تنمي رياضة التزلج بمختلف أنواعها الثقة بالنفس وتعزز المرونة الجسدية، ويؤجج الانزلاق على المنحدرات مشاعر الحماسة والجرأة الطفولية، فهيا بنا نجربه معاً!
يشعر المرء عندما يمارس رياضة التزلج بأنه يطير ويخفق قلبه حماسة؛ وكأنه يرقص مع الإيقاع مأخوذاً بجمال الحركات وإثارة التغلب على العوائق، والقفز، فتمتزج متعة اللعبة بنشوة تجاوز الحدود. يحدث هذا كله بسبب اندفاع الأدرينالين في الجسم المرافق لشعور الحرية المطلقة الذي تولده نشاطات التزحلق بمختلف أنواعها (التزلج في الحلبات، أو على الثلج، أو على لوح التزلج في الشارع، أو ركوب الأمواج)؛ ما يجعلها أنشطةً جذابةً إلى حد كبير. تشق أجسادنا الهواء خلال التزلج على لوح سلسِ الحركة وغير متوازن، لذا فإن هذا النشاط يمثل اختباراً حقيقياً لقدراتنا البدنية كتنسيق الحركات والتوازن والدقة والقدرة على التحمل والمرونة والقوة العضلية إذ إن أدنى خطأ يعني "عقوبة فورية". تقول سوسن ذات الـ 42 عاماً: "اعتدت في صغري التسابق مع إخوتي على لوح التزلج لكن منذ أن أصبحت أماً قلت جرأتي، وفي الحقيقة أنا أفتقد هذا "التهور" أحياناً".
رياضة التزلج بين الخوف والإثارة
تتيح هذه الرياضات لبعض البالغين استعادة مشاعر الجرأة الطفولية، بينما يكون آخرون أكثر حذراً خوفاً من السقوط. ويؤكد عالم النفس المتخصص في ما يسمى العلاج "بالقبول والالتزام" ومؤلف كتاب "صنع السلام مع ماضيك" (Making Peace with Your Past)، جان لويس مونيست (Jean-Louis Monestès) علاقة خوف المرء بعواطفه فيقول: "قد يخشى المبتدؤون السقوط عن الزلاجات لأن بعض التفاصيل المحيطة بهم؛ كشعور البرودة في أطراف أصابعهم والرائحة والإحساس حينها، يعيد تنشيط عاطفة قوية سبق لهم أن شعروا بها في سياق مختلف تماماً".
ووفقاً لمدرب التزلج في جبال الألب ومبتكر نهج "التزلج الداخلي" (وهي طريقة تقنية وروحية مستوحاة من فنون الدفاع عن النفس)، باتريك بالمين (Patrick Balmain) فإن الخوف يتملّك المتزلجين المتمرسين أيضاً ولكنهم يدخلون في حالة "صراع" مع مضمار التزلج ورغبة في ترويضه، ويدمنون التغلب على هذا الخوف، حتى أن رغبتهم في الحصول على أكبر قدر ممكن الإثارة قد تدفعهم إلى المخاطرة أحياناً. وللتغلب على المخاوف التي تسبق ممارسة التزلج؛ ينصح مدرب التنمية الشخصية والمتخصص في تعليم التوازن والثبات للمتزلجين المحترفين والهواة برنارد تشيسنو (Bernard Chesneau) "بالتخلص من الأفكار السامة" ومنها مثلاً:
1. المكابرة: "يمكنني التزلج حتى في الضباب".
2. مشاعر الدونية: "زوجي أفضل مني في التزلج".
3. عدم الكفاءة: "لا يمكنني فعل ذلك".
4. إفساح المجال للمشاعر الإيجابية التي تهدئ النفس: "سأستمتع بالتزلج ولا يهمني ما سيعتقده الآخرون عني"، "أنا قادر على التقدم حتى على المسارات المزدحمة".
ركز على أحاسيسك
من الأفضل أن تتقبل مشاعر الخوف والقلق التي تسبق التزلج، ويمكنك فعل ذلك من خلال تركيز انتباهك على أحاسيسك الجسدية تماماً كما في ممارسات التأمل الشرقية وغيرها من الممارسات التي تجمع بين الجسد والعقل. نميل في حالات كهذه إلى استحضار المواقف السابقة كالسقوط في نهاية المنحدر أو تخطي عائق ما؛ وهذا ما يجعل الذهن في حالة تنبه دائم. . يقول باتريك بالمين: "تسيطر على المتزلج في هذه اللحظات حالة من التوتر والترقب". ويضيف إن الشخص الذي يتسم بانفتاحه على التجارب والأناس الجدد يضع وزنه عند التزلج على مقدمة القدمين، أما الشخص المنغلق فهو يضع وزنه على كعبيه"، وكلاهما يفكر في الهدف الذي يجب أن يصل إليه بدلاً من الاستماع إلى أحاسيسه الجسدية في الوقت الحاضر.
كيف تبقى على اتصال بأحاسيسك الجسدية خلال التزلج؟
بالتركيز على منطقة التلامس بين القدمين والأرض وكأن ليس ثمة فاصل بينهما، يقول باتريك بالمين: "يؤدي هذا إلى تجنب التركيز على نظرات الآخرين ومن ثم يدخل الجسد في حالة استرخاء، ويتكيف مع التضاريس المحيطة". إضافةً إلى ذلك، فإن التركيز على اللحظة الحالية يجعل استجابة المتزلج للمواقف المفاجئة أسرع لأن العضلات تكون في أدنى درجات التوتر ما يسمح لها بالانقباض دون المرور بمرحل الاسترخاء.
أرخِ كاحليك
يقول برنارد تشيسنو: "يربط معظم الناس قدميه بحواف الزلاجات، القضبان المعدنية المتاخمة لنعل التزلج أو التي تسمح لك بالانزلاق أو الدوران، بشدة حتى لا يفقد توازنه". وعلى الرغم من أن هذه الحالة من الثبات تُشعر المرء بالاطمئنان، فإن ربط الكاحلين بالزلاجات بإحكام أكثر من اللازم قد يؤدي إلى آلام المفاصل أحياناً خلال التزلج، لذلك فإن التزلج بطريقة صحيحة يتطلب الثبات اعتماداً على ميزات الأرض تماماً كما نعتمد على ميزات الماء لنطفو خلال السباحة. ولكن كيف ذلك؟ من خلال تحرير الكاحلين، وهكذا تصبح الألواح أو الزلاجات أو العجلات مسطحة تماماً ما يتيح الاستفادة من قدرات الدفع الطبيعية للأرض، ويكفي تحريك القدمين إلى الأمام والخلف مع ثني الركبتين والساقين للتحكم بالسرعة. ومع ذلك، فإن هذه العملية تتطلب ثباتاً جيداً مع الانتباه باستمرار إلى الخط الذي يغوص في الأرض من مركز قوس القدم.
تجربة التدفق
يقول برنارد تشيسنو: "للأسف يعتمد تعليم رياضات التزلج التقليدي على رد فعل المتعلم تجاه البيئة وليس على الملاحظة الذاتية، فالأمر لا يتمحور حول تعلم التقنيات فقط بل حول تعلم سلوكيات معينة أيضاً، يمكن أن تمنح المبتدئين أفضلية على المتمرسين حتى. ويتطلب الأمر التخلص من الأفكار المسبقة وتلقي الأفكار الجديدة بدلاً منها. ويقول باتريك بالمين: "وبين هاتين المرحلتين ثمة حالة من الفراغ يشعر خلالها متعلم التزلج بالضياع". ويرى جان لويس مونيست إن هذا النهج هو جزء من مفهوم التدفق الذي طوره عالم النفس المجري ميهالي تشيكسينتميهالي (Mihaly Csikszentmihalyi)، من جامعة كليرمونت (Claremont University) في كاليفورنيا. ويوضح قائلاً: "إنه شعور البهجة الذي يمكن للإنسان الوصول إليه عندما ينغمس تماماً في عمل يتطلب مهارة"، لذا فإننا نتحدث هنا على حالة من التركيز التام ولكن دون بذل مجهود. تمنح تجربة التدفق التي يتيحها فن التزلج إحساساً عميقاً بالتناغم الكبير مع البيئة المحيطة؛ ما يمثل من جهة أخرى إحدى وسائل تعزيز القدرة على تحقيق الذات.
نهج التزلج الداخلي
ابتكر المدرب باتريك بالمين هذه الطريقة لأول مرة للتزلج على جبال الألب أو التزلج على الجليد وكانت ثمرة رحلته الشخصية، ويفصّل في كتابه "التزلج الداخلي" (La Glisse interior) الجوانب الروحية والتقنية لطريقته ويوضح كيفية التدرب عليها. ومن خلال كتابه "التزلج كطريقة لتغيير التفكير" (Think Differently Through Skiing)؛ يتناول برنارد تشيسنو هذا النهج بصورة موسعة من خلال تسليط الضوء على دوره في إدارة العواطف.
كيف تتحضر للتزلج بطريقة صحيحة؟
- على المتزلج المبتدئ أن يشد الجزء العلوي من جسده ويرخي الجزء السفلي، وذلك بعكس ما يفعله المتزلج المتمرس، ويجب أن تكون الساقان والحوض في وضعية متناغمة وثابتة، والصدر والكتفان والذراعان والرأس في حالة استرخاء.
- يجب أن تلامس القدمان الأرض بالكامل مع نقل الارتكاز بين منتصفهما والأصابع إذ إن تحريك مركز الثقل بهذه الطريقة كافٍ للتوجيه في أثناء التزلج.
- يجب على المتزلج ثني ساقيه: فهذه الوضعية تنسجم مع تصميم مفاصل الساق والقدم والفخذ والركبة، وتساعد في توزيع الضغط على الجسم بطريقة أفضل.
- من الضروري أن يحافظ المتزلج على استقامة العمود الفقري مع ميل الكاحلين: فهذا يريح الحوض والرقبة.
- على المتزلج تقديم الفك على الركبتين: لأن هذه الوضعية تمثل دفة ممتازة للحفاظ على التوازن.
- عليه التركيز على التنفس العميق والمنتظم: لتزويد العضلات بالأكسجين.