هل تعتذر دون سبب؟ إليك حل هذه المشكلة

3 دقائق
الاعتذار

اعتاد بعض الأشخاص الاعتذار إلى الآخرين وطلب المغفرة منهم حتى لو لم يرتكبوا أي خطأ بحقهم فما سبب ذلك؟ وكيف يكون الاعتذار في محله؟

الاعتذار هو تعبير عن الحاجة إلى ملء فراغ داخلي

يتملك سلمى ذات الـ 31 عاماً شعور دائم بالذنب، وتقول: "عندما أعجز وفريقي في العمل عن تحقيق هدف ما أشعر أنني المسؤولة عن ذلك، كما أنني ألوم نفسي على كل صغيرة وكبيرة في المنزل. اعتدت منذ كنت طفلة الاعتذار إلى الآخرين لأن الاعتذار يرتبط لديّ بالتهذيب، وذلك على الرغم من أنني أعلم أن شعوري بالذنب يكون مبالغاً فيه معظم الأحيان. يقول مختص علم النفس إيف ألكسندر تالمان: "تحدد التوجيهات التربوية؛ بما في ذلك قواعد التهذيب التي نتلقاها خلال مرحلة الطفولة، سلوكياتنا وأفكارنا". وعندما تترسخ هذه القواعد بطريقة صحيحة لدى الأبناء فإنهم يتمكنون من إدراك مسؤولياتهم؛ الأمر الذي يساعدهم على النضج. ويعلق مختص التحليل النفسي باسكال نيفو قائلاً: "من جهة أخرى عندما لا يعلّم الوالدان الطفل كيف يتعايش مع أخطائه ويتجنب الشعور بالخزي أو تدني قيمته الذاتية بسبب هذه الأخطاء، فقد يتملكه الشعور بالذنب بمرور الوقت، وهو ما يفسر فرط التهذيب لديه".

الاعتذار إلى الآخرين وسيطرة الأنا العليا

يوضح باسكال نيفو أننا نحاول من خلال طلب المغفرة من الآخر أن نحتفظ بحبه على الرغم من أننا اخطأنا في حقه ذلك أن التعرض للرفض من شخص عزيز علينا يعد من مخاوفنا القديمة المتأصلة فينا. لكن اعتذار المرء إلى الآخرين دون أي سبب حقيقي هو علامة على هشاشته النفسية وشعوره بتدني قيمته الذاتية، وهو يحاول تعويض هذا النقص الذي يعاني منه من خلال الحصول على حب الآخرين وتقديرهم. وترجع هذه الهشاشة بصورة رئيسية إلى مرحلة الطفولة، حيث يقول مختص التحليل النفسي: "عندما يعاني الطفل من سيطرة والديه أو يرتبط بهما بعلاقة تبعية أو يشعر بالتعرض للهجران، فإن ذلك يجعله يقرن تقديره لذاته وحبه لنفسه بحب الآخرين له".

وفقاً للتحليل النفسي؛ ينشأ الشعور بالذنب من الصراع الداخلي بين الأنا العليا، ما يجب فعله أو قوله أو الشعور به، والهو الذي يتضمن دوافع المرء التي تتعارض أحياناً مع الأخلاق الحميدة والصورة المثالية التي كونها عن نفسه.

الاعتذار يمنح شعوراً بالقدرة المطلقة

ويؤكد باسكال نيفو أن اعتذار المرء عن أفعال لم يرتكبها يمثل في الحقيقة اعتذاراً عن أفعال كان من الممكن أن يرتكبها؛ أي أن جزءاً منه (الهو) أراد ارتكابها لكن جزءاً آخر (الأنا العليا) منعه من ذلك، ويعد الاعتذار آليةً لقمع هذا الدافع. لذا فإن الشخص الذي تسيطر عليه الأنا العليا المستبدة نتيجة التربية الصارمة التي تلقّاها، سوف يعتذر عن رغبته الواعية أو غير الواعية في ارتكاب خطأ أو إلحاق أذى بأحد ما، فالنفس في هذه الحالة لا تميز بين رغباتها والواقع. من جهة أخرى يحاول المرء من خلال اعتذاره عن ما لم يقم به أن يتسيد الموقف ويتحكم فيه ويشعر بقدرته على التأثير في الآخرين؛ ما يعزز دون وعي منه تقديره لذاته. ويوضح الطبيب النفسي أن سلوك الاعتذار المستمر يعد محاولة للعودة إلى مرحلة الطفولة حيث كان الطفل يشعر بأن لديه قدرةً مطلقةً على تغيير أي شيء يريده. كما أن إعلان المرء مسؤوليته عن خطأ ما يتيح له التغلب ولو بصورة وهمية ومؤقتة على شعوره بتدني قيمته الذاتية.

كيف يكون الاعتذار في محله؟

رأي مختص علم النفس إيف الكسندر تالمان: "توقف عن محاولة وضع نفسك مكان الآخرين وقبل أن تعتذر إلى أحد ما تأكد من أنك آذيته بالفعل، عبر سؤاله على سبيل المثال عما إذا كان فعلك قد سبب له الأذى. لا تحاول توقع ردود فعل الآخرين أو أفكارهم بل امنحهم الفرصة ليعبروا بحرية عنها وبهذه الطريقة ستتمكن من التواصل معهم بطريقة صحيحة، وستتخلى عن ردود أفعالك الطفولية لتتمكن من تحمل مسؤولياتك تجاه من حولك بطريقة أكثر نضجاً".

رأي مختص التحليل النفسي باسكال نيفو: "لا حاجة إلى الاعتذار عن توافه الأمور، جرب أن تتوقف عن الاعتذار عن كل شيء وانظر إلى النتائج: هل أدى ذلك إلى خسارة حب الآخرين أو تقديرهم أو احترامهم لك؟ في الحقيقة ستكتشف أن مخاوفك حول هذه الأمور كانت أكبر من اللازم، وإذا كان شعورك بالذنب يجعلك عاجزاً أو يسبب لك ألماً كبيراً فنصيحتي لك هي أن تطلب مساعدة مختص، ويمكن لطرق التحليل أو العلاج النفسي أن تساعدك على التخلص من الشعور غير الواعي بالذنب".

تقول سمية ذات الـ 29 عاماً: " من خلال تربية ابنتي كنت أعيد تربية نفسي، فقد علمتها أن تكون مهذبة ولكنني علمتها في الوقت ذاته أن تعرف متى وكيف تعتذر إلى الآخرين، وأدركت خلال ذلك أنني كنت أعتذر دائماً إلى الناس بسبب أو دون سبب، بينما كان الجميع يخطئون في حقي دون إبداء أي ندم وكنت أغفر لهم على الفور. لذا فقد قررت أن أكون أكثر انتباهاً عند الاعتذار إلى أي شخص وأن أطلب ممن يخطئون في حقي الاعتذار إليّ".

يقول ماجد ذو الـ 40 عاماً : "اعتدت الاعتذار إلى الآخرين عن كل صغيرة وكبيرة طوال حياتي، ولم أدرك أنني كنت أعتذر في الحقيقة عن "قدومي إلى الحياة!". كنت الابن الأصغر لأسرة مكونة من 4 أولاد ولم يكن والداي يتوقعان إنجابي. كان إخوتي وأخواتي يكبرونني بسنوات عديدة، ولطالما اشتكى والداي من تقدمهما في السن وشعورهما بالتعب، فشعرت أنني كنت عبئاً عليهما. وفي النهاية ساعدتني جلسات التحليل النفسي على فهم نفسي فهماً أوضح ومسامحتها ومسامحة والداي وشعرت بنوع من التحرر ومنذ ذلك الحين تمكنت من تخفيف شعوري بالذنب".

المحتوى محمي