يتأثر الجميع بالتوتر والضغط النفسي، فالحياة لا تكاد تخلو من الظروف الضاغطة والمواقف التي تستدعي مشاعر الكرب. وبما أن الجسم يقوم طبيعياً بإفراز الأنسولين لخفض مستويات السكر في الدم؛ يكون تأثير الضغوط أهون وقابلاً للتخطّي بالنسبة إلى غير المصابين بالسكري. ولكن يختلف الأمر كليّاً بالنسبة إلى مرضى السكري لسوء الحظ؛ ذلك أن الإجهاد يسهم في ارتفاع مستويات السكر في الدم لديهم، وقد يستمر هذا الارتفاع لأيامٍ وأسابيعَ يصير فيها المريض مهدداً بتفاقم حالته الصحية وتأثُّر أعصابه وأوعيته الدموية بشكلٍ خاص.
أعراض داء السكري وأنواعه وأسبابه
الأنسولين هرمون ينظّم تركيز مستوى السكر في الدم، وحين يتوقّف البنكرياس عن إنتاج ما يكفي من هذا الهرمون أو لا يستخدم الجسم الأنسولين الذي تمّ إفرازه، ينتج من كلتا الحالتين ما يُعرف بداء السكري المزمن بنوعيه الأول والثاني.
تسبَّب السكري في الوفاة المباشرة لـ 1.6 مليون شخص في سنة 2015، وكان ارتفاع مستوى السكر في الدم سبب وفاة 2.2 مليون حالة في سنة 2012 وفقاً لإحصائيات أدلت بها منظمة الصحة للبلدان الأميركية (Pan American Health Organization).
عُرف سابقاً باسم السكري المُعتمد على الأنسولين أو السكري الشبابي لأنه وإلى وقت قريب كان يصيب فئة الشباب والأطفال، ويتميّز السكري من النوع الأول بتوقف إنتاج هرمون الأنسولين أو قلّته، ويتطلّب ذلك أخذ جرعات يومية للأنسولين يُحّددها الطبيب المختص.
وتتمثّل أعراضه البارزة في فقدان الوزن غير الاعتيادي أو المفاجئ، وكثرة التبوّل والجوع والعطش. أما أسباب السكري من النوع الأول فغير معروفة إلى حدود الساعة؛ ما يؤكده المختصون هو أنه ينتج من تفاعل مناعي ذاتي يجعل الجسم يهاجم نفسه عن طريق الخطأ فيدمّر خلايا بيتا في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين.
أما أعراض النوع الثاني من السكري فتُشابه بعض أعراض النوع الأول إلا أنها تكون أقل وضوحاً ولا تظهر فجأة عند المريض. يمثل النوع الثاني من السكري غالبية مرضى السكري في العالم ويكون ناتجاً إلى حد كبير من زيادة الوزن ونمط العيش غير الصحي.
وعلى خلاف النوع الأول، فالسبب المباشر في ظهور النوع الثاني من السكري هو سوء استخدام الجسم للأنسولين.
لماذا يتأثر مرضى السكري بالضغط النفسي أكثر من غيرهم؟
الضغط النفسي والسكري أشبه بحلقة مفرغة؛ يتفاعل أحدهما مع وجود الآخر ويتأثر به لأنه لا يمكننا العيش دون توتّرٍ وضغط، ويجعل هذا من مرضى السكري الأشخاصَ الأكثر عرضة لتجرّع النتائج السلبية التي تحدث نتيجة التعقيدات التي يُسبّبها الضغط النفسي الناتج من التوتّر.
ترى الاختصاصية النفسية الكندية ليسان غوير (Lysanne Goyer) إن: "التوتّر هو إدراك للتهديدات التي يمكن أن تطال العافية الجسدية والنفسية أولاً، وهو أيضاً إدراكٌ لعدم القدرة على التعامل مع الموقف في الوقت المحدّد. من اللحظة التي نشعر فيها بأننا لن نكون قادرين على التأقلم مع التهديدات، يرسل دماغنا إشارات ونُفرز هرمونات التوتّر بجميع أنواعها".
عملية إفراز هرمونات التوتّر في حدّ ذاتها هي رد فعل الجسم الطبيعي للاستعداد لما يسمى "استجابة الطيران والقتال" أو "الكرّ والفرّ" (Fight-or-Flight Response)، لمجابهة الضغوط والإجهاد الذين يتعرّض لهم الجسم، وهي عملية تستوجب توزيع الغلوكوز والأكسجين بنسب أكبر على أجزاء الجسم حتى يستطيع التعامل مع الضغوط العقلية والجسدية.
ما يحدث عند غير المصابين بالسكري هو أن الجسم يقوم بعد ذلك بإفراز الأنسولين لخفض مستوى السكر في الدم بخلاف ما يحصل عند مرضى السكري نظراً لأن هناك خللاً أساساً في إنتاج الأنسولين أو استخدامه.
اقرأ أيضاً: هل يؤثر الضغط النفسي في المصابين بمرض السكري؟
كيف تسيطر على الضغط النفسي والسكري؟
قبل أن تتعرّف إلى ما يمكنك القيام به للتحكّم في الضغط النفسي والسكري، عليك أن تكون قادراً أولاً على تمييز متى يؤثر التوتر في مستوى السكر في دمك وكيف، فليست كلّ الضغوط ستؤثّر فيك، أو على الأقل لن يكون تأثيرها بالحدّة نفسها، وقد يختلف ذلك من شخص إلى آخر لأن ردود الأفعال إزاء المواقف الصعبة ليست نفسها حتى عند المصابين بالسكري.
يتطلّب ذلك إذاً معرفة ذاتية أعمق حتّى تميّز ما يسبّبه لك التوتّر والضغوط النفسية الناجمة عنه، وكيف يتمظهر ذلك في ارتفاع مستوى السكر. ومفتاح ذلك هو مراقبة الأنماط والمتغيّرات، ومن المفيد تتبّع الأوقات التي يرتفع فيها السكر في الدم استجابةً للتوتّر العاطفي وتحديد الأسباب المحتمَلة جميعها، حتى تتمكن من معرفة إذا كان اللوم يقع على موقف أو عاطفة أو شخص معين، والاحتفاظ بمدونة شخصية توثّق فيها هذه المعلومات سيفيدك بالفعل.
يُنصح بعدم تجاهل الضغط النفسي والسكري أو التظاهر بعدم تأثيرهما في جودة حياتك، لذا نقدّم لك نصائح سريعة وقيّمة أوصى بها خبراء الصحة من الجمعية الأميركية لداء السكري (American Diabetes Association) لإدارة التوتر والضغط النفسي لمرضى السكري:
- تحدّث إلى صديق أو شخص تثق به بخصوص ضغوطك النفسية.
- خصّص وقتاً للتأمل.
- لا تحاول القيام بكل شيء لوحدك، فلا ضير من طلب المساعدة من وقت لآخر.
- جدول مهامك لكل يوم؛ فقط تلك التي تستطيع إنجازها كاملةً.
- ضع حدوداً صحية لما تقدّمه للآخرين.
- لا تحاول القيام بأكثر من مهمة في آنٍ واحد.
- مارس بعض النشاط البدني.
- انخرط في نشاط أو هواية تستمتع بها.
- انضم إلى مجموعة دعم نفسي أو دردشة عبر الإنترنت.
- جرّب طرائقَ جديدة للاسترخاء مثل التنفس العميق أو اليوغا أو الرقص.
- فكّر في ما فعلته لمساعدة نفسك إلى الآن، ولا تحطّ من قدر نفسك إذا كان هناك الكثير من النصائح التي لم تستطع القيام بها أو لم تفعلها بعد.
يتأثر مرضى السكري بعوامل خارجية عديدة من بينها النظام الغذائي المتبّع وقلة ممارسة الرياضة أو وجود أمراض أخرى؛ لكن يُعتبر التوتّر عاملاً أكثر خطورةً من حيث صعوبة التعامل الفوري معه.
فهو يرفع مستوى السكر في الدم رامياً المُصاب إلى دوامة أخرى من التعقيدات الصحيّة، غير أن الفهم الصحيح لديناميكية عمل الضغط النفسي والسكري ستُمكّن أي مريض بداء السكري المزمن من التعامل السليم مع ضغوط الحياة وإدارة مرضه بشكل أفضل.