اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات: الهرمونات ليست المُتّهم الوحيد

4 دقيقة
اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

يمكن أن يحدث الاكتئاب في أي مرحلة عمرية لدى أيّ من الجنسين. لكن احتمالية إصابة النساء بالاكتئاب تزيد بمقدار الضعف تقريباً مقارنة بالرجال. يؤثّر اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات في العديد من النساء في الأربعينيات والخمسينيات من عمرهن، نتيجة التغيرات الهرمونية الطبيعية لمرحلتي ما قبل انقطاع الطمث وسن التجدّد (انقطاع الطمث). يتجلّى ذلك عادةً في مشاعر الحزن والتوتّر والإرهاق التي يمكن أن تتداخل مع حياة المرأة وعلاقاتها الاجتماعية والشخصية.

لكن التغيّرات الهرمونية وحدها لا تسبّب الاكتئاب لدى النساء في منتصف العمر. إذ يشير الباحثون بأصبع الاتهام إلى مجموعة محدّدة من الأحداث الحياتية المجهدة مثل الطلاق وموت الوالدين.

ماذا تعني أزمة منتصف العمر، وما أبرز أعراضها؟

منتصف العمر هو الفترة الانتقالية بين سن الرشد ومراحل عمرية متقدّمة، أي الفترة بين سن 40 و65 سنة. غالباً ما يختبر الأفراد أزمة منتصف العمر (Midlife Crisis) في تلك الفترة، لأنهم يخضعون لتغييرات كبيرة في علاقاتهم ووظائفهم وصحتهم ومظهرهم. لذلك تعتبر فترة صعبة نسبياً لدى كلّ من الرجال والنساء، لأن أدوارهم الأساسية في العلاقات قد تتغيّر. كأن يكبر أبنائهم، فلا يحتاجون إلى نفس النوع من الرعاية الأبوية أو اهتمام أقلّ، أو يتقدّم آباءهم في السن، فيحتاجوا إلى رعاية أكبر.

قد يخاف معظم الأشخاص من بلوغ مرحلة منتصف العمر، لأنها تعتبر الوقت الذي يراجع فيه الأشخاص تجارب فشلهم وخيباتهم في الحياة. ما يزيد من إمكانية اختبار أزمة منتصف العمر هو ارتباطها بالأحداث غير السعيدة مثل الخيانة الزوجية، والمخاوف المالية، والشعور المتزايد بالفناء، وإحساس التعاسة الذي يتولّد بسب الإجهاد اليومي.

تختبر النساء هذه الظاهرة النفسية بشكلٍ أكثر حدّة من الرجال، لأنهن يعايشن تحديّات مختلفة في هذه المرحلة العمرية، مثل انقطاع الطمث، ومتلازمة العش الفارغ (Empty Nest Syndrome)؛ حين يعانين من أعراض الاكتئاب بعد رحيل آخر ابن من المنزل، بسبب مشاعر الحزن والخسارة وفقدان معنى وجودهن.

ويؤكّد الباحثون أن الرضا عن الحياة يمكن أن ينخفض إلى حدّ ما خلال منتصف العمر. ومع ذلك، يوجد اختلاف كبير بين الأفراد، فلا يختبر الجميع أزمة منتصف العمر. بل يعيش العديد من الأشخاص تجارب إيجابية جديدة في العمل أو في مجالات أخرى خلال هذه السنوات من حياتهم.

أعراض اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات

يختبر الرجال أزمة منتصف العمر بشكل مختلف عن النساء، فغالباً ما يشعرون بأنهم "محاصرون" في نمط حياتهم الحالي، بينما تختبرها النساء عادة في الفترات الانتقالية، مثل فترة التغييرات الهرمونية في منتصف العمر، وفقاً لمختصة علم النفس سوزان ألبرز (Susan Albers). فدخول مرحلة سن التجدّد يمكن أن يسبّب أعراضاً مثل التقلبّات في النوم والمزاج والدافع الجنسي، نتيجة انخفاض هرمون الاستروجين والبروجسترون والتغيرات الفيزيولوجية الناتجة عن ذلك.

ويمكن معرفة أن الوضعية النفسية للمرأة في هذه الفترة تتجاوز كونها فترة محبطة عابرة، تعاني منها نتيجة الاضطرابات الهرمونية، إذا ما ظهرت عليها الأعراض التالية:

  • الاكتئاب والقلق.
  • الشعور بالتعاسة.
  • انعدام وجود الحافز أو الرغبة في تخصيص الوقت لأنشطة معينة.
  • عدم الرضا عن المهنة وخيارات الحياة الأخرى.

أما الكاتبة ورئيسة القسم السابقة لجمعية الاستشارة الأميركية كيمبرلي كي (Kimberly Key)، فتضيف إلى الأعراض السابقة الذكر، علامات أخرى تدل على الإصابة باكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات، نلخّصها كما يلي:

  • ارتفاع معدلات الألم والأمراض الجسدية.
  • تطوير آليات التأقلم مثل الإفراط في تناول مسكنات الألم.
  • زيادة استهلاك الطعام.
  • تفاقم أعراض الاكتئاب، والالتهاب والآلام الجسدية المرتبطة بها بسبب الانسحاب الاجتماعي، وقلة النشاط الحركي.
  • الحداد على فقدان القدرة على الإنجاب، والخوف من فقدان الجاذبية الجنسية.

الأسباب والعوامل المشاركة في زيادة احتمالية الإصابة

يصبح اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات أكثر تعقيداً بسبب مرحلة سن التجدّد، خاصة أن ظهور الأعراض النفسية لانقطاع الطمث يحدث قبل ظهور الأعراض الجسدية بفارق زمني يصل حتى خمس سنوات، وفقاً للبروفيسورة في الطب النفسي ومديرة مركز أبحاث الطب النفسي في أستراليا جاياشري كولكارني (Jayashri Kulkarni). لذلك يمكن أن يشار إليه أحياناً باكتئاب ما حول انقطاع الطمث (Perimenopausal depression). والذي تشارك التغيّرات البيولوجية في هرمونات الغدد التناسلية المرتبطة بالانتقال إلى سن التجدّد، وكذلك الضغوط الاجتماعية والنفسية في فترة منتصف العمر في زيادة احتمالية الإصابة به.

بينما أظهرت نتائج دراسة قامت بها الباحثة من كلية التمريض بجامعة سياتل أنيت توماس (Annette Thomas) وزميلاتٍ لها، أن الأحداث الحياتية المجهدة التي يمكن أن تواجهها النساء في منتصف العمر هي أكثر التحدّيات صعوبة مقارنة بصعوبات فترة سن التجدّد.

وشاركت 81 امرأة في هذه الدراسة التابعة لبرنامج سياتل ميدلايف لصحة المرأة (Seattle Midlife Women’s Health) التي دامت 23 سنة، لتحديد التجارب الحياتية التي يمكن وصفها بالأكثر صعوبة في فترة منتصف العمر. وحدّدت النساء المشاركات أكثر الجوانب تحدياً في منتصف العمر في صعوبات تغيير العلاقات الأسرية، وإعادة التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وإعادة اكتشاف الذات، وتأمين الموارد الكافية، والتعامل مع الضغوط المتعددة التي تحدث بشكل متزامن.

لكن التحديّات التي تم الإبلاغ عنها بشكل متكرّر ارتبطت بالضغوط المتعددة التي تحدث بشكل متزامن، والطلاق أو الانفصال عن الشريك والمشاكل الصحيّة وموت الوالدين، بينما ذكرت مجموعة صغيرة من المشاركات سن التجدّد، كواحد من تلك التحديّات الصعبة.

3 أنواع من العلاجات للتعافي من اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات

توضّح جاياشري كولكارني أنه ينبغي على الأطباء ومقدّمي الرعاية الصحية عدم تجاهل أعراض اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات، أو اعتباره بسيطاً أو أن أعراضه يمكن أن تختفي بمجرد استقرار التقلبّات الهرمونية.

لذلك، من الضروري التحقّق من الصحة الجسدية للمرأة التي تعاني من الاكتئاب في مرحلة انقطاع الطمث لاستبعاد الأسباب الأخرى لأعراضها، مثل اضطرابات الغدة الدرقية واضطرابات المناعة الذاتية. وتقترح البروفيسورة كولكارني 3 طرائق رئيسية لتوفير فرص العلاج والتعافي من هذا النوع من الاكتئاب، وهي كالآتي:

العلاجات النفسية الاجتماعية: ينصح بالعلاج النفسي إذا ما ارتبط الاكتئاب بشكل واضح بمشاكل في العمل أو العلاقات، إضافة إلى التثقيف الذاتي حول مرحلة انقطاع الطمث. كما يمكن للتمارين البدنية المنتظمة، وتقنيات اليقظة واليوغا والاستشارة الغذائية أن تساعد في تحسين الصحة النفسية.

العلاج الهرموني: يناسب التدّخل الهرموني علاج الاكتئاب في بدايته. ويمكن وصف التيبولون (Tibolone) والهرمونات المتطابقة بيولوجياً في علاج اكتئاب ما قبل انقطاع الطمث، لكن الجمعية الدولية لانقطاع الطمث لا توصي بهذه الأخيرة، بسبب محدودية سلامتها.

العلاج بمضادات الاكتئاب: غالباً ما يلجأ لاستخدام مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لعلاج أعراض الاكتئاب المرتبط بفترة ما حول انقطاع الطمث أولاً، ثم يمكن استخدام مثبطات استرداد السيروتونين والنورابينفرين (SNRIs) بعد ذلك. لكن يمكن أن يكون لكلا الفئتين تأثيرات جانبية قوية كالأرق والتهيج والقلق، خاصة مضاد اكتئاب مثل الفلوكستين. ويعتبر الأغوميلاتين (Agomelatine) أحدث مضاد للاكتئاب، ذو تأثيرات جانبية أقل ضرراً، وله تأثير مهدئ إيجابي.

عادة ما يتجاهل مقدمو الرعاية الصحية اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات، ما يزيد من صعوبة فترة منتصف العمر عندهن. خاصة أنها مرحلة عمرية تواجه فيها النساء العديد من التحدّيات الشخصية والاجتماعية. إذ يشعرن في الغالب بعدم الأمان والقلق والارتباك والإرهاق النفسي والجسدي. غير أن العلاجات المتاحة للتعامل مع هذا النوع من الاكتئاب توفّر لهن فرصة العودة إلى المسار الصحيح وتحقيق التوازن.

المحتوى محمي