حدثتني صديقتي مراراً عن شعور غامض ينتابها وهو الخوف من المرض. كانت تعزي أي شعور بألم بسيط لإمكانية إصابتها بمرض خطِر ربما سيودي بحياتها على الرغم من عدم معانتها من أمراض جسدية تتطلّب تناول أدوية؛ لكن كانت تلك المخاوف عالقة دائماً بذهنها وتفصح عنها بين حين وآخر.
ازداد الأمر مع تفشّي جائحة كوفيد-19؛ حيث كانت وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي تعج بأخبار الإصابات والوفيات، ليتضح في نهاية الأمر أن ما تمرّ به ليس مجرد عرض عابر بل هو خوف شديد من المرض.
ما هو الخوف من المرض؟
يمكن تعريف الفوبيا (Phobia) أو الرهاب عموماً بأنه خوف شديد ومنهِك من شيء أو مكان أو موقف أو شعور أو حيوان، يتطور عندما يكون لدى الشخص إحساس مبالغ فيه أو غير واقعي بالخطر.
إذا أصبح الرهاب شديداً جداً، فقد يعوق الفرد عن العيش بهدوء ويقيّد حياته ويدفعه إلى وضع حدود لتجنب ذلك الشيء الذي يسبب له القلق؛ ما قد يسبب له الكثير من الضيق.
يعبّر الخوف من المرض (Nosophobia) عن الخوف الشديد أو غير المنطقي من الإصابة بمرض ما. يأتي أصل كلمة (Nosophobia) من (nosos) التي تعني المرض و(phobos) التي تعني الخوف في اللغة اليونانية.
وعلى الرغم من أنه قد يكون من الطبيعي الشعور ببعض القلق عند انتشار مرض خطِر في المجتمع أو محيد الفرد؛ إلا أنه بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من رهاب الخوف من المرض يمكن أن يكون هذا القلق مزمناً ويؤثر في حياتهم اليومية بدرجة كبيرة.
ما أعراض الخوف من المرض؟
يتمثل العَرَض الرئيسي لنوبة الرهاب في الخوف والقلق الشديد من الإصابة بمرض ما. يمكن أن يستمر هذا القلق حتى بعد اللجوء للطبيب وإجراء الفحص اللازم؛ ما قد يدفعه إلى زيارة الطبيب بشكل متكرر لإجراء الفحوصات حتى لو كان التشخيص السابق يخلو من الإصابة بأي مرض.
كذلك؛ إذا كان لدى الفرد تاريخ عائلي من أمراض معينة فقد يبذل قصارى جهده لتجنب عوامل الخطر المحتمَلة جميعها التي قد تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض.
بالإضافة إلى ذلك؛ تشمل أعراض الخوف من المرض:
- الأفكار الدائمة حول الإصابة بمرض أو مشكلة صحية خطِرة.
- القلق بشأن الأعراض الطفيفة في الجسم والانزعاج بسهولة على الحالة الصحية.
- صعوبة العمل بسبب القلق بشأن مرض ما.
- التفكير المستمر والتحدث عن الصحة والمشكلات المحتمَلة.
- عمليات البحث المتكررة على الإنترنت عن أسباب الأمراض المحتمَلة وأعراضها أو متابعة الأخبار بحثاً عن قصص حول تفشّي الأمراض.
في بعض الأحيان يمكن الخلط بين الخوف من المرض (Nosophobia) واضطراب القلق المرضي (hypochondria). وفي حين أن الأول ينطوي على الخوف من الإصابة بمرض معين، فإن اضطراب القلق المرضي ينطوي على مخاوفَ عامة بشأن المرض.
قد يشعر الشخص المصاب باضطراب القلق المرضي بالقلق من أن أعراضاً بسيطةً كالتهاب الحلق أو الصداع، هي علامة على مرض آخرَ خطِر، بينما الشخص الذي يعاني من الخوف من المرض يشعر بالقلق من إمكانية إصابته بالمرض حتى دون وجود أي أعراض.
ما أسباب الخوف من المرض؟
على الرغم من أنه في بعض حالات الفوبيا قد لا يكون هناك سبب واضح؛ إلا أن هناك عدة عوامل قد تسهم في توليد ذلك الخوف من المرض، وهي:
- إذا كان شخص قريب يعاني من مرض خطِر ولديه مضاعفات، فقد يدفع ذلك الفرد للقلق من أن نفس الشيء قد يحدث له. قد يكون هذا الأمر أكثر احتمالية للحدوث إذا كان الفرد هو من يعتني بالشخص المصاب.
- المعاناة من مشكلات صحية مؤلمة في الماضي.
- تفشي أحد الأمراض في المجتمع. وفي هذه الحالة؛ قد يؤدي الاستماع باستمرار إلى أخبار تفشي هذا المرض من الأصدقاء أو العائلة إلى الخوف من المرض بشكل مزعج.
- مؤخراً؛ اقترح العلماء أن سهولة الوصول إلى المعلومات الصحية على الإنترنت قد تسهم أيضاً في زيادة ذلك الخوف وأصبح هناك مصطلح له (cyberchondria).
- قد يكون المرضى الذين يعانون من اضطرابات سلوكية أخرى؛ مثل الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام أو الاكتئاب أو اضطرابات الوسواس القهري أكثر عرضة للخوف من المرض.
كيف يتم تشخيص الخوف من المرض؟
عادةً يتم التشخيص إذا كان القلق بشأن الإصابة بمرض ما له تأثير سلبي في نوعية الحياة، وعندما يصبح عائقاً لممارسة الأنشطة اليومية والعمل بشكل طبيعي.
لذلك فالقلق حول إمكانية الإصابة بهذا الخوف المرضي والشعور بالضيق الشديد من ذلك، يتطلب استشارة الطبيب للوقوف على الأسباب وطرق العلاج المناسبة للتعامل معه.
علاج الخوف من المرض
هناك نوعان رئيسيان من العلاج المستخدَم في حالات الخوف من المرض؛ وهما:
- العلاج بالتعرض: يعرضك هذا النهج لما تخشاه في بيئة علاج آمنة. يبدأ المعالج بمساعدتك على تطوير أدوات للتعامل مع القلق والضيق اللذان يظهران عندما تفكر في المرض؛ مثل تقنيات التأمل أو الاسترخاء، ويوجهك في النهاية إلى مواجهة بعض هذه المخاوف باستخدام الأدوات التي تعلمتها للمساعدة على إدارة قلقك. قد يتضمن ذلك مشاهدة القصص الإخبارية حول تفشي الأمراض أو القراءة عن الأمراض المختلفة أو قضاء الوقت حول الأشخاص المصابين بهذه الحالة إذا لم تكن معدية.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): علاج آخر مفيد في علاج الخوف من المرض هو العلاج المعرفي السلوكي؛ والذي يركز بشكل أساسي على تعليمك التعرف إلى الأفكار والمخاوف غير المنطقية وتحديها، ومن ثم يمكن أن تساعد إعادة صياغة الأفكار غير المنطقية أو المؤلمة على تحسين القلق.
5 نصائح للتغلب على الخوف من المرض
بفهم أسباب ذلك الخوف غير الصحي كخطوة أولى؛ يأتي دور الفرد في اتباع بعض النصائح التي تساعد على تقليل هذا الخوف وتحجيم آثاره النفسية السلبية:
- ليس كل خوف حقيقياً: هناك خوف تنشره وسائل الإعلام في عناوين الأخبار والبرامج لا يكون دائماً صحيحاً. كذلك فكون الوصول لأي معلومة أصبح متاحاً الآن عبر الإنترنت؛ قد يزيد من تلك المخاوف ويجعلنا خائفين حتى من الأشياء منخفضة المخاطر نسبياً، لذلك حاول ألا تقع فريسة لذلك الخوف غير الحقيقي وقم بتحجيم أوقات استخدام تلك الوسائل.
- تقييم المخاطر الحقيقية: هناك مخاطر صحية حقيقية يمكن تجنبها بسهولة بالوعي ومعرفة مخاطرها الحقيقية وكيفية تجنبها. عوضاً عن الانجراف في مخاوف غير عقلانية؛ حاول أن تثقّف نفسك بالتعرف على المخاطر الحقيقية ثم اتخذ القرارات الخاصة بك وفقاً لذلك.
- التأمل: يتسبب الخوف والقلق في ارتفاع استجابة الجسم للتوتر؛ ما يحفز الجهاز العصبي ويعرّض جسمك لخطر الإصابة بالأمراض. يساعد التأمل على وقف استجابة التوتر ويحفز استجابة الاسترخاء بدلاً منها؛ ما يسمح للجسم بتحرير نفسه من الخوف والقلق.
- اخرج من حدود منطقة الراحة الخاصة بك: كلما خرجت منها أكثر ستعرف أن المناطق الواقعة خارجها ربما تكون أكثر أماناً، وسيقلل ذلك من القلق والخوف لديك.
- راقب محيطك: إذا كنت محاطاً بأشخاص مدفوعين بالخوف فحتماً سينقلون مخاوفهم إليك؛ ما يجعلك تشعر بالقلق أو الخوف. حاول الابتعاد عنهم أو تقليل الوقت الذي تقضيه بصحبتهم.
وأخيراً؛ إن الخوف من المرض أمر طبيعي، وبخاصة مع انتشار أخبار الأمراض والوفيات على نطاق واسع. إذا كان قلقك بشأن المرض يؤثر في حياتك اليومية أو صحتك العاطفية أو قدرتك على العمل؛ يجب التفكير في التواصل مع الطبيب ذلك لأن العيش مع الخوف الشديد أمر مُرهق نفسياً وقد يقيد حياتك، في حين أنه يمكن التغلّب عليه باتباع الخطوات الصحيحة.