دراسة تقدم وصفة لتحسين الصحة النفسية: مخلل كوري وحساء ياباني!

8 دقائق
صحة الأمعاء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

لا يقتصر دور أمعائك على الهضم فحسب، بل تساعد أيضاً على تنظيم مزاجك! إذ كشفت دراسة جديدة منشورة في مجلة إي إم بي أو للطب الجزيئي (EMBO Molecular Medicine) في فبراير/ شباط عام 2025، أن بكتيريا الأمعاء تنتِج مواداً طبيعية تُهدِّئ منطقة دماغية رئيسية مسؤولة عن القلق.

إذ أظهرت التجارب التي أجراها الباحثون على الفئران الخالية أمعاؤها من الميكروبات، أن نقص ميكروبات الأمعاء يؤدي إلى زيادة القلق، في حين أن استعادة بعض من بكتيريا الأمعاء أو من المواد التي تفرزها ساعد على عكس هذا التأثير. فما الذي توصلت إليه الدراسة بالتحديد؟ وكيف يمكنك الاستفادة منها لتعزيز صحتك النفسية؟ إليك التفاصيل.

اقرأ أيضاً: ما تأثير بكتيريا الأمعاء في اضطراب مزاجك؟ وكيف تحسن عملها؟

ما الجديد فيما توصل إليه الباحثون؟

كشفت هذه الدراسة عن صلة مباشرة بين بكتيريا الأمعاء وسلوك القلق الذي تنظّمه اللوزة الدماغية؛ إذ وجد الباحثون أن الفئران التي نشأت دون ميكروبات معوية تظهِر سلوكيات قلق متزايدة ونشاطاً مفرطاً في اللوزة القاعدية الجانبية، وهي منطقة دماغية مسؤولة عن تنظيم الخوف والقلق، فضلاً عن افتقارها إلى الوظيفة الطبيعية لقنوات البوتاسيوم التي تنظم استثارة الخلايا العصبية.

بكلمات أُخرى، يؤدي غياب ميكروبات الأمعاء إلى زيادة استثارة الخلايا العصبية داخل اللوزة الدماغية المسؤولة عن معالجة الخوف والقلق، ويسبب هذا النشاط العصبي المفرط بدوره ظهور سلوكيات شبيهة بالقلق لدى الفئران.

لكن اللافت للانتباه هو أن هذه التغييرات قابلة للعكس؛ إذ تبين أن إدخال بكتيريا معوية طبيعية أو التغذية بالمكملات الغذائية المشتقة من الاندولات (مواد كيميائية تفرزها الميكروبات المعوية نتيجة استقلاب الحمض الأميني التربتوفان المتوافر في الغذاء)، يعيد وظيفة قنوات البوتاسيوم، ويقلّل فرط الاستثارة في اللوزة الدماغية، كما يخفَّض السلوكيات المرتبطة بالقلق بدرجة ملحوظة.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى أفضل الأغذية للعناية بأمعائك

كيف يمكن الاستفادة من هذه النتائج في تعزيز الصحة النفسية؟ وما علاقة الأطعمة المُتَخمِّرة بالأمر؟

على الرغم من أن الدراسة الآنفة الذكر لم تدرس تأثير نظام غذائي محدد أو طعام معيِّن مباشرة، لكنها تُعزز الأدلة المتزايدة التي تربط بين صحة ميكروبات الأمعاء ووظائف الدماغ والصحة النفسية. وهذا ما يؤكده استشاري الطب النفسي واضطرابات المزاج، سعيد عبدالوهاب عسيري، مشيراً إلى أن النظام الغذائي قد يكون علاجاً محتملاً في حالات مثل القلق والاكتئاب.

فمحور الأمعاء والدماغ هو حلقة وصل حيوية تحصل بين الأمعاء والدماغ، حيث يرتبط الجهازان عبر الأعصاب والهرمونات والإشارات المناعية، ما يسمح لهما بالتأثير بعضهما في بعض، فعندما يختل توازن ميكروبيوم الأمعاء يمكن للبكتيريا الضارة حينها أن تسبب التهاباً قد يؤثّر في وظائف الدماغ، وقد يرتبط هذا الخلل بمشكلات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب.

باختصار، تدعم الأمعاء السليمة صحة الدماغ، بينما قد تؤثر أي اضطرابات في بكتيريا الأمعاء سلباً في المزاج والإدراك. إذاً، يساعد الحفاظ على صحة الأمعاء من خلال اتباع نظام غذائي متوازن وتناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك، على تحسين الصحة النفسية من خلال دعم هذه الصلة المعقدة بين الأمعاء والدماغ، وهنا نصل إلى تأثير الأطعمة المتخمّرة، وإليك كيف تفيد.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تربط بين تناول المراهقين للغذاء غير الصحي والضيق النفسي

كيف تدعم الأطعمة المتخمّرة الصحة النفسية؟

بداية، الأطعمة المتخمرة هي -مثلما يوحي اسمها- أطعمة خضعت لعملية تخمير؛ وهي عملية تحلِّل فيها البكتيريا والخمائر مكونات الطعام وتحولها إلى منتجات أُخرى تحت ظروف لا هوائية. على سبيل المثال، تحوّل السكريات إلى أحماض عضوية وغازات وكحولات، ما يعطي الأطعمة المتخمرة مذاقها ورائحتها.

وثمة العديد من هذه الأطعمة، مثل الألبان والمخللات واللحوم المخمرة ومخلل الكيمتشي (طعام كوري مصنوع من تخمير الملفوف والثوم والفلفل الأحمر) وحساء الميسو (طبق ياباني تقليدي تذاب فيه عجينة سميكة مصنوعة من فول الصويا المتخمر) وغيرها الكثير.

أما عن فائدتها، فقد خلصت مراجعة منشورة في مراجعات علم الأعصاب والسلوك الحيوي (Neuroscience and Biobehavioral Reviews) عام 2024، أن الأطعمة المتخمرة تحسّن الصحة النفسية إذ تؤثر في محور الدماغ والأمعاء عبر ما يلي:

  • تعديل ميكروبات الأمعاء: الأطعمة المتخمرة غنية بكل من البروبيوتيك (Probiotics)؛ وهي بكتيريا وخمائر حية تغذّي الأمعاء بمزيد من البكتيريا النافعة، والمركبات النشطة بيولوجياً مثل الببتيدات والبوليفينولات، وهذا ما يمكّنها من تعزيز توازن الميكروبيوم في الأمعاء، وزيادة إفراز نواتج استقلابية مفيدة؛ مثل الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة التي لها تأثيرات مضادة للالتهابات.
  • دعم وظيفة المناعة وتقليل الالتهابات: يمكن للميكروبات الموجودة في الأطعمة المتخمرة ونواتج استقلابها أن تعدّل الاستجابات المناعية في الأمعاء، وتقوّي الحواجز المعوية والدموية الدماغية، ما يمنع دخول البكتيريا والسموم إلى الدورة الدموية ويقلل الإصابة بالالتهاب.
  • تنظيم الغدد الصماء المعوية: وتحسين إفراز بعض هرمونات الأمعاء؛ مثل السيروتونين وهرمونات أخرى مرتبطة بإطلاق الإنسولين وتنظيم الشهية، ما يؤثّر في الحالة المزاجية والقلق وسلوك التغذية.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر طعامك في صحتك النفسية؟

7 نصائح لتجعل نظامك الغذائي يخدم صحتك النفسية

بناءً على نتائج الدراسات السابقة، إليك بعض الطرق العملية لدعم صحة الأمعاء وتقليل القلق:

  1. تناول الأطعمة المتخمرة: مثل الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك مثل الزبادي والكفير والملفوف المخلل والكيمتشي والميسو لتعزيز البكتيريا المعوية المفيدة.
  2. تناول الأطعمة الغنية بالاندول: يتوافر الاندول، وهو مادة كيميائية نباتية، في بعض النباتات والخضروات؛ مثل البروكلي والملفوف والقرنبيط.
  3. اتبِع نظاماً غذائياً متنوعاً: تناوُل مجموعة متنوعة من الأطعمة يمكن أن يساعد في الحفاظ على ميكروبيوم صحي.
  4. احرص على تناول ما يكفي من الألياف: يمكن الحصول عليها من الخضروات والحبوب الكاملة والفاكهة. فضلاً عن ذلك، تحتوي الأطعمة الغنية بالألياف على البريبيوتك (Prebiotic)؛ وهو مكونات لا تستطيع الأمعاء هضمها بالكامل، مثل السكريات قليلة التعدد والإينولين والبكتين. يعمل البريبيوتك جنباً إلى جنب مع البروبيوتيك في الحفاظ على توازن الميكروبيوم في الأمعاء، علاوة على أن البريبيوتك يغذّي بكتيريا الأمعاء ويساعدها على النمو.
  5. تجنب الإفراط في استخدام المضادات الحيوية: تناول المضادات الحيوية فقط عند الضرورة، لأنها تقلل تنوع ميكروبيوم الأمعاء وتخلّ بالتوازن.

اقرأ أيضاً: لماذا قد يصيبك تناول المضادات الحيوية بالقلق والاكتئاب؟

  1. تجنب الإفراط في تناول الملح: تحتوي بعض الأطعمة المتخمرة، مثل بعض أنواع المخللات، على نسبة عالية من الصوديوم، ما قد يؤثر سلباً في صحة الأمعاء.
  2. احرص على الاستمرار: فالاستهلاك طويل الأمد أكثر فائدة من تناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة بصورة متقطعة. كما من الأفضل تناول الأطعمة المتخمرة بالتدريج ومراقبة رد فعل الجسم عليها؛ إذ قد تختلف استجابة الجسم بناء على عوامل مختلفة مثل تركيبة ميكروبات الأمعاء والنظام الغذائي العام.

ختاماً، ينبغي التنويه إلى أن النظام الغذائي، بما فيه الأطعمة المتخمرة، ليس بديلاً عن العلاج والأدوية في حال الإصابة بمشكلة نفسية ما؛ لذا لا بُد من استشارة الطبيب أو المعالج عند معاناة القلق أو الاكتئاب أو التقلبات المزاجية.

المحتوى محمي