ملخص: لا أحد يختلف على أن السرقة فعل إجرامي؛ لكنه أحياناً لا يكون مدفوعاً بالحاجة المادية أو الرغبة في الاستيلاء على مقتنيات ثمينة؛ إنما يكون نتيجة ضعف التحكم في الانفعالات إلى جانب الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية. تعرف معنا في هذا المقال إلى اضطراب هوس السرقة أو "كليبتومانيا" (Kleptomania).
محتويات المقال
استقالت مؤخراً النائبة البرلمانية النيوزلندية غولريز قهرمان (Golriz Ghahraman) بعد اتهامها بسرقة متجر للملابس الفاخرة، وقالت قهرمان في أول تصريح صحفي: "تتأثر صحتي النفسية بشدة نتيجة الضغوط الناتجة من عملي؛ ما دفعني إلى التصرف بطرائق خارجة عن طبيعتي تماماً.أنا لا أريد الاختباء وراء مشكلات الصحة النفسية التي أعانيها، وأتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعالي التي أشعر بالأسف الشديد تجاهها. ينبغي للناس فعلاً أن يتوقعوا أعلى معايير السلوك من ممثليهم المنتخبين. لقد قصّرت. أنا آسفة".
وقد أثارت الحادثة تساؤلات عديدة؛ أهمها: هل يمكن للمشكلات النفسية أن تدفع الناس إلى السرقة القهرية فعلاً؟ في الواقع، توجد حالة نفسية تُسمى "هوس السرقة" أو "كليبتومانيا" (Kleptomania)، ومن المهم التعرف إلى أعراضها وأسبابها وعلاجها، حتى نستطيع التفريق بين مَن يسرق لاإرادياً ومَن يسرق بهدف تحقيق مآرب شخصية.
اقرأ أيضاً: ما أعراض التوتر المزمن؟ وكيف يمكن علاجه؟
ما هو هوس السرقة؟
يُسمى أيضاً بـ "السرقة القهرية"؛ وهو اضطراب نفسي حقيقي؛ لكنه كما ينص الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DMS-5) نادر جداً؛ إذ يحدث عند 0.3-0.6% من الأشخاص، ويظهر في السرقة اللاإرادية التي لا تنمّ عن الرغبة في الربح أو تهدف إلى الحصول على مقتنيات ثمينة، وهو نوع من اضطرابات السيطرة على الاندفاع؛ أي يتسم بصعوبة مقاومة الإغراء أو الرغبة الملحّة في ارتكاب فعل متطرف.
اقرأ أيضا: 6 أسباب تفسر التعاطف مع المجرمين في الأفلام والانجذاب إليهم
لماذا قد يُصاب البعض بهوس السرقة؟
ما زالت أسباب هوس السرقة غير مفهومة تماماً؛ لكن ثمة بعض الفرضيات التي قد تفسرها؛ أهمها وجود خلل في الناقلات العصبية في الدماغ، وعلى وجه التحديد، انخفاض مستويات السيروتونين في الدماغ؛ وهو ناقل عصبي يساعد على تنظيم المزاج والانفعالات، وقد لوحظ أن مستوياته تكون منخفضة عند الأشخاص المعرضين إلى سلوكيات اندفاعية.
وقد يؤدي وجود خلل في نظام إفراز المواد الأفيونية في الدماغ إلى الإصابة بهوس السرقة؛ إذ يتولى هذا النظام تنظيم الرغبات الملحة، ويؤدي اضطرابه إلى جعل مقاومتها أمراً صعباً. بالإضافة إلى أن الاستجابة إلى الرغبات القسرية تؤدي إلى شعور مؤقت بانخفاض التوتر والتحرر من إلحاح تلك الرغبات، فينتج من تلك الاستجابة اكتساب عادة راسخة يصعب التخلص منها.
بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى قد تسهم في تطور هذا الاضطراب؛ مثل إذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بهوس السرقة أو الإدمان، وكذلك التعرض إلى الصدمات النفسية، خصوصاً في سن الطفولة، ومن الجدير بالذكر إن هوس السرقة أكثر شيوعاً عند الإناث من الرجال. ففي الواقع، ثلثا الأشخاص المشخصين بهوس السرقة من الإناث.
ويضيف إلى الأسباب السابقة الطبيب النفسي ابراهيم بوخمسين مؤكداً أن التعرض إلى الضغوط النفسية بكثرة قد يسهم في نشوء الاضطراب؛ لكن يحدث ذلك فقط عند الأشخاص الذين يتمتعون باستعداد مسبق للإصابة بالاضطراب، وليس عند الجميع.
اقرأ أيضاً: المعدة النفسية: أسبابها وأعراضها وعلاجها المحتمَل
تعرف إلى أعراض هوس السرقة
أهم ما يميِّز اضطراب هوس السرقة هو أنه يحدث نتيجة دوافع ملحة يصعب التحكم بها، إلى جانب أن المصابين به إما أنهم لا يستفيدون عموماً مما يسرقونه ولا يحتاجون إليه، وإما أنهم يمتلكون المال الكافي لشراء ما يسرقونه، أو كلتا الحالتين.
وعلى عكس اللصوص الآخرين، فهُم لا يسرقون الأغراض بغية تلبية الحاجة أو تحقيق مكاسب شخصية أو بدافع الجرأة أو التمرد أو إثارة الشغب؛ وإنما نتيجة شعور ملحٍّ قسري يعجزون عن مقاومته. وعادة ما تحدث السرقة فجأة دون تخطيط ودون مساعدة شخص آخر.
أما المسروقات، فغالباً ما يخفونها في مكان بعيد عن الأنظار دون استخدامها، أو يتبرعون بها، أو يقدمونها هدايا للآخرين، أو يعيدونها. عموماً، تشمل أعراض هوس السرقة، ما يلي:
- عدم القدرة على كبح النفس عند الشعور بالحاجة الملحّة إلى السرقة.
- الشعور بالتوتر أو عدم الراحة أو القلق قبل السرقة.
- الشعور بالمتعة أو الراحة أو الرضا في أثناء السرقة أو بعدها.
- الشعور بالخجل أو الذنب أو الندم أو احتقار الذات أو الخزي بعد السرقة.
- الخوف من الاعتقال بعد السرقة.
- استمرار دورة السرقة والمشاعر المرتبطة بها.
وقد يحدث أحياناً بعض المضاعفات والأعراض الأخرى المرتبطة بهوس السرقة؛ مثل:
- الإصابة باضطرابات قهرية أخرى مثل المقامرة القهرية أو التسوق القهري.
- إدمان الكحوليات أو المواد المخدرة الأخرى.
- الإصابة باضطرابات الشخصية.
- الإصابة باضطرابات الأكل.
- الإصابة بالاكتئاب.
- الإصابة بالاضطراب الثنائي القطب.
- الإصابة باضطرابات القلق.
- الأفكار والسلوكيات الانتحارية.
اقرأ أيضاً: متلازمة أليس في بلاد العجائب: الأعراض والأسباب
كيف يمكن تشخيص هوس السرقة؟
وفقاً للطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية؛ فإن معايير تشخيص هوس السرقة تشمل ما يلي:
- الفشل المتكرر في مقاومة الدوافع اللاإرادية لسرقة الأشياء.
- زيادة الشعور بالتوتر قبل ارتكاب السرقة.
- الشعور بالمتعة أو الإشباع أو الراحة وقت ارتكاب السرقة.
- ألا تكون السرقة تعبيراً عن الغضب أو الانتقام وألا تكون استجابة إلى التوهم أو الهلوسة.
- ألا تكون السرقة نتيجة الإصابة بأيٍ من الحالات التالية: اضطراب السلوك، أو نوبة هوس، أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
يمكن تشخيص هوس السرقة بوساطة طبيب نفسي أو معالج نفسي أو أي مختص آخر في الصحة النفسية. وعلى الرغم من أن هوس السرقة قد يترافق مع اضطرابات الصحة النفسية الأُخرى؛ مثل القلق والاكتئاب، فإنه يظلّ تشخيصاً منفصلاً.
لفهم الحالة بوضوح، غالباً ما يسأل مختص الصحة النفسية بعض الأسئلة لتحديد ما يشعر به الشخص قبل السرقة وفي أثنائها وبعدها، للتأكد من أن سلوك السرقة ليس ناجماً عن الغضب أو الأوهام أو الهلوسة أو أي اضطراب آخر في الصحة النفسية.
اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى أعراض الذهان الزوري وعلاجه
ما الأساليب التي يمكن اتباعها لعلاج هوس السرقة؟
يعيش الكثيرون ممن يصابون بهوس السرقة حياة ملؤها الخزي؛ لأنهم يخشون البحث عن العلاج النفسي لاضطراباتهم؛ لكن ترك الاضطراب دون علاج قد يسبب لهم مشكلات خطرة، سواء كانت مشكلات أسرية أو مهنية أو قانونية أو مالية، أو قد يؤدي إلى حالات أو اضطرابات نفسية أخرى مثلما وُضِّح سابقاً.
عموماً، بعد التشخيص بهوس السرقة، عادة ما يُتبع العلاج النفسي أو العلاج الدوائي أو كلاهما، فالعلاج المعرفي السلوكي قد يساعد الأشخاص على فهم الدوافع والمعتقدات والسلوكيات غير الصحية التي يمتلكونها، ويعلهم كيفية الاستجابة إليها بطرائق صحية وإيجابية. كما يمكن لبعض الأدوية؛ مثل مضادات الاكتئاب أو الأدوية المستخدمة في حالات اضطراب الوسواس القهري، أو الأدوية التي توازن المواد الأفيونية في الدماغ أن تفيد في علاج هوس السرقة.
ختاماً، يمكن القول إنه على الرغم من أن اضطراب هوس السرقة ليس شائعاً، فإنه حالة صحية نفسية حقيقية وخطرة، وينبغي لأي شخص يشعر بمثل هذه الرغبات التي لا تُمكن السيطرة عليها أن يلجأ إلى طلب المساعدة من المعالج النفسي واستكشاف أفضل الاختيارات العلاجية.