  2. حاول التغلب على وصمة العار والشك الذاتي: وصمة العار لا تأتي فقط من الآخرين؛ قد تعتقد خطأً أن حالتك هي علامة على الضعف الشخصي أو يجب أن تكون أكثر قوة وقدرة للسيطرة عليها دون مساعدة. يمكن أن يساعدك طلب المشورة وتثقيف نفسك حول حالتك والتواصل مع الآخرين على اكتساب احترام الذات والتغلب على الحكم الذاتي المدمّر.
  3. لا تنعزل: إذا كنت تعاني من مرض نفسي فقد تكون متردداً في إخبار أي شخص عنه؛ إلا أن مشاركة ما تشعر به مع الأفراد المقربين من عائلتك أو أصدقائك والتواصل معهم تمكّنك من الحصول على التعاطف والدعم والتفهم الذين تحتاجهم.
  4. لا تدع المرض النفسي يعرّفك: أنت لست المرض أو الحالة التي تعاني منها، لذا بدلاً من قول "أنا ثنائي القطب" قل "لديّ اضطراب ثنائي القطب".
  5. انضم إلى مجموعة دعم: تقدم مجموعات الدعم برامج تساعد على تقليل وصمة العار من خلال تثقيف الأشخاص المصابين بمرض نفسي وعائلاتهم عن الصحة النفسية واضطراباتها.
  6. وأخيراً، تحدّث ضد وصمة العار: ضع في اعتبارك التعبير عن آرائك حول أهمية محاربة الوصم والتمييز ضد المرض النفسي في المناسبات والسياقات المختلفة؛ يمكن أن يساعد ذلك على غرس الشجاعة في الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة وكذلك تثقيف الجمهور حول الأمراض النفسية.

المحتوى محمي