يوماً بعد يوم، يزداد انتشار القلق والتوتر في عالمنا المليء بالأحداث المتسارعة، وتزداد الحاجة إلى حلول من أجل التخفيف من القلق والتوتر الذي نتعرض له. فبحسب مسح أجرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأميركا ونُشرت نتائجه في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020؛ يعاني أكثر من 50% من البالغين في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم من أعراض القلق.
تربط الطبيبة ميراندا بيلتزر (Miranda Beltzer) الحاصلة على الدكتوراة في علم النفس من جامعة فرجينيا الأميركية، بين زيادة نسبة القلق والتوتر مؤخراً وتلاحق الأحداث العالمية الصعبة، فتؤكد إنه لا يمكن لأي شخص أن يظل في وضع القتال لفترات طويلة، وإذا حدث ذلك فإنه سينعكس عليه بعدم قدرته على الاتزان نفسياً.
لكن ذلك من وجهة نظر المعالجة النفسية جوليا كولانغيلو (Julia Colangelo) ليس مبرراً لأن يهمل الإنسان صحته النفسية، فمن الضروري مراقبة المشاعر السلبية التي تظهر، والحصول على الدعم النفسي لإبقائها تحت السيطرة. وحتى تكون أكثر قدرة على التحكم في قلقك وتوترك نقدم لك بعض الإرشادات:
سيطر على المحفزات
يساعدك فهم المحفزات التي تجعلك عرضة للقلق والتوتر على التقليل منها مستقبلاً، ذلك ما تشير إلى فعاليته اختصاصية علم النفس الطبيبة مونيكا فيرماني (Monica Vermani).
لذلك تُعد الخطوة الأولى من أجل التخفيف من القلق والتوتر أن تبذل جهداً في التفكير في المواقف والأحداث السلبية التي مررت بها، ثم تضع سيناريوهات لمواجهتها في حال تكرّرها، وحتى في حال تأثيرها فيك فلا تنسَ التخطيط عملياً لتهدئة نفسك.
حرّك جسمك أكثر
أثبتت دراسة علمية أجرتها جامعة أولم الألمانية ونُشرت في مايو/أيار عام 2019، وجود علاقة بين النشاط البدني وتحسن الحالة المزاجية وتقليل التوتر، ولا يُقصد بالنشاط البدني التمارين الرياضية المُجهدة؛ إذ يمكن لأي نشاط مثل صعود السلالم بدلاً من ركوب المصعد أن يكون مؤثراً.
لم تكن النتيجة التي توصلت إليها الدراسة العلمية السابقة الوحيدة في هذا السياق، فقد أشار مقال بحثي نشرته مجلة تقارير الطب الوقائي في عدد سبتمبر/ أيلول لعام 2018، إلى أن فترات الجلوس الطويلة ترتبط بشكل مباشر مع سوء الحالة المزاجية وزيادة التوتر واضطرابات النوم؛ لكن بحسب المقال فإن تقليل فترات الجلوس بقدر ساعة قد يؤدي إلى تحسين الأعراض السابقة.
ويُعتبر الركض واحداً من التمارين الرياضية التي تعمل على تقليل القلق والتوتر. وفقاً للطبيبة النفسية باتريشيا سيلان (Patricia Celan)؛ يُعد الركض لمدة 5 دقائق على الأقل على مضمار الجري علاجاً فعالاً لتقليل القلق بسرعة. وحتى إذا لم يكن الركض نشاطك الرياضي المفضل، فيمكنك أن تستبدله بالمشي السريع كما توضح الطبيبة، فالمقصود في النهاية هو زيادة معدل ضربات قلبك لتقليل قلقك وتوترك.
ادعم نظامك الغذائي بالطعام الصحي
تشير الطبيبة النفسية المتخصصة في الطب النفسي الغذائي أوما نايدو (Uma Naidoo) إلى جانب مؤثر من أجل التخفيف من القلق والتوتر ألا وهو نوع الأطعمة التي تتناولها. فهي تؤكد إن النظام الغذائي الغني بالحبوب الكاملة والخضروات والفواكه يُعد اختياراً داعماً للصحة النفسية، بالمقارنة مع تناول الأطعمة المصنّعة الغنية بالكربوهيدرات البسيطة.
بالإضافة إلى عامل آخر مهم وهو عدم تفويت أي وجبة من وجبات الطعام؛ حيث سيؤدي ذلك إلى انخفاض نسبة السكر الدم ما يُشعر الشخص بالتوتر والقلق.
أما بالنسبة إلى الأطعمة التي تساعد على تخفيف القلق والتوتر وتزيد من الشعور بالهدوء، فهي بحسب الطبيبة نايدو متعددة، وفي مقدمتها الأطعمة الغنية بالمغنيزيوم؛ مثل الخضروات الورقية والبقوليات والمكسرات والبذور والحبوب الكاملة.
هناك أيضاً الأطعمة الغنية بالزنك التي تقلل القلق والتوتر؛ مثل المحار والكاجو والكبد ولحم البقر وصفار البيض، إلى جانب الوجبات التي تحتوي أحماض الأوميغا 3 الدهنية؛ وأبرزها الأسماك الدهنية مثل سمك السلمون.
تمتد قائمة الأطعمة الصحية المفيدة لمواجهة القلق والتوتر إلى الخضروات الغنية بالبروبيوتيك مثل الملفوف (الكرنب)، وأيضاً الأطعمة الغنية بفيتامين (ب) ومنها الأفوكادو واللوز.
اقضِ وقتاً مع أصدقائك وعائلتك
إذا كنت تعاني من القلق والتوتر ففكر بجدية في تقوية دوائرك المجتمعية عن طريقة التواصل مع عائلتك وأصدقائك وقضاء المزيد من الوقت معهم، وذلك ليس كلاماً مرسلاً إنما وفقاً لدراسة علمية أجرتها جامعة ولاية مونتكلير الأميركية ونُشرت في مارس/ آذار عام 2019.
فقد توصلت الدراسة إلى أن الأشخاص المحاطين بالأصدقاء والأسرة والشريك، يعانون من الوحدة بصورة أقل؛ ما يعني شعورهم بدرجة أقل من التوتر والقلق لوجود ارتباط غير مباشر بين الشعور بالوحدة والإصابة بالتوتر.
لا تسوّف قدر الإمكان
هناك طريقة فعّالة تجعلك تخفف من حدة القلق والتوتر اللذين تعاني منهما؛ ألا وهي أن تعمل بحسم على تحديد أولوياتك وتتجنب المماطلة في تنفيذ المهام.
وذلك لأن التسويف وفقاً لدراسة علمية أجرتها جامعة شاندونغ الصينية (Shandong University) ونشرتها في يوليو/ تموز عام 2019، يقلل من مستوى إنتاجيتك ويجعلك تشعر دوماً بأنك متأخر عمن حولك وتحاول اللحاق بهم؛ ما يؤدي إلى الشعور بالتوتر والقلق.
الحل بكل بساطة وفقاً للطبيبة جيليان كوبالا (Jillian Kubala)، يتمثل في إعداد قائمة مهام مرتبة حسب أولوية كل مهمة، ووضع مواعيد نهائية واقعية، وإنهاء تلك المهام المعلَّقة بالتدريج لتضع بعد ذلك قائمة مهام يومية تحرص على إنجازها، وتبتعد عن تأجيل أي مهمة فيها حتى لا تدخل في دائرة التسويف مرة أخرى.
فكّر في ممارسة اليوغا
كلما زادت ضغوط الحياة ارتفعت نسبة القلق والتوتر، لذا من الضروري إتاحة الفرصة للعقل والجسم حتى يلتقطا الأنفاس قليلاً وذلك ما يمكن أن تحققه ممارسة اليوغا.
فقد بحثت دراسة علمية أجرتها جامعة لوند السويدية ونُشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017 عن الصلة بين اليوغا والتخفيف من القلق والتوتر، وتوصلت إلى أن اليوغا أثبتت فعاليتها في الحد من القلق والتوتر وتعزيز الصحة النفسية بشكل عام.
وبحسب ورقة بحثية نشرتها جامعة ولاية شمال غرب ميسوري الأميركية في يناير/ كانون الثاني عام 2019، فإن تأثير اليوغا يعود إلى كونها تجمع بين الحركة الجسدية والتأمل والتحكم في التنفس، وجميعها عناصر تخفف القلق والتوتر.
ابحث عن حضن!
يُعد الحضن إحدى مخففات القلق والتوتر البسيطة للغاية رغم فعاليته الكبيرة. ذلك ما وجدته دراسة علمية أجرتها جامعة سكوفد السويدية ونُشرت في يناير/ كانون الثاني عام 2015، فقد توصل الباحثون إلى أنه عندما تعانق شخصاً يفرَز هرمون الأوكسيتوسين تلقائياً، فيزيد الشعور بالسعادة من ناحية، وتقل مستويات التوتر من ناحية أخرى، ذلك إلى جانب دوره في خفض ضغط الدم.
لذلك سيكون مفيداً عندما تشعر بالقلق والتوتر أن تطلب من أحد المقربين إليك أن يحتضنك، فذلك سينعكس إيجاباً عليكما.
تذكَّر في المرة القادمة التي تشعر فيها بالقلق أو التوتر أن هناك العديد من الطرائق العملية التي سيجدي أغلبها نفعاً معك، ويساعدك على التخفيف من القلق والتوتر ويجعلك أقدر على تجاوز هذه الحالة بمعاناة أقل.