يشعر مريض الوسواس القهري دوماً أن أفكاره وسلوكياته خارج نطاق السيطرة، لذا يحاول أن يبذل جهده لتخفيف مطاردة تلك الأفكار والسلوكيات له في يومه من خلال الأساليب العلاجية والذاتية، فمثلاً إذا كانت الفكرة الوسواسية متعلقة باحتمالية تعرض منزله للسرقة سيضيع الكثير من وقته في التأكد من إغلاق النوافذ والأبواب قبل كل مرة يغادر فيها المنزل. وبلا شك؛ يجعله هذا الإنهاك النفسي والجسدي يتساءل بإلحاح: "هل سيأتي يوم يختفي فيه مرض الوسواس القهري من حياتي إلى الأبد؟"، لذا نحتاج إلى فهم الطرق المتبعة لعلاج الوسواس القهري، وإذا كان يمكن بالفعل أن يختفي من حياة المريض بتأثير العلاج أو أن احتمالية عودته تظل قائمة.
كيف يتم تشخيص مرض الوسواس القهري؟
لا يوجد هناك اختبار لتشخيص مرض الوسواس القهري؛ إنما يوجه المعالج النفسي العديد من الأسئلة للمريض يحدد بناءً على أجوبتها إصابته، ولا بد أن تتضمن الأجوبة وجود سلوكيات أو أفكار قهرية، إلى جانب استنزاف تلك السلوكيات أو الأفكار لوقته، وتأثيرها في مشاركته في حياته الاجتماعية أو تأدية مهامه الحياتية.
من الجدير بالذكر أنه أحياناً يصعب تشخيص اضطراب الوسواس القهري لتداخل أعراضه مع أعراض اضطراب الشخصية الوسواسية أو اضطراب القلق أو الاكتئاب أو الفصام بعض الشيء، ومن الممكن أيضاً أن يصاب الشخص باضطراب الوسواس القهري إلى جانب اضطراب نفسي آخر في الوقت ذاته.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع مريض الوسواس القهري؟
ما طرق علاج الوسواس القهري؟
يوجد العديد من الأساليب العلاجية للوسواس القهري وتتمثل وفقاً للاختصاصية النفسية أوين كيلي (Owen Kelly) في:
1. العلاج الدوائي
تتنوع الأدوية التي يصفها الأطباء النفسيون لمرضى الوسواس القهري، وينتمي معظمها إلى فئة مضادات الاكتئاب سواء كانت مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية أو مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات.
ورغم تسميتها بمضادات الاكتئاب إلا أنها أثبتت فعاليتها في علاج اضطرابات القلق التي ينتمي إليها الوسواس القهري، وذلك بعملها على زيادة كمية السيروتونين في الدماغ فقد يتسبب نقصه في ظهور اضطراب الوسواس القهري.
وفي بعض الأحيان عندما لا تجدي خطة الدواء المعتادة نفعاً مع المريض، يتم الاتجاه إلى وضع خطة للعلاج المكثف تقوم على استخدام أكثر من دواء لزيادة التأثير.
2. العلاج المعرفي السلوكي
يعد العلاج المعرفي السلوكي فعالاً في تقليل شدة أعراض الوسواس القهري، ويكون عن طريق تطبيق أساليب مختلفة مثل العلاج بالتعرض أو منع الاستجابة، والأول يعني تعريض المريض للمواقف التي تجعل الأفكار أو السلوكيات القهرية تحاصره وذلك وفقاً لآلية معينة، أما الثاني فيتم تدريبه من خلاله على عدم الاستجابة لضغط الأفكار أو السلوكيات تدريجياً.
3. العلاج بالصدمات الكهربائية
قد لا يجدي العلاج الدوائي أو الأساليب المعرفية السلوكية نفعاً مع بعض المرضى، لذلك كان لا بد من البحث عن حل بديل تمثَّل في العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) الذي يستهدف التأثير في دوائر معينة في الدماغ بهدف تقليل أعراض الوسواس القهري.
4. العلاج الذاتي
عادة يقدم المعالج النفسي لمريض الوسواس القهري مجموعة من الإرشادات التي يمكنه تطبيقها ذاتياً؛ مثل ممارسة تقنيات الاسترخاء للتخفيف من التوتر الذي يعد سبباً رئيسياً لظهور أعراض الوسواس القهري، إلى جانب الاهتمام بممارسة الرياضة التي تسهم أيضاً في التخفيف من حدة الاضطراب.
اقرأ أيضاً: علاج الوسواس القهري دون أدوية
هل يمكن الشفاء من الوسواس القهري نهائياً؟
حسناً، حتى نؤسس للإجابة بشكل صحيح يجب علينا أن نفرق بين الإصابة بالوسواس القهري في سن مبكرة والإصابة به في سن متأخرة، فوفقاً لموقع هيلث هارفارد بابليشينغ (Harvard Health Publishing)؛ إذا بدأ علاج الطفل فور إصابته بالوسواس القهري فإن احتمالية تعافيه تماماً عند وصوله إلى سن البلوغ تصل إلى 40%.
ورغم أن البشر يريدون الحصول غالباً على حلول فورية إلا أنه لا توجد حبة سحرية تشفي من أعراض الوسواس القهري، فبحسب الطبيب النفسي فريد بينزل (Fred Penzel) لا تعمل الأدوية على القضاء على الأعراض تماماً؛ إنما هي تقوم بشكل جيد بتحجميها فإذا نجحت في تخفيف الأعراض بنسبة تتراوح بين 60-70% فتلك نتيجة جيدة.
ومن الأمور المهمة التي يلفت بينزل الانتباه إليها هو عدم وجود إجابة مثالية عن سؤال متكرر ألا وهو: ما الدواء الأفضل لعلاج الوسواس القهري؟ لأن كل حالة فريدة بنوعها ولها تفاصيلها الخاصة؛ كما من الضروري معرفة أن الدواء لا يمكن أن يعمل منفرداً إنما يظهر تأثيره باتباع أساليب العلاج الأخرى مثل العلاج المعرفي السلوكي وتغيير نمط الحياة اليومية.
أما المدة التي يستغرقها التعافي فتتفاوت بحسب حالة المريض؛ لكنها تتراوح في المتوسط بين 6-12 شهراً تقريباً، أما إذا كانت الحالة معقدة أو كان الشخص يسير في الخطة العلاجية ببطء فقد تستغرق حينها وقتاً أطول، وينبغي أخذ الحذر في حالة تحول الوسواس القهري إلى مرض مزمن، فسيكون من الضروري عمل خطة إعادة تأهيل للمريض حتى ينخرط في حياته الاجتماعية والمهنية مرة أخرى.
وبحسب المؤسسة الدولية الأميركية للوسواس القهري فلا يوجد طبيب مهما بلغ علمه يستطيع الجزم بالمدة العلاجية لمريضه، فبعض المرضى يمكنهم التوقف عن الدواء بعد 6 أشهر والبعض الآخر يستمر على جرعات منخفضة لعدة سنوات كما يوجد مرضى آخرون يستمرون على الدواء طيلة حياتهم؛ لكن في كل الأحوال من المهم تقليل جرعة الدواء في نهاية الخطة العلاجية تحت إشراف الطبيب حتى لا تتدهور الحالة الصحية للمريض.
اقرأ أيضاً: أفكار مزعجة تتربص بك: تعرف إلى الوسواس القهري وعلاجه
هل يستمر الوسواس القهري مدى الحياة؟
يؤكد لنا الطبيب النفسي فريد بينزل إن الوسواس القهري مرض مزمن؛ ما يعني أنه ليس له علاج نهائي لكنه رغم ذلك يشير إلى أن الاجتهاد للبقاء في وضع أفضل يمثل الـ 50% الخاضعة للتحكم من العلاج، فالدماغ للأسف لا يُصلح نفسه خلال فترة تناول الأدوية ومن ثم يظهر اختلال المواد الكيميائية فيه بنسب مختلفة لذا من الضروري خلال الفترة التالية لسحب الدواء أن يبقى المريض على تواصل مع طبيبه ويُطلعه على أي أعراض استجدت عليه خلال تلك الفترة.
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً فلا يوجد مريض يتعافى تماماً بشكل يقترب من الكمالية المثالية؛ إنما يوجد مريض يرعى تعافيه بشكل مستمر ويطور من استيعابه لمرضه ويكتشف نفسه أكثر ويعرف ما عليه تجنبه وما عليه فعله، وذلك يجعله أكثر قرباً لمسار التعافي على الدوام.
ويشرح الاختصاصي النفسي جيمس كليبورن (James Claiborn) ما يحدث عند انتكاس مريض الوسواس القهري بقوله إن العلاج الناجح يحقق هدفه بترك الشخص مع تكرار أقل للأفكار أو السلوكيات القهرية؛ لكن رغم ذلك يظل بداخل رأسه جزء منها لا يمكن محوه، وفي حال تعرضه لأوقات عصيبة ترتفع فرصة عودته إلى نمط الحياة الذي كان عليه في السابق، لذا تعد أهم المراحل العلاجية تعليم المريض كيفية مواجهة خطر الانتكاس، وتقبّل أنه ستكون هناك فترات صعود وهبوط دوماً لكن المهم كيفية التفاعل مع فترات الهبوط وتجاوزها بنجاح.
اقرأ أيضاً: هل يتحكم الوسواس القهري في علاقتك العاطفية؟ إليك الحل!
إذا كنت تعاني من اضطراب الوسواس القهري فتذكر أنه رغم صعوبة الشفاء منه تماماً إلا أن الأصعب أن تتيح له فرصة التمكن من نفسك وجسدك لأنه، في حال تركه دون علاج، يمكن أن يعطل حياتك في مراحله المتأخرة، لذا لا تتردد في أخذ خطوتك الأولى نحو العلاج لتعيش حياة أفضل.