هل أنت قلِق أم مكتئب؟ في الحقيقة، هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون القلق والاكتئاب معاً، وعلى الرغم من أن القلق والاكتئاب هما اضطرابان منفصلان، فإن أعراض القلق يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب والعكس صحيح، وفي هذا السياق يؤكد مدير مركز القلق والاضطرابات في جامعة بوسطن (Boston University) ديفيد بارلو (David Barlow) أن القلق والاكتئاب وجهان لعملة واحدة؛ فالأشخاص الذين يعانون الضعف يتعاملون مع ضغوط الحياة بقلق، ومن ثم، يصبحون في نهاية الأمر مكتئبين، ولكن كيف يمكنك مواجهة القلق والاكتئاب عندما يأتيان معاً؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
لماذا قد يتزامن القلق مع الاكتئاب؟
توضح المختصة النفسية، جين لالي (Gin Lalli) أن القلق والاكتئاب يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وذلك لأن منشأهما هو منطقة اللوزة الدماغية نفسها، وهي المنطقة المسؤولة عن استجابة القتال أو الهروب أو التجميد، وتضيف لالي أن استجابة البقاء تعود إلى الأسلاف القدامى الذين كانوا يواجهون الحيوانات المفترسة، والمشكلة أنها لم تتطور في العصر الحديث، الفرق هو أن القتال يصبح غضباً، والهروب قلقاً، والتجميد اكتئاباً.
وتشرح المعالجة النفسية، سالي كونولي (Sally R. Connolly) أن القلق والاكتئاب قد يأتيان معاً لأنهما يدوران داخل حلقة مفرغة؛ فعندما تشعر بالقلق، تميل إلى التفكير الشامل في كل المخاوف والمشاكل، ومن ثم، تشعر بالسوء والفشل حيال حياتك، بعدها تنتقل إلى مرحلة الاكتئاب، وتضيف كونولي، إن فرصة الإصابة بالاكتئاب أعلى بكثير عند الأشخاص الذين يعانون القلق، وفي هذا السياق تؤكد جمعية القلق والاكتئاب الأميركية (the Anxiety & Depression Association of America) أن ما يقرب من نصف الأفراد المصابين بالاكتئاب يجري تشخيص حالتهم على أنها قلق أيضاً.
وتعتقد الطبيبة النفسية، كارين جاكوبس (Karen Jacobs) أن القلق والاكتئاب قد يكون أحدهما سبباً للآخر، ولكن لا يمكن معرفة من الذين يأتي أولاً، يشبه الأمر قصة البيضة والدجاجة؛ فالإصابة بالاكتئاب قد تؤدي إلى الشعور بالقلق، والإحساس بالقلق يمكن أن يعزز الإصابة بالاكتئاب، على سبيل المثال، إذا كنت غير قادر على مغادرة المنزل بسبب القلق الشديد، فسوف يؤدي ذلك إلى شعورك بالوحدة والعزلة ما قد يسبب الإصابة بالاكتئاب، وبنفس الطريقة، إذا كنت تعاني الاكتئاب، فقد تشعر بالقلق الشديد بشأن المهام المتراكمة التي عليك إنجازها.
وفي السياق نفسه، يرى استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف، أن القلق يحرمك من أن تعيش اللحظة الحاضرة بسلام، ويجعل عقلك في حالة دوران مستمرة بلا توقف، ما يؤدي إلى زيادة الأفكار السلبية ومن ثم اجترار أفكار الماضي التي تحاول تجاوزها، حتى تصل في النهاية إلى الإصابة بالاكتئاب. وعلى الرغم من أن أفكار القلق والاكتئاب قد تبدو في كثير من الأحيان متشابهة فإنها قد تختلف على نحو كبير خاصة قبل النوم. ووفقاً لما يذكره الطبيب النفسي إبراهيم حمدي فإن المصابين بالقلق يعانون الخوف من المستقبل بينما يغرق المصابون بالاكتئاب في أفكار سلبية حول الماضي.
اقرأ أيضاً: كيف تسهم العواطف في نشوء القلق والاكتئاب؟
أعراض القلق والاكتئاب عندما يأتيان معاً
من المهم أن تتذكر أن القلق والاكتئاب حالتان منفصلتان، ولكن غالباً ما يكون هناك الكثير من التداخل في الأعراض، ومن أهم تلك الأعراض التي تصاحب الحالتين معاً:
- التوتر أو المخاوف غير العقلانية التي لا تفارقك.
- الأعراض الجسدية، مثل التعب والصداع وسرعة ضربات القلب وصعوبة التنفس أو آلام البطن.
- اضطرابات النوم.
- صعوبة التذكر أو اتخاذ القرارات أو التركيز.
- اضطرابات الشهية.
- عدم القدرة على الاسترخاء.
- الشعور بانعدام القيمة.
- الإحساس بالحزن.
- فقدان الاهتمام المعتاد بالأنشطة والهوايات.
- التفكير السلبي.
- فرط التعرق.
- الشعور بانعدام الحافز.
ما أهم أسباب الإصابة بالقلق والاكتئاب؟
لا يوجد سبب محدد يؤدي إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب، لكن هناك مزيجاً من العوامل التي يمكن أن تزيد فرص الإصابة بهما، مثل:
1. الاستعداد الوراثي وطبيعة شخصيتك
تلعب الجينات دوراً مهماً في الإصابة بالقلق والاكتئاب، حيث تنتقل هذه الاضطرابات بين العائلات، وإذا كان أحد أفراد أسرتك مُصاباً بالقلق أو الاكتئاب فقد تزيد فرصة إصابتك بهما، علاوة على ذلك، تلعب طبيعة شخصيتك أيضاً دوراً محورياً، على سبيل المثال، يؤدي انتقاد الذات المستمر والسعي إلى الكمالية، أو وضع معايير عالية لنفسك، إلى زيادة خطر إصابتك بالقلق والاكتئاب.
2. أحداث الحياة المجهدة
تؤثر أحداث الحياة المجهدة تأثيراً بالغاً في زيادة الإصابة بالقلق والاكتئاب، وتشمل هذه الأحداث الإهمال والإساءة في مرحلة الطفولة، والضغوط المالية والاجتماعية، والبطالة والعزلة الاجتماعية والطلاق.
3. الإصابة بالأمراض المزمنة
تؤدي بعض الأمراض المزمنة إلى ارتفاع خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب، بما يشمل الألم العضلي الليفي ومتلازمة القولون العصبي وآلام أسفل الظهر والصداع وآلام الأعصاب، وعلى الجانب الآخر، تؤثر بعض الأدوية في الحالة النفسية وقد تسبب القلق والاكتئاب مثل أدوية القلب والسكري والتهاب الكبد والغدة الدرقية ومنع الحمل.
اقرأ أيضاً: كيف يرتبط القلق والاكتئاب بزيادة احتمالية الإصابة بالجلطات الدموية؟
كيف تتمكن من مواجهة القلق والاكتئاب عندما يأتيان معاً؟
يمكن علاج القلق والاكتئاب سواء حدثا معاً أو على نحو منفصل، وفي معظم الأحوال سوف تستطيع مواجهة القلق والاكتئاب معاً إذا اتبعت النصائح التالية:
1. اعترف بمشاعرك
القلق والاكتئاب حالتان صحيتان لا تحدثان أبداً بسبب الفشل أو الضعف، ولهذا تأكد أن الإصابة ليست خطأك على الإطلاق، قد تشعر بالضيق وتحس بانخفاض الطاقة، لكن معرفة أن الاكتئاب والقلق ناتجان عن أسباب ومحفزات أساسية، وليس عن ذنب اقترفته، يمكن أن يعزز التعاطف مع الذات بدلاً من النقد أو معاقبة النفس.
2. أعِد صياغة أفكارك
أحد الأسباب الرئيسية التي قد تجعلك عالقاً في أنماط الاكتئاب والقلق هو الطريقة التي تفكر بها، ولهذا من المهم جداً استكشاف أنماط التفكير السلبية، ومن ثم محاولة تغييرها وإعادة صياغتها.
3. حافظ على روتينك اليومي
يعزز الروتين اليومي الشعور بالسيطرة والإنجاز، ويسمح لك أن تمتلك بنية منظمة في حياتك، ما يساعدك مساعدة كبرى على تخفيف أعراض القلق والاكتئاب؛ ولهذا ادمج بعض الأنشطة في يومك العادي، مثل تقنيات الرعاية الذاتية التي يمكن أن تحسّن حالتك النفسية تحسناً كبيراً.
4. احصل على قسط كافٍ من النوم
يمكن أن يؤدي عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم إلى تفاقم أعراض القلق والاكتئاب، ولهذا احرص دوماً على النوم جيداً ليلاً، وحاول اتباع الخطوات التالية:
- اذهب إلى سريرك في الوقت نفسه تقريباً كل يوم.
- أطفئ الأجهزة الإلكترونية قبل ساعة واحدة من موعد النوم.
- ابتكر طقوساً مهدئة تساعدك على الاسترخاء قبل النوم، مثل الحمّام الدافئ أو القراءة.
- تأكد أن غرفة نومك مظلمة وهادئة.
5. مارس الرياضة
تساعد ممارسة الرياضة على تخفيف أعراض القلق والاكتئاب، وذلك لأن التمارين الرياضية تعزز إفراز هرمون الإندروفين الذي يجعلك تشعر بالسعادة، علاوة على ذلك، فإن ممارسة الرياضة تشتت انتباهك عن مخاوفك وقلقك والأفكار السلبية التي تحوم داخل رأسك.
6. اطلب المساعدة من الطبيب النفسي
العيش مع القلق والاكتئاب قد يكون أمراً صعباً للغاية، ولذلك يجب الاستعانة بمساعدة الطبيب النفسي المختص، والذي عادة ما يلجأ إلى:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يركز هذا العلاج على تعليمك تحدي أفكارك السلبية ومحاولة استبدالها بأخرى إيجابية، واستخدام مهارات التأقلم وتقنيات الاسترخاء لتقليل التوتر، والتخطيط لسلوكيات استراتيجية تقلل القلق وتعزز حالتك المزاجية.
- العلاج الدوائي: وذلك مثل أدوية مضادة للاكتئاب. تشمل مضادات الاكتئاب مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، علاوة على مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs) والأدوية المضادة للقلق مثل حاصرات بيتا والبنزوديازيبينات.