تؤثر أطوار القمر في الحالة الجسدية والنفسية للإنسان مثل ازدياد آلام الدورة الشهرية واضطراب النوم وتقلب المزاج وغير ذلك، وعلى الرغم من الشكوك الكثيرة حول هذا الموضوع فقد كشفت دراسة تناولته عن عدة نتائجَ مذهلة.
القمر نجم رافق الإنسان منذ فجر التاريخ، ولطالما اتخذت منه الحضارات رمزاً للأنوثة والغموض والقوة الجبارة. يقول كارل يونغ في كتاب "تفسير الأحلام" (L’Analyse des rêves): "القمر هو هذا الضوء المتغير باستمرار في الليل؛ الجانب المظلم من التجربة البشرية". وإضافةً إلى أن القمر يرمز إلى الجانب المظلم من أنفسنا، فإن الكثير من الناس يربط مزاجه السيئ أو تقلباته المزاجية باكتمال القمر. يقول جلال ذو الـ 35 عاماً مبتسماً: "تبرر زوجتي نوبات غضبها وتقلباتها المزاجية باكتمال القمر".
يشكك جلال كحال الكثيرين بصحة هذه الفكرة، وعلى الرغم من ذلك فإن الاعتقاد بتأثيرات أطوار القمر في جسد الإنسان وروحه الذي يرجع إلى آلاف السنين ما زال سائداً حتى يومنا هذا ولعل البحارة والعاملين في المشاتل والحدائق هم الأكثر دراية بهذه التأثيرات فهم يبحرون أو يزرعون بذورهم وفقاً لحالة القمر. وإذا كانت الطبيعة تعتمد على دورات القمر فما الذي يمنعنا من ذلك؟
يشكل الماء 80% من جسم الإنسان وتظهر تأثيرات أطوار القمر جلية في ظاهرتيّ المد والجزر، ولذلك فإن المنطق السليم يدفعنا إلى التمعن في تأثير محتمل مماثل فينا.
تناقص ساعات النوم
تعاني سوسن ذات الـ 48 عاماً اضطرابات في النوم في الليالي التي يكتمل فيها القمر وذلك على الرغم من أنها تنام جيداً عادةً، وتوضح قائلةً: "أستيقظ من نومي عدة مرات وتكون حواسي متيقظةً جداً".
على الرغم من أن صديقاتها يضحكن من الأمر فإن دراسةً قد أثبتت صحة كلامها، ففي يوليو/ تموز من عام 2013 قدم فريق من علماء الأحياء السويسريين من جامعة بازل (University of Basel) أدلةً ملموسةً لأول مرة على تأثيرات الدورة القمرية في النوم في دراسة بعنوان "الدليل على تأثير الدورة القمرية في نوم الإنسان" (Evidence that the lunar cycle influences human sleep) من إعداد كريستيان كاجوشن (Christian Cajochen) بالمشاركة مع باحثين آخرين.
خضع للتجربة 30 متطوعاً لم يكونوا على دراية بموضوع الدراسة حتى لا تؤدي معتقداتهم الشخصية إلى تحيز في النتائج، ومن خلال مراقبة نشاط الدماغ وحركات العين والإفرازات الهرمونية لديهم لاحظ الباحثون ظاهرة أدهشتهم. فخلال الأيام الأربعة التي تسبق اكتمال القمر وبعده، نقصت مدة النوم الإجمالية لدى المتطوعين 20 دقيقة وكانوا بحاجة إلى 5 دقائق إضافية للاستغراق في النوم كما نقصت مرحلة النوم العميق 30%، وجاءت هذه النتائج في الوقت الذي كانت فيه غالبية الدراسات التي أجريت حول الموضوع حتى ذلك الحين قد نفت فرضية التأثير القمري في دوراتنا البيولوجية.
دورات القمر والولادة
يعاين مقدمو الرعاية الصحية في غرف الطوارئ بأنفسهم تأثير الليالي التي يكتمل فيها القمر وتقول لبنى ذات الـ 45 عاماً وهي ممرضة سابقة: "وكأن القلق كان يزداد في ليالي اكتمال القمر إذ كنا نستقبل خلالها الكثير من الحالات النفسية الطارئة؛ كما كان الحماس يسود أجنحة الولادة حتى لو لم تحدث ولادات".
يقول ماجد: "بدأت زوجتي بترقب موعد اكتمال القمر مع الشهر الثامن من حملها وشعرت بخيبة الأمل عندما لم تتزامن ولادتها مع ذلك". يتزامن اكتمال القمر في اللاوعي الجمعي مع وضع المولود وذلك بسبب التشابه المذهل بين الدورة القمرية التي تبلغ 28 يوماً ومتوسط مدة الدورة الشهرية عند المرأة التي تتناظر معها أطوار القمر الأربعة بالفعل:
- مرحلة ما قبل التبويض تتوافق مع الهلال.
- مرحلة الإباضة تتوافق مع اكتمال القمر.
- مرحلة ما قبل الحيض تتوافق مع القمر الأحدب.
- مرحلة الحيض تتوافق مع المحاق.
حساسية النساء لأطوار القمر
يقول رائد الطب الطبيعي ومؤلف كتاب "دليلك حول القمر والصحة" (Lune et santé, mode d’emploi)، هنري بوجيه (Henry Puget): "إن استماع المرأة الحامل لإشارات جسدها أفضل من مراقبة القمر لتوقع يوم الولادة فهذا يساعدها على أن تضع مولودها بحالة من اليقين والراحة". ويضيف: "على الرغم من أن الرأي الطبي العام يشكك تماماً في هذه المسألة فإن الأطباء كلهم يناقشون في الجلسات الخاصة التغيرات التي تطرأ عليهم خلال أطوار القمر". لا يتساوى الجميع فيما يخص التأثيرات النفسية والجسدية للقمر فلكل شخص معتقداته وعلاقته الخاصة بالبيئة والطبيعة كما يتفاوت الناس في عواطفهم وأحاسيسهم وشعورهم بالألم. ويدفعنا هذا إلى التساؤل: هل هذا هو السبب في أن نسبة النساء اللواتي يقلن إنهن حساسات لتأثيرات القمر أكبر بكثير مقارنة بالرجال؟ في النهاية ليس المهم أن تصدق الأمر أو لا طالما أنك تشعر بتآلف الروح والجسد معاً.