كيف يُستخدم العلاج المعرفي السلوكي لعلاج الإدمان على المخدرات؟

3 دقيقة
علاج الإدمان على المخدرات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

يتعاطى رجلٌ في مقتبل العمر المخدرات كنوعٍ من "التخدير النفسي" لجرحٍ قديم ما يزال ينضح بالألم، وتسبّب ذلك عن غير وعي منه بمزيد من الألم المتمثّل في الشعور بالوحدة والقلق وتدنّي احترام الذات والاكتئاب. يستخدم العلاج المعرفي السلوكي من أجل علاج الإدمان على المخدرات تقنية التعرّض المتكرّر التي يمكن أن تساعد هذا الشخص على تذكّر تفاصيل ومشاعر ذكرى مؤلمة تعود إلى طفولته. ومع توالي الجلسات، تسبّب الذكرى ألماً أقّل حدّة من السابق؛ ما يقلّل من الحاجة إلى التداوي الذاتي بالمخدرات.
ويركّز هذا النوع من العلاجات على تحديد الأفكار والسلوكيات غير المفيدة وتحدّيها من خلال تقنيات علاجية محدّدة. يمكن استخدامه لمساعدة الأفراد على التعرّف إلى المحفزّات التي تؤدّي إلى تعاطي المخدرات، وكذلك تطوير مهارات التأقلم الصحيّة لإدارة الرغبة الشديدة والإلحاح. كذلك، فإنه يشجّع على التفكير الذاتي وإنشاء أهداف حياة أكثر إيجابيةً وتطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع التوتر والضغط.

ما هو العلاج المعرفي السلوكي؟

العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy) هو نوع من العلاجات النفسية طوّره في الستينيات الطبيب النفسي والأستاذ الجامعي السابق لقسم الطب النفسي في جامعة بنسلفانيا، آرون بيك (Aaron Beck)؛ الذي يُعتبر أب العلاج المعرفي السلوكي نظراً لإسهاماته في مجال الصحة النفسية والتأثير الملموس الذي تركه في حياة الكثير من المرضى.

تم تطوير أساليب العلاج المعرفي السلوكي على أساس كلٍّ من البحث والممارسة السريرية؛ حيث أثبت فعاليته في علاج مجموعة من الحالات النفسية بما في ذلك الاكتئاب واضطرابات القلق و تعاطي الكحول والمخدرات والمشكلات الزوجية واضطرابات الأكل والأمراض النفسية الشديدة.

ويستند العلاج المعرفي السلوكي على ثلاثة مبادئ أساسية هي:

  • تتسبّب أنماط التفكير الخاطئة أو غير المفيدة في جزء من المشكلات النفسية.
  • تتسبّب الأنماط المكتسَبة للسلوك غير المفيد في جزء من المشكلات النفسية.
  • يمكن للأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية أن يتعلموا طرائقَ أفضل للتعامل معها، ومن ثم تخفيف أعراضها حتى يصبحوا أكثر فعاليةً في حياتهم.

انطلاقاً من هذه المبادئ، نجد أن العلاج المعرفي السلوكي يركّز على مساعدة الأفراد على تعلّم أن يكونوا معالجين لأنفسهم، وتطوير مهارات التأقلم، وتغيير تفكيرهم ومشاعرهم وسلوكهم غير المفيد.

اقرأ أيضاً: تعرف على الجلسات العلاجية المعرفية والسلوكية

كيف يعمل العلاج المعرفي السلوكي لعلاج الإدمان على المخدرات؟

يمكن أن تتسبّب التجارب السابقة والعوامل المرتبطة بالبيئة المحيطة في تطوير العديد من العواطف والسلوكيات المؤذية. كما يمكن أن تكون الأفكار السلبية التلقائية سبباً للاكتئاب واضطرابات القلق التي تصاحب الإدمان، وفقاً للمعلومات الصادرة عن مركز الإدمان الأميركي (Addiction Center). لذلك يمكن أن يساعد العلاج المعرفي السلوكي الشخص المدمن على فهم سبب شعوره أو تصرفه بطريقة معيّنة، وكيف يؤدّي ذلك إلى تعاطيه للمخدرات؛ حيث يصبح مع توالي الجلسات العلاجية أكثر استعداداً للتغلب على إدمانه.

ويوضّح الخبراء من مركز الإدمان إنّ هناك ثلاث طرائق يساعد من خلالها العلاج المعرفي السلوكي لعلاج الإدمان على المخدرات المرضى على التعامل مع المحفزات ومن ثَمَّ التغلّب على الإدمان؛ وهي كالتالي:

  • المساعدة على نبذ المعتقدات الخاطئة وعدم الشعور بالأمان الذي يؤدّي إلى تعاطي المخدرات.
  • توفير أدوات المساعدة الذاتية لتحسين الحالة المزاجية للشخص المدمن.
  • تعليم المريض مهارات التواصل الفعّال.

4 تقنيات في العلاج المعرفي السلوكي لعلاج الإدمان على المخدرات

يعدّ العلاج المعرفي السلوكي لعلاج الإدمان على المخدرات بديلاً عملياً لطرائق علاجية أخرى، فمن خلال برامج إعادة التأهيل التي تتراوح بين 60 - 90 يوماً أو ما يقرب من 16 جلسة علاجية؛ يتمكّن الأشخاص من تعلّم تقنيات التأقلم الفورية الضرورية لمعالجة المشاعر والأفكار التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات وتخفيف حدّتها. ويستخدم المعالجون في تلك البرامج تقنيات محدّدة تشمل الآتي:

  1. سجلاّت الأفكار: يُقصد بذلك تفحّص الأفكار السلبية التلقائية، والبحث عن أدلة موضوعية تدعمها، ودحضها عن طريق سرد الأدلة المؤيّدة والمعارضة للأفكار، ومقارنتها للتعرّف إلى الاختلاف بينها. يمكن للشخص مثلاً أن يفكّر في تعاطي مخدّر أو شرب الكحول بسبب شعوره بعدم الفائدة في مكان العمل، وهو شعور طوّره بناءً على سوء التقدير من مديره. يمكن أن يغيّر هذا الشخص فكرته من: "يعتقد مديري أنني عديم الفائدة، أحتاج إلى الشرب لأشعر بتحسن" إلى فكرة أفضل شبيهة بـ: "من الطبيعي أن أرتكب الأخطاء لكن يمكنني التعلّم منها، وسيقدّر مديري أنني أتعلّم من أخطائي وأتجاوب مع توجيهاته، لذلك لست بحاجة إلى الكحول لأشعر بتحسّن حيال نفسي".
  2. التجارب السلوكية: هي عبارة عن تمارين تقارن الأفكار السلبية بالأفكار الإيجابية بهدف معرفة أيهما أكثر فعالية في تغيير السلوك؛ إذ يمكن أن يستجيب بعض الأشخاص بشكل أفضل مع مفهوم التلطّف مع الذات، بينما يستجيب البعض الآخر مع النقد الذاتي.
  3. التعرّض المعتمد على الصور: تمكّن إعادة النظر في الذكريات المؤلمة بشكل متكرّر، الشخصَ المدمن من تخفيف القلق والمشاعر السلبية القوية التي تراكمت حول ذكرى ما مع مرور الوقت.
  4. جدولة الأنشطة الممتعة: تتمثّل هذه التقنية في جدولة قائمة أسبوعية بالأنشطة الصحيّة والممتعة التي يمكن القيام بها بشكل بسيط وسهل، فهي تحفّز المشاعر الإيجابية و تقلّل الأفكار التلقائية السلبية والحاجة لاستخدام المخدرات.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل الشخص يقع في فخ الإدمان؟

يقدّم العلاج المعرفي السلوكي لعلاج الإدمان على المخدرات فرصة العلاج غير الدوائي للأشخاص الذين يعانون من مشكلات الإدمان؛ حيث يُنتج من التعاون بين المعالج والمريض في أثناء الجلسات العلاجية نجاحاً في تخطّي إدمانه، بعد أن يكون قد تمكّن من الانخراط الذاتي والفعلي في تغيير أنماط أفكاره السلبية وتجاوز مشاعره المحبطة التي تكون عادة سبباً مسهماً في سلوك الإدمان.

المحتوى محمي