مع التقدم في السن، يتراجع أداء مناطق محددة من الدماغ ترتبط بوظيفة الذاكرة، ويرى الاختصاصي النفسي والباحث في تأثير التطور الرقمي على الصحة النفسية يان ليرو، أن استخدام شبكة فيسبوك قد يساهم في تحسين هذه الوظيفة لدى كبار السن فكيف ذلك؟
دخلنا مع ظهور شبكة فيسبوك حقبة اقتصاد جذب الانتباه؛ إذ تتنافس عشرات التطبيقات على هواتفنا الذكية ورسائل البريد الإلكتروني التي ترد من حساباتنا على الشبكات الاجتماعية والرسائل النصية على جذب انتباهنا
وتقاطع أنشطتنا باستمرار خلال اليوم إلى درجة عدم قدرتنا على الالتزام بمهمة واحدة لبضع ساعات، وينطوي هذا التشتيت المستمر على الكثير من الآثار السلبية بما فيها تلك التي تطال أداءنا في العمل. وعلى الرغم من ذلك فإن ثمة جانباً إيجابياً غير متوقع لكل هذا وهو تحسين الذاكرة.
تأثير الكلمات والصور في تحسين الذاكرة
كشفت عن هذه النتيجة المفاجئة دراسة كندية أُجريت على 200 شخص تتراوح أعمارهم بين 67-68 عاماً ثم قارن الباحثون أداء ذاكرتهم بذاكرة مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 19-20 عاماً، باستخدام جهاز لتقييم ذاكرة الأشخاص الذين شملهم الاختبار. طُلب من المشاركين في التجربة حفظ قائمة تتألف من 20 كلمة واختبر الباحثون قدرتهم على تذكرها مباشرة
ثم أوضحوا لهم أنهم سيعيدون اختبارهم بعد 15 دقيقة. وفي هذه الأثناء جلس المشاركون أمام شاشة عُرضت عليهم من خلالها بعض الصور وطُلب منهم الضغط على زر عندما يلاحظون رسماً مطابقاً لرسم عرض سابقاً وأرفقت هذه الصور بـ 10 كلمات من القائمة السابقة بينما أرفق بعضها الآخر بكلمات أخرى لا معنى لها، وطُلب من المشاركين تجاهل جميع الكلمات. بعد هذا التمرين أُجري اختبار تذكر ثانٍ للمشاركين وسجل الباحثون النتائج.
تأثير سياق التعلم في الذاكرة لدى كبار السن
يُعد تراجع وظيفة الذاكرة مع التقدم في السن ظاهرة معروفة ومن ثم فإن النتيجة الأولية التي خلص إليها البحث لم تكن مفاجئة، فقد حقق الشباب نقاطاً أعلى من كبار السن في اختبار التذكر التقليدي الأول. أما نتيجة الاختبار الثاني فقد كانت مختلفة تماماً فقد كانت قدرة كبار السن على تذكر الكلمات المرفقة بالصور مساوية لقدرة التذكر لدى الشباب. ومن جهة أخرى فإن قدرتهم على تذكر الكلمات العشر الأخرى التي لم تُرفق بصور كانت أقل.
المشتتات قد تحد من النسيان المرتبط بالتقدم في السن
لكن ما تفسير هذه النتيجة؟ التفسير الأوليّ هو أن التكرار المستمر يسمح بترسيخ المحفوظات في الذاكرة، ومن المعلوم أن الطفل الذي يرغب في تعلم جداول الضرب مثلاً يلجأ إلى التكرار كأحد أهم سبل ترسيخ المحفوظات في ذاكرته، أما ما أضافته هذه التجربة فهو أن عرض العناصر المحفوظة مسبقاً على كبار السن مرفقةً ببعض المشتتات، كان كافياً لتعزيز وظيفة التذكر لديهم لتصبح مساوية لوظيفة التذكر لدى الشباب.
لذلك فإن أبرز النتائج التي توصل إليها البحث هي أن السياق الذي تجري ضمنه عملية الحفظ هو الأهم؛ أي أن التعلم لا يتعلق بتلقي معلومة جديدة فقط بل بالسياق الذي يتلقى ضمنه المتعلم هذه المعلومة. ويختلف تأثير السياق وفقاً لعدة متغيرات، ففي هذا البحث مثلاً تبين أن ما يُعد مصدر تشتيت بالنسبة إلى الشباب كان له دور معزز لوظيفة الحفظ عند كبار السن، لذلك يتعلم كبار السن بصورة أفضل عندما لا يركزون على مهمة ما بينما يحتاج الشباب إلى التركيز للحفظ.
دور فيسبوك في تحسين الذاكرة لدى كبار السن
ما علاقة كل ما سبق باستخدام فيسبوك؟ تؤدي شبكة فيسبوك الدور ذاته لتجربتنا السابقة؛ إذ تقدم المشتتات والمعلومات المركزة، ومن ثم فإنه يمكن استخدامها بطريقة فعالة لتحسين الذاكرة لدى كبار السن عبر ربط المعلومات التي تهمهم كمواعيد المعاينات والعلاجات القادمة (معلومات مركزة)، بالرسائل التي يقرؤونها يومياً على فيسبوك (مشتتات) وعرضها عليهم بصورة متكررة.