تقرير خاص

كيف وظفت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة قوة البيانات لتحقيق رفاه الأطفال؟

3 دقيقة
هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

سيلٌ من البيانات يصاحب الطفل منذ ولادته، بدءاً من تسجيل بياناته الصحية والديموغرافية لحظة الولادة، وحتى التحاقه بالمدرسة. ففي كل مرحلة يمر بها الطفل يتولد المزيد من البيانات في الهيئات المختلفة مثل الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وغيرها. وعلى الرغم من دور البيانات في خدمة الطفل وتلبية احتياجاته، فإن تأثيرها يظل محدوداً طالما كان كل منها بمعزل عن الآخر.

فعلى سبيل المثال؛ قد يواجه أحد الأطفال تحدياً في تحصيله الدراسي، ولا يتبيّن لنا السبب بالبحث في البيانات المتوفرة عنه في قطاع التعليم لأن السبب الأساسي يعود إلى مشكلة صحية تُلازمه منذ الولادة، وهي مذكورة ضمن بياناته في القطاع الصحي.

وهنا يكمن الحل في التغلب على تحديَين أساسيَّين؛ الأول هو صعوبة توحيد البيانات المتعلقة بالطفل من الهيئات المختلفة مجتمعةً لتكوين رؤية واضحة ودقيقة عن وضع الطفل، والثاني هو تحفّظ الهيئات عن مشاركة بياناتها بسبب الخصوصية.

استطاعت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة (ECA) مواجهة التحديين، وتوظيف البيانات لتحقيق رفاه الأطفال في برنامجها "منظومة البيانات الشاملة لأطفال أبوظبي" (Child Insights System)؛ الذي حصد جائزة "الإمارات تبتكر" 2022 ضمن فئة أفضل ابتكار في الخدمات الاجتماعية. فكيف واجهت الهيئة التحديين؟ وكيف تمكّن برنامجها من توظيف البيانات لخدمة الأطفال؟

التحدي الأول: البيانات المتعلقة بالطفل متوفرة ولكن بعضها بمعزل عن بعض

تدعم هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة مسيرة التنمية الشاملة للأطفال منذ فترة الحمل وحتى سن الثامنة، من خلال وضع السياسات والتشريعات المستندة إلى البحوث العلمية. وتركز خلال عملها على 4 ركائز تتمحور حول الطفل؛ وهي حماية الطفل، والصحة والتغذية، ودعم الأسرة، والرعاية والتعليم المبكران.

تُعد البيانات ركيزة أساسية لخدمة تنمية الطفل في القطاعات الأربعة. فمثلاً؛ تسهم البيانات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، وفقاً لدراسة نشرتها مجلة "نيتشر" (Nature)، في تحديد الأنماط المرتبطة بأمراض الطفولة من خلال الجمع بين البيانات من المصادر التقليدية مثل السجلات الصحية الإلكترونية، ونتائج الأشعة والتحاليل، مع المصادر الديموغرافية والثقافية والبيئية.

لذلك؛ أطلقت الهيئة برنامج منظومة البيانات الشاملة لأطفال أبوظبي لجمع بيانات الأطفال من أكثر من 15 جهة حكومية، واستُخدام كلٌ من التعلم الآلي والنمذجة المتخصصة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، لفهم التحديات التي تواجه الطفل وتفسيرها وإيجاد الحلول لها، ثم مشاركتها مع صُنّاع السياسات في مجال تنمية الطفولة المبكرة لاتخاذ القرارات المناسبة.

وتوضح رئيسة قسم علوم البيانات بقطاع المعرفة والريادة بالهيئة، صالحة سليمان العزري، آلية عمل البرنامج التي تسير وفق 4 مستويات هي: تأمين الوصول إلى البيانات وفق معايير الأمن السيبراني الخاصة بالحكومة الاتحادية وحكومة أبوظبي، وضمان جودة البيانات وفق معايير موحدة، واستخدام التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، وأخيراً طريقة عرض البيانات بحيث تُعلاض بطريقة مؤتمتة ومبرمجة بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي باستخدام رسوم توضيحية تفاعلية تُقدَّم لصُنّاع القرار وأصحاب العلاقة من الجهات المختلفة.

وبدأ البرنامج بتحديد 7 محاور تضم أهم التحديات التي يواجهها الأطفال في المراحل المبكرة، وذلك بالاستعانة بخبراء دوليين؛ وهذه المحاور هي: الوفيات بين الرُّضّع، وصحة الأمهات، وصحة الطفل، وحماية الطفل، والدعم الأسري، والأطفال من أصحاب الهمم، والتعليم المبكر. ويضم كل محور، وفقاً لصالحة، حالتين دراسيتين على الأقل، يعمل عليهما البرنامج.

الحالة الدراسية: المواليد من أصحاب الأوزان المنخفضة عن الوزن الطبيعي

إحدى الحالات التي عمل برنامج منظومة البيانات الشاملة لأطفال أبوظبي على تحليلها هي "معرفة تبعات حالة المواليد من أصحاب الأوزان المنخفضة عن الوزن الطبيعي". يتتبّع البرنامج حالة 7,000 طفل من أصحاب الأوزان المنخفضة منذ الولادة وحتى عمر 5 سنوات، لتحديد التحديات الصحية والتطور الصحي لهؤلاء الأطفال.

وبناءً على النتيجة الجديدة؛ طلبت مؤسسة زايد من دائرة الصحة إضافة مؤشر الوزن، فإذا كان وزن الطفل منخفضاً عن الطبيعي يُسجَّل في قاعدة البيانات تلقائياً ويتلقى الدعم المناسب.

وهكذا تتحول الاستجابة الحكومية تجاه هذا التحدي وغيره من استجابة رد الفعل إلى الاستجابة الاستباقية، لتوفير الدعم الكافي لرعاية الأطفال صحياً وتعليمياً واجتماعياً.

التحدي الثاني: مخاوف الجهات من مشاركة البيانات بسبب خصوصيتها

تسمح أنظمة البيانات المتكاملة بمشاركة البيانات عبر الهيئات المختلفة؛ ما يخلق مخاوف بشأن خصوصية هذه البيانات. لذلك؛ اتخذت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة عدة خطوات لمنح الجهات المشارِكة الثقة في إجراءات البرنامج بشأن خصوصية البيانات.

فمثلاً؛ قامت الهيئة طواعيةً بقياس أداء برنامج منظومة البيانات الشاملة لأطفال أبوظبي بمبادئ البيانات المسؤولة للأطفال (RD4C) التي طورتها اليونيسيف، وقد أجرى فريق من اليونيسف تقييماً للبرنامج واعترفوا به بوصفه برنامجاً عالميَّ المستوى.

ويقتصر الوصول إلى البيانات على المستخدمين المعتمَدين بناءً على معايير مثل خبرة المستخدم الموثقة في التعامل مع البيانات الحساسة، أو إكماله لأوراق اعتماد الحكومة الخاصة بإدارة البيانات.

كما تتواصل الهيئة مع الجهات المشارِكة بدءاً من قادتها وحتى فرقها التقنية لاستعراض معايير الأمن السيبراني وأمن المعلومات السحابية ومدى توافقها مع معايير حكومة أبوظبي؛ ما يمنح هذه الجهات الاطمئنان بشأن مشاركة بياناتها.

كان العام الأول هو الأكثر صعوبة بشأن مشاركة البيانات، وفقاً لصالحة العزري؛ ولكن الآن وبعد 3 سنوات من بدء البرنامج، تُبادر جهات كثيرة بالتواصل مع البرنامج لمشاركة بياناتها وتحديثاتها.

تهدف هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة من خلال توظيف البيانات عبر البرنامج، إلى التأثير تأثيراً مباشراً في حياة ما يزيد على 350,000 طفل إماراتي ومقيم في أبوظبي، من خلال فهم تحديات الطفولة المبكرة، وإيصالها إلى صُنّاع السياسات لاتخاذ القرارات المناسبة على نحوٍ استباقي وتحقيق رفاه الأطفال.