ما الذي يفعله الضغط النفسي للأهل في شخصيات أطفالهم؟

3 دقيقة
الضغط النفسي من الأهل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

يسعى العديد من الآباء إلى مساعدة أطفالهم لكي يكونوا في أفضل حالاتهم ويحققوا أفضل النتائج، ومع ذلك فقد يفضي الضغط النفسي من الأهل على أطفالهم لتحقيق تلك الأهداف إلى عواقبَ وخيمة على صحتهم النفسية.

ما سبب الضغط النفسي من الأهل على أطفالهم؟

يتصور الآباء أن الضغط الذي يضعونه على أطفالهم سيضمن لهم مستقبلاً مشرقاً ومكانة اجتماعية مرموقة بتحقيق ذلك التفوّق الذي يضعونه كهدفٍ سامٍ، فهم يسعون بذلك -من وجهة نظرهم- إلى حماية أطفالهم من الندم والرفض المؤلم؛ لكنهم في بعض الأحيان يزيدون من المخاطر التي يتعذر على الأطفال التعامل معها.

على الرغم من أن الضغط النفسي من الأهل قد يحقق الأهداف التي يسعون إليها، فيحظى أطفالهم بمهارات جيدة وتفوّق ملحوظ؛ إلا أنه خلف تلك القشرة من النجاح والإنجاز قد تكمن معاناة الأبناء من مشكلات عاطفية حادة واضطرابات نفسية عميقة.

يُظهر العديد من الدراسات أن المراهقين المتميزين يعانون من معدلات مرتفعة من الاكتئاب واضطرابات القلق؛ حيث تتضافر العناصر المختلفة للحياة المثالية وتحقيق الكمال لخلق أزمات نفسية لهؤلاء الأطفال والمراهقين.

وفي حين أن هؤلاء الأبناء قد يُظهرون ثقة مرتفعة بالنفس وينجحون في ترك انطباع جيد لدى الآخرين؛ إلا أن ذلك ليس دليلاً على التطور النفسي السوي لديهم، فهم يفتقرون إلى شيء في غاية الأهمية؛ الشعور الحقيقي بالذات!

تأثير الضغط النفسي من الأهل في الطفل

خلال عملية تربية الأطفال وسعي الآباء إلى خلق النموذج الذي يريدونه، وقد يؤدي ذلك إلى اتخاذهم سلوكيات ليست هي الأفضل؛ ما يؤدي إلى زيادة الضغط النفسي من الأهل على نفسية الطفل التي تأتي بنتائج سلبية على المدى القصير والطويل.

وفقاً لدراسة أُجريت على طلاب في المدرسة الثانوية لاستكشاف تأثير الضغط النفسي من الأهل على سلوكيات الأبناء، فإن هناك علاقة وثيقة بين ضغط الآباء وشعور الطفل بضعف الكفاءة الذاتية التي تساعد على حل المشكلات والتعامل مع المواقف المختلفة، بالإضافة إلى أداء المهام بنجاح.

كذلك؛ بحسب دراسة أخرى لبحث ذلك الأمر على المستوى الرياضي للسبّاحين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 9-18 عاماً، فقد وجد الباحثون أن هؤلاء الشباب يشعرون بضغط كبير من آبائهم يمكن أن يقلل من مستوى استمتاعهم بالرياضة ويزيد قلقهم خلال المنافسة؛ ما قد يؤدي بدوره إلى الانسحاب من الرياضة لاحقاً.

كما أبلغت الإناث المشاركات في هذه الدراسة عن مستويات أعلى بكثير من القلق مقارنة بالذكور؛ والتي تؤدي إلى زيادة الاضطرابات النفسية لديهن.

المخاطر النفسية لضغط الأهل على أطفالهم

يمكن للأطفال الذين يعانون من الضغط النفسي من الأهل للقيام بعمل جيد، أن يواجهوا عواقبَ سلبية في مناحٍ عدة من حياتهم. وتتمثّل بعض الآثار النفسية الخطِرة لضغط الوالدين على الأطفال بـ:

  1. الإصابة بالاضطرابات النفسية: الأطفال الذين يتعرّضون للضغط دون إمكانية التعبير عن ذلك، أكثرُ عرضةً للاستسلام للأمراض النفسية والعقلية. ويتسبب هذا الضغط في الإصابة بالاكتئاب غالباً، ولا يعرفون كيفية التعامل معه بسبب تحديد الأهداف المستمر من قِبل والديهم، وممارسة الضغط عليهم لتحقيقها.
  2. إيذاء النفس: يلجأ أغلب الأطفال، وبخاصة في سن المراهقة، إلى أنشطة إيذاء النفس للتعامل مع الضغط النفسي من الأهل.
  3. تدنّي احترام الذات: ينتظر الأطفال في الغالب ردود فعل أفعال والديهم وتعليقاتهم للتحقق من صحة كل ما يفعلونه، وإذا واجهوا انتقادات مستمرة منهم فمن المُرجَّح أن يخلق ذلك صورة سلبية عن ذواتهم. يمكن أن يتحول هذا التصور السلبي إلى كره للذات يعوق نمو الأطفال بشكل صحي، ويؤدي إلى الإضرار بتقديرهم لذواتهم، ويجعلهم يشعرون بأنهم ليسوا جيدين بما يكفي.
  4. الموقف الدفاعي: يمكن أن يؤدي استمرار الضغط النفسي من الأهل إلى خلق موقف دفاعي عند الأطفال. الخوف من الفشل يمكن أن يمنعهم من البدء في مشاريع جديدة، أو إكمال المشاريع في متناول اليد، ويمكن أن يخلق تحدياً غير صحي لهم؛ كما يمكن أن يؤدي إلى بلوغهم سن الرشد وهم غير راضين عما يفعلونه.
  5. ارتفاع مخاطر التعرض للإصابات: قد يستمر الرياضيون الذين يشعرون بالضغط النفسي من الأهل في ممارسة الألعاب الرياضية والمشاركة فيها على الرغم من الإصابات خوفاً من الفشل، وقد يؤدي تجاهل الألم أو العودة إلى ممارسة الرياضة قبل الشفاء إلى ضرر دائم.
  6. زيادة احتمالية الغش: عندما يكون التركيز على الإنجاز بدلاً من التعلُّم، يكون الأطفال أكثر عرضة للغش لتحقيق الدرجات المرتفعة التي يتوقعها الآباء.
  7. رفض المشاركة: عندما يشعر الأطفال أن الهدف هو أن يكونوا الأفضل دائماً، فمن غير المُحتَمَل أن يشاركوا في المواقف التي لا تتيح لهم فرصة أن يتألقوا، فالطفل الذي ليس أسرع عدّاء قد يترك لعب كرة القدم، والطفل الذي ليس أفضل مغنٍ في المجموعة قد يتوقف عن الأداء مع الكورال! لسوء الحظ؛ يعني ذلك أن الأطفال لن ينتهزوا الفرص لصقل مهاراتهم وبناء شخصياتهم المستقلّة.

ضرورة التواصل الفعّال مع الطفل

عوضاً عن الضغط المستمر لدفع الطفل إلى إنجاز هدف معيّن يراه الآباءُ الأفضل؛ تقترح إحدى الدراسات ضرورة سعي أولياء الأمور لتأسيس علاقة مفتوحة مع أطفالهم، والتواصل معهم بشكل فعّال، والاستماع إلى أفكارهم، فضلاً عن الانتباه إلى مجهود الطفل أكثر من الاهتمام المفرط بالأداء الأكاديمي والنتائج النهائية.

يمكن لمثل هذه العلاقة الجيدة بين الوالدين والطفل أن تعزز فعالية التواصل بينهم، وتحمي الطفل من الآثار النفسية السلبية للضغط النفسي من الأهل.

كذلك، فمن المهم خلق مساحة صحية للطفل ليزدهر ويتفوق في الحياة من خلال اكتشاف نقاط قوته وتعزيز مواهبه، ودعمه ليتمكّن من تحقيق أحلامه في أي مجال يريده، دون غرس الخوف من الفشل أو تحديد مسار بعينه قد يُفضي إلى تحطيم ذاته وخلق معاناة نفسية دائمة.

المحتوى محمي