ما هي نظرية النافذة المكسورة؟ وكيف تساعدك على تجنب الأذى والفوضى في حياتك؟

نظرية النافذة المكسورة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نظرية النافذة المكسورة هي نظرية صاغها بعض علماء الاجتماع في الثمانينيات من القرن الماضي، وتنص على أن الأدلة المرئية على الفوضى وسوء السلوك في مجتمع ما تشجع الناس على ارتكاب المزيد من الفوضى وسوء السلوك، وقد تؤدي إلى ارتكاب الجرائم الخطِرة.

ضع كيساً من القمامة في شارع نظيف وانتظر قليلاً، في حال لم تتعرض للمساءلة ولم يبعد أحد الكيس، فسرعان ما ستتراكم أكياس القمامة إلى جانبه. ولاحقاً، سيرمي الناس القمامة من نوافذ السيارات والمنازل، وقد يشرعون بالكتابة على الجدران وتكسير القناني الزجاجية في أرجاء المكان. إليك مثالاً آخر؛ تخيل مبنىً يحتوي على نافذة مكسورة، في حال لم تصلح هذه النافذة، فإن الناس سيبدؤون بتكسير النوافذ الأخرى، وفي حال كان المبنى غير مأهول، فقد ينتهي الأمر بتخريبه أو نهبه أو إضرام النار فيه. هذا ما يُعرف في علم الاجتماع بـ “نظرية النافذة المكسورة”، وإليك ما تعنيه بالضبط، وكيف يساعدك فهمها على تجنُّب الأذى في حياتك.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما علاجه؟

ما هي نظرية النافذة المكسورة؟ وكيف نشأت؟

في عام 1969، أجرى عالم النفس من جامعة ستانفورد، فيليب زيمباردو (Philip Zimbardo) تجربة فريدة من نوعها؛ إذ وضع سيارتين متماثلتين باللون والطراز والحالة دون لوحات ترخيص في حيّين مختلفين؛ الأول حي فقير مليء بالجريمة في شارع برونكس في مدينة نيويورك، والثاني حي ثري في شارع بالتو ألتو في كاليفورنيا.

وخلال 24 ساعة، نُهبت السيارة الموجودة في شارع برونكس من كل شيء ذي قيمة، وفي غضون أيام قليلة، حطّم المخربون نوافذ السيارة ومزّقوا المقاعد وسرعان ما أصبحت مكاناً يلهو بها الأطفال. في المقابل، بقيت السيارة في شارع بالتو ألتو على حالها لأكثر من أسبوع، حتى قام زيمباردو بنفسه بتحطيم إحدى نوافذها بمطرقة ثقيلة وجلس يشاهد، ثم وبعد فترة وجيزة، لاحظ زيمباردو أشخاصاً آخرين قوقازيين يرتدون ملابس أنيقة ينضمون إلى أعمال التخريب حتى دُمرت السيارة بالكامل.

خلص زيمباردو إلى أنه وفي الأماكن الكثيرة الجرائم مثل برونيكس، تكون الممتلكات المهجورة أمراً شائعاً فيحدث التخريب والنهب على نحو أسرع؛ نظراً لأن المجتمع يأخذ مثل هذه الأعمال أمراً مسلماً به. ومع ذلك، يمكن أن تحدث الجرائم المماثلة في أي مجتمع كان، وذلك عندما يبدي الناس احتراماً أقل للسلوك المدني السليم بسبب بعض الأفعال التي تشير إلى قلة الاهتمام.

اقرأ أيضاً: كيف تصنع “الذكورية السامة” رجالاً بعقول متحجرة وقلوب قاسية؟

وعلى الرغم من هذه التجارب المبكرة الآنفة الذكر، فإن مفهوم نظرية النافذة المكسورة؛ وهي نظرية في العلوم الاجتماعية وعلم الجريمة، لم ترَ الضوء إلا في عام 1982 على أيدي عالمَيّ الاجتماع جورج كلينغ (George Kelling) وجيمس ويلسون (James Wilson)، وذلك بالاعتماد على نتائج تجربة زيمباردو.

تنص النظرية التي صاغها العالمان على أن استمرار وجود علامات وأدلة مرئية على الجريمة والسلوك السيئ والاضطرابات المدنية في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، يدل على الافتقار إلى تطبيق القانون المحلي؛ ما يشجع الناس على المزيد من الفوضى وسوء السلوك وصولاً إلى ارتكاب الجرائم الخطِرة.

بكلمات أخرى؛ عندما تُتَجاهَل الجُنحات الصغيرة مثل نوافذ السيارات المكسورة أو الجدران المشوهة بالكتابات أو أعقاب السجائر المرمية في الشارع، فحينها ستبدأ الجرائم الأكبر والأكثر خطورة الظهور قريباً؛ وذلك لأن النافذة المكسورة (وتُقصد بها أي جريمة أو مشكلة بسيطة) التي تُترك دون تصليح هي إشارة إلى عدم اهتمام أحد؛ ومن ثَمّ فإن كسر المزيد من النوافذ لن يكلف شيئاً ولا عواقب له، وما ينطبق على الأحياء الفقيرة هنا ينطبق على الثرية أيضاً.

اقرأ أيضاً: هل تغير كثرة الاعتذارات نظرة الآخرين إلينا؟

كيف يساعدك فهم نظرية النافذة المكسورة على تجنُّب الأذى في حياتك؟

إذاً ووفقاً لما افترضه كلينغ؛ فإن الإصلاح الفوري للنوافذ المكسورة وتنظيف الأرصفة يومياً يمكن أن يمنع تصعيد سوء السلوك الطفيف إلى جرائم كبرى. وهنا يمكن القول إننا نستطيع أن نُسقط نظرية النافذة المكسورة على العديد من المواقف في حياة كلٍ منا؛ فعدم معالجة المشكلات الصغيرة قد يسبب تفاقمها وتطورها إلى مشكلات كبيرة يصعب التعامل معها.

يقول الاختصاصي الاجتماعي عبدول الشمراني في تغريدة نشرها في حسابه على تويتر تعقيباً على نظرية النافذة المكسورة، إن: “الكثير من المشكلات الاجتماعية في يومنا هذا كانت نتيجة تراكمات لأفعال وسلوكات خاطئة صغيرة تم تجاهلها وعدم معالجتها في الماضي”.

على سبيل المثال؛ إذا كان العمل أو المنتَج أو الخدمة التي تقدمها ذات مواصفات سيئة أساساً، فقد تفكر أن أداء عملك دون المستوى المطلوب لن يضر شيئاً فلا أحد يهتم أساساً؛ أي أنك تخفض معاييرك، وتفضل سرعة إنجاز العمل وسهولتها على الجودة.

حسناً، وفي حال قررت عدم إصلاح الخطأ والتساهل معه، فعليك أن تكون على استعداد لتراكم الأخطاء اللاحقة؛ لأنك تسهم في انتشار ثقافة عدم الكفاءة. بكلمات أخرى؛ إذا بدأت في التسامح والتساهل مع الاختراقات الصغيرة، أو عدم الكفاءة، أو عدم مطابقة المواصفات بالكامل، فسرعان ما ستعاني من سلسلة من المشكلات الوخيمة التي سيرتكبها المزيد من الموظفين، والحل هو أن تأخذ نفساً عميقاً وأن تصلح النافذة المكسورة بالفعل.

اقرأ أيضاً: كيف تكشف كذب الآخرين؟ إليك الطريقة من خبراء نفسيين

تذكّر أن رؤية “النوافذ المكسورة” تجعل الناس يشعرون كما لو أن أحداً لا يهتم، وإذا كانت الأمور سيئة بالفعل، فلن يهتم أحد أيضاً إذا ساءت الأمور أكثر. لذلك؛ إن كان الأشخاص أو الظروف من حولك تُشعرك بأنك عالق أو دون هدف، فينبغي ألا تبقى عالقاً في الأنماط نفسها لمجرد أن هذه هي الحال؛ بل عليك أن تجري الإصلاحات والتحسينات اللازمة في حياتك.

على سبيل المثال؛ إذا شعرت أن علاقتك الزوجية باتت رتيبة وعالقة في الروتين والعادات اليومية، فلا تسلّم بالأمر الواقع؛ بل تحدَّ الوضع الراهن بأفعال صغيرة غير متوقعة من اللطف والحب والتفاعل مع الشريك كلما استطعت.

وإذا وجدت نفسك محاطاً بأشخاص ذوي طموح ضئيل أو معدوم أو لا يفهمونك أو لا يدعمونك؛ ما يسهل عليك أن تبقى راضياً دون أن تطور نفسك ويُفقدك دافعك وشغفك، فعليك ألا ترضى بهذه الحال. أحِط نفسك بأشخاص ملهمين ومؤثرين يدفعونك لتكون أفضل وتحقق النمو والتحسين الذاتي بدلاً من الاستقرار على الوضع الراهن.

ختاماً، أبقِ في ذهنك أنك إذا تركت نافذة مكسورة في عملك أو حياتك أو علاقاتك الاجتماعية مع الآخرين، فلا تتوقع أن تبقى النوافذ الأخرى في مأمن!

المحتوى محمي !!