عندما تصل الحياة الزوجية إلى طريق مسدودة حيث تطغى عليها النزاعات والحوارات العقيمة فإنه من الحكمة أن يلجأ الزوجان إلى معالج زوجي أو وسيط أسري تبعاً للحال، فحتى لو اتخذا قراراً نهائياً بالانفصال سيساعدهما ذلك على تجنب النزاعات التي ترافق هذا القرار ومن ثم تخفيف الأضرار الناجمة عنه. فما الفرق بين العلاج الزوجي والوساطة الأسرية؟
يعاني الكثير من الأزواج أزمات مزمنة تحوّل حياتهم مع الوقت إلى سلسلة من الجدالات العقيمة، وقد يُعرِضون عن طلب المساعدة في هذا الشأن سواء بدافع الكبرياء أو عدم الاعتراف بوجود مشكلة أو لأن فكرة الاستعانة بطرف ثالث لم تخطر ببالهم في الأساس. ومع ذلك يمكن أن يساعد اللجوء إلى طرف محايد أو مختص في العلاج الزوجي أو الوساطة الأسرية الزوجين مهما كان قرارهما، ويشهد على ذلك معظم الأزواج الذين سلكوا أحد هذه السبل؛ إذ كان تدخّل طرف ثالث محايد فعالاً إلى درجة أنهم لم يعودوا ينظرون إلى الانفصال كتجربة سلبية بل كفرصة لبداية جديدة في الحياة.
العلاج الزوجي
الهدف: إعادة تقييم العلاقة الزوجية التي وصلت إلى طريق مسدودة.
يؤكد مختص التحليل النفسي والعلاج الزوجي برنارد بريير (Bernard Prieur) أن الأزواج يأتون لاستشارته لأسباب متنوعة، فقد يكون ذلك بسبب رغبة الطرفين في العمل على إصلاح العلاقة، أو رغبة أحدهما في تقبّل انفصال الآخر عنه على نحو أفضل، أو بغية التوصل إلى صيغة تفاهم مشترك عندما يتفقان على الانفصال لإدارة هذا القرار بأفضل طريقة ممكنة، والقاسم المشترك بين هذه الحالات جميعها هو الرغبة في المضي قدماً دون عنف أو مآسٍ. يقول مختص الطب والتحليل النفسي والعلاج الزوجي سيرج هيفيز (Serge Hefez): "في أغلب الأحيان يكون الزوجان عالقَين في حلقة مفرغة من تبادل اللوم؛ إنها جدلية الضحية والجلاد التي يحمّل فيها كل طرف المسؤولية للآخر عن المآسي التي أصابته".
يبدأ العلاج الزوجي بالتحاور مع كل زوج في حضور الآخر؛ ما يتيح لهما التعبير عن مشاعرهما ورغباتهما وآلامهما فتضح الرؤية لديهما بعد أن غشاها ضباب الخلافات والمشاحنات ويدرك كل طرف مجدداً جوانب شخصية الآخر التي كان قد نسيها. ويتابع سيرج هيفيز: "لذلك تأثير مباشر يتجلى في تخفيف التوتر والعدائية بين الطرفين والسماح بإعادة التواصل بينهما، ومن خلال الحوار يعودان تدريجياً إلى بداية العلاقة ويستعرضان توقعاتهما من بعضهما بعضاً حينئذ أي ما حمل كل منهما على الارتباط بالآخر ومقدار ما تحقق من ذلك، سواء في حياتهما كزوجين أو كأبوين (إذا كان لديهما أطفال)". إذاً يتمحور العلاج الزوجي حول فهم انطباعات الطرفين عن العلاقة إضافةً إلى الدوافع اللاواعية التي حملتهما على الارتباط ببعضهما.
على سبيل المثال قد تختار المرأة التي تتمتع بمشاعر أمومة قوية رجلاً بحاجة إلى رعاية أمومية؛ لكن عندما تمر بمحنة ما كوفاة والدها مثلاً وتحتاج إلى وقوف زوجها بجانبها فإنها قد لا تجد منه التعاطف والمواساة المتوقَّعَين، وهنا تحدث الأزمة لأن ذلك سيتسبب بصراع داخلي لديها يسهم في إثارة النزاعات في حياتها الزوجية ككل.
مدة العلاج الزوجي وتكلفته
يتطلب العلاج الزوجي 10 جلسات في المتوسط وتتفاوت تكلفته تفاوتاً كبيراً من معالج إلى آخر إذ تتراوح تكلفة الجلسة التي مدتها من ساعة إلى ساعة ونصف بين 40 - 130 يورو، ويمكن أن يغطي التأمين الاجتماعي هذه التكلفة جزئياً إذا كان المعالج طبيباً نفسياً.
الوساطة الأسرية
الهدف: تسهيل الانفصال عندما يكون ذلك قرار الزوجين نهائياً.
توصل الزوجان إلى قرار نهائي بالانفصال لكن قد تثور خلافات بينهما حول أمور تخص ما بعد هذه المرحلة مثل مصاريف الأطفال أو المدة التي يقضيها هؤلاء في زيارة الوالد غير الحاضن وغيرها. تُعنى الوساطة الأسرية بالنزاعات التي تنشب بين أفراد العائلة جميعهم لكنها تتيح للزوجين المنفصلين على وجه الخصوص تجنب النزاعات اللامتناهية التي ترافق الانفصال والإبقاء على حالة من التواصل بينهما.
وتقول الوسيطة الأسرية المتطوعة، فرانسواز أمبلار (Françoise Amblard): "يختلف دورنا عن دور المعالج الأسري فنحن لسنا مقدمي رعاية، ولذلك عندما أواجه شخصاً يعاني اكتئاباً شديداً بسبب الانفصال أقترح عليه استشارة معالج نفسي قبل العودة لرؤيتي".
من جهة ثانية، لا يتمحور دور الوساطة الأسرية حول تقديم الاستشارات للأزواج، وتقول الوسيطة الأسرية في شبكة مدرسة الآباء والمعلمين (l’Ecole des parents et des éducateurs)، إيزابيل باسكوييه (Isabelle Pasquier): "عندما يسألني الزوجان اللذان قررا الانفصال إذا كان من الأفضل لطفلهما البالغ عامين العيش مع كليهما فإنني أوضح لهما أن تحديد ذلك يرجع إليهما فقط، فمهمتي ليست أن أقول لهما ما عليهما فعله بل مساعدتهما على إيجاد الحل الذي يبدو مناسباً لهما". إذاً الهدف من الوساطة الأسرية مساعدة الوالدين على اتخاذ القرارات الأمثل لهما ولأطفالهما، فهي نوع من الدعم يساعد الأزواج الذين اضطربت مشاعرهم بسبب الانفصال على استعادة توازنهم وقدرتهم على التفكير ومن ثم الاستجابة على نحو سليم لهذا الموقف.
في حالة الانفصال وتجنباً للنزعات التي قد تنشأ عنه، يمكن أن يأمر القاضي بالاحتكام إلى الوساطة الأسرية، وتوضح فرانسواز أمبلار إن الهدف من جلسات الوساطة في هذه الحالة هو التوصل إلى مذكرة تفاهم بين الطرفين يوقع عليها كلاهما وتُقدَّم بعد ذلك إلى القاضي، ولذلك فإن تطبيق هذا الإجراء يرجع إلى السلطة التقديرية للمحكمة.
مدة الوساطة الأسرية وتكلفتها
تتطلب الوساطة الأسرية من 5 إلى 6 جلسات يناقش خلالها الزوجان مع الوسيط الأسري غالباً المشكلات التي تتعلق بالأمور المالية ورعاية الأطفال. أما التكلفة فتُحدَّد وفقاً لدخل الزوجين، ففي بعض الحالات تكون الجلسات مجانية تماماً في حين تصل تكلفة الجلسة في الحالات الأخرى إلى 50 يورو كحد أقصى.
عندما يكون الانفصال الخيار الأفضل
بعد زواج دام 15 عاماً، وصلت الحياة الزوجية بين جاد ذو الـ 45 عاماً وزوجته سارة ذات الـ 38 عاماً إلى طريق مسدودة إذ أصبحت النزاعات تنهش حياتهما يومياً، ونتيجة لذلك فقد أصبح انفصالهما وشيكاً لكنهما رغبا في استشارة معالج زوجي قبل اتخاذ هذا الإجراء وبالفعل هذا ما حصل. خلال هذه الفترة انفصل الزوجان مؤقتاً ليأخذ كل منهما وقتاً كافياً للتفكير في العلاقة وكانا لا يتقابلان إلا في عيادة المعالج، وبعد عدة أشهر قررا الانفصال نهائياً فتم ذلك لكنهما حافظا على الود والاحترام فيما بينهما. وعلى الرغم من انفصالهما فإن قصة جاد وسارة تعد مثالاً على العلاج الزوجي الناجح؛ إذ إنه سمح لهما بتخطي هذه المرحلة بهدوء ودون أن يحمل أحدهما ضغينةً تجاه الآخر.