من القفز المظلي إلى الغوص في أعماق البحار: لماذا يجد البعض سعادتهم في المخاطرة؟

المخاطرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: خوض المخاطرة والمغامرات الممتعة يجعلنا في غاية السعادة حيث تفرز أجسامنا دفقة كبرى من هرمون الأدرينالين، ولكن البعض يتمادون ويخوضون مغامرات خطيرة قد تودي بحياتهم، فلماذا يفعلون ذلك؟

كان العالم يحبس أنفاسه خلال الأيام القليلة الماضية وهو يتابع مستجدات قصة الغواصة الاستكشافية، تيتان، التي تملكها شركة أوشن غيت إكسبدشنز (OceanGate Expeditions) في أثناء رحلة غوصها إلى موقع حطام السفينة تيتانك؛ حيث أعلن خفر السواحل الأميركي عن فقدان الغواصة في المحيط الأطلسي ويُرجح أنها تعرضت إلى انفجار داخلي كارثي أودى بحياة ركابها الخمسة. في بيان لها قالت شركة أوشن غيت إن “هؤلاء الرجال كانوا مستكشفين حقيقيين يتشاركون روح المغامرة المميزة، ولديهم شغف عميق لاستكشاف محيطات العالم وحمايتها”. وإذا كان ثمة تساؤل يمكن أن تثيره قصة الغواصة فهو: لماذا يجد البعض سعادتهم في المخاطرة بحياتهم؟ لعلكم تجدون إجابة في هذا المقال.

كيف يصنع دماغك سعادتك؟

تؤكد المتخصصة في علم النفس الصناعي والتنظيمي، الدكتورة إيرين إيتوغ (Erin Eatough)، أن ثمة بعض الهرمونات والناقلات العصبية التي تقودنا إلى السعادة؛ حيث تنظم تلك المواد الكيميائية سلوك البشر وتشجعه على البحث عن المتعة وتجنب الألم من أجل ضمان بقائه على قيد الحياة. يمكن أن يساعدك فهم هذه المواد الكيميائية وكيفية عملها على وضع استراتيجيات محددة للشعور بالتحسن، وتشمل الهرمونات الأربعة الرئيسية المعززة للسعادة ما يلي:

  1. الدوبامين: ناقل عصبي يرسل الإشارات بين الخلايا العصبية، وهو لا يتحكم بالاستجابات العقلية والعاطفية فحسب، بل بردود الفعل الحركية أيضاً. يُعرف الدوبامين بأنه “هرمون السعادة” والمحرك الرئيسي لنظام المكافأة في الدماغ؛ حيث يرتفع عندما نخوض تجربة ممتعة.
  2. السيروتونين: مادة كيميائية تنقل الرسائل بين الخلايا العصبية في الدماغ وبين جميع أنحاء الجسم، ولها دور رئيسي في التأثير على بعض وظائف الجسم مثل المزاج والنوم والرغبة الجنسية. حين يكون هرمون السيروتونين في المستوى الطبيعي يشعر الإنسان بقدرة أكبر على التركيز، ودرجة أعلى من الاستقرار العاطفي والسعادة والهدوء. ويرى المدير الطبي لعيادات ذوات، الدكتور عماد تنكل، أن السيروتونين هو الهرمون الرئيسي للشعور بالسعادة؛ أما الهرمونات الأخرى مثل الأدرينالين والدوبامين فإنها توصل الشخص إلى السعادة الزائفة.
  3. الإندورفين: ناقل عصبي يساعد في تخفيف الألم وتقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية، وعادة ما يُفرز في أثناء ممارسة الأنشطة الممتعة مثل الرياضة وتناول الطعام والجنس.
  4. الأدرينالين: يشير الاستشاري ورئيس قسم الغدد والسكري بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية، الدكتور رائد الدهش، إلى أن الجسم يفرز هرمون الأدرينالين في حالات الطوارئ وفي حالات الشعور بالإثارة القصوى، مثل ممارسة الرياضات الخطيرة كسباق السيارات وركوب الأمواج والقفز المظلي أو القفز من المرتفعات. ويترافق مع إفراز الأدرينالين في الجسم عدة أعراض مثل زيادة مستوى الطاقة.

ما الذي يجعل البعض يسعدون بالمخاطرة؟

تعتقد أخصائية علم النفس الإيجابي التطبيقي، أيه جيه آدمز (A.J. Adams) أن المخاطرة بحكم التعريف تتحدى فكرة الفطرة السليمة؛ فليس من المنطقي أبداً القفز المظلي من الطائرة أو تسلق الجبال أو الغوص في أعماق البحر. ولكن ثمة أمراً محيراً في المخاطرة، قوة استفزازية تدفعنا نحو المجهول وتجعل عدم اليقين المصاحب للمخاطرة أكثر إثارة، وربما هذا ما يجعل البعض يسعدون بالمخاطرة إضافة إلى بعض الأسباب الأخرى مثل:

  1. المخاطرة تجعلك تشعر بالحيوية والقوة التي لا تقهر: أجرت المكتبة الوطنية للطب (National Library of Medicine) دراسة بحثية خلال عام 2021 وتوصلت من خلالها إلى نتيجة مفادها أن الإثارة التي توفرها الرياضات الخطرة مثل التزلج على الجليد، وركوب الأمواج، وتسلق الصخور، والقفز بالمظلات أو الغوص في أعماق البحار تتيح للمرء أن يشعر بالحرية والقوة التي لا تقهر. فالأدرينالين الذي يفرزه الجسم يساعدك على تجاوز حدودك وتجاوز خوفك؛ حيث يزيد اندفاع الأدرينالين من تسريع تدفق الدم إلى العضلات والدماغ، ما يزيد من الإحساس بالسعادة. ولكن الجانب المظلم للمخاطرة هو أن محبيها لا يكتفون ويستمرون بالبحث عن جرعات أعلى من الإثارة، وبالتالي يبحثون عن تحديات أخطر.
  2. الثقة المفرطة في القدرات: أحد أسباب خوض الناس للمخاطر هو الثقة المفرطة في قدراتهم؛ ويحدث هذا تحديداً عندما يؤدي الإنسان مهمة لفترة طويلة من الزمن ويألفها معتقداً أنه محصن ضد الحوادث، ولهذه المبالغة في تقدير القدرات دور كبير في قبول الإنسان لمخاطر أكبر دون التفكير في العواقب الغير المتوقعة.
  3. المخاطرة تعزز النمو الشخصي: وفقاً لأساتذة الدراسات الثقافية والسياسة في جامعة تشارلز ستروت الأسترالية، جون تولوك (John Tulloch) وديبورا لوبتون (Deborah Lupton)، المخاطرة جزء من تحقيق الذات إذ تولد لدى الإنسان شعوراً بالإثارة يعزز نموه الشخصي، لأن المخاطرة تنطوي على وضع كل شيء على المحك وبالتالي تجعل الإنسان أكثر عرضة لتقبل الخسارة.
  4. التأثير الاجتماعي للأصدقاء: غالباً ما يبدأ سلوك المخاطرة خلال سنوات المراهقة، ويكون انخراط الكثير من المراهقين في السلوكيات المحفوفة بالمخاطر سلوكاً مؤقتاً مدفوعاً عادة بتأثير الأصدقاء.
  5. جينات المخاطرة: أشارت أستاذة الاقتصاد بكلية كيلوغ للإدارة في جامعة نورث وسترن، كاميليا كونن (Camelia M. Kuhnen) إلى أن بعض الأشخاص يملكون جينات المخاطرة؛ فإذا كان الشخص على سبيل المثال يحمل جيناً يسمى “دي آر دي 4” (DRD4)، الذي ينظم مستويات الهرمون في مركز المكافأة في الدماغ، فسيكونمحباً للمخاطر أكثر بنسبة 25% من غيره.

إرشادات لتذوق متعة المغامرة دون التعرض للخطر 

حين نفكر في تذوق متعة المغامرة، أول ما يخطر ببالنا هو الاندفاع نحو الأنشطة الخطرة مثل القفز بالمظلات وركوب الأمواج وصعود الجبال، ولكن الحقيقة هي أن المغامرة يمكن أن تتخذ أشكالاً عديدة وتظل ممتعة في حال اتباع الإرشادات التالية:

  1. احصل على جرعات صغيرة من المخاطرة: لا يعني تعيش حياة مليئة بالمغامرات الانخراط في رياضات جسدية خطيرة أو المغامرة في زوايا غير معروفة من العالم. أنت تعيش حياة مليئة بالمغامرات من خلال تبني فكرة عدم اليقين والانخراط في أفعال ذات نتائج غير متوقعة.
  2. توقع الفشل واستعد للخسارة: أجرى الباحثان في جامعة نيويورك كولين كامرير (Colin F Camerer) وإليزابيث فيلبس (Elizabeth A Phelps)، تجربة لعب القمار حيث طُلب من بعض المشاركين توقع الخسارة، ولم يُطلب من المشاركين الآخرين. من المثير للاهتمام أن الباحثَين وجدا أن المشاركين الذين توقعوا الخسارة قدموا أداء أفضل من أقرانهم، وتوصلا إلى نتيجة مفادها أن معرفة الخسائر المحتملة للمخاطرة تدفع إلى اتخاذ قرارات إيجابية أكثر بشأن المخاطرة.
  3. تعرف إلى توازن المخاطر الأفضل لك: من المريح جداً أن نعيش حياة آمنة يمكن التنبؤ فيها بكل شيء؛ حياة خالية من المفاجأة والنمو، ولكن حينها سوف يصيبنا الملل. ومن الجميل أن نعيش حياة مليئة بالمغامرة ونلاحق أحلامنا ورغباتنا، ولكن حينئذ سوف نفقد الأمان والهدوء. إذاً، ماهو الحل؟ الحل يمكن في توازن المخاطر: العثور على السعادة في روتين الحياة اليومية، ودمج التشويق والإثارة والنمو في الحفاظ على حياتنا من الخطر؛ من هنا تأتي المخاطرة الإيجابية والحصول على دفقة السعادة دون التعرض للخطر.

في النهاية، هل تجعلنا المخاطرة أكثر سعادة؟ الإجابة هي نعم، فالحياة مملة للغاية وغير محتملة دون خوض متعة المغامرات واستكشاف المجهول، ولكن المهم هو خوض تلك المغامرات دون أن نعرض حياتنا للخطر، فالسعادة موجودة في الكثير من متع الحياة ولا يقتصر وجودها على المغامرات الخطرة.