لماذا يؤمن البعض بنظرية المؤامرة؟ وكيف تتناقش معه؟

نظرية المؤامرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل لديك ذلك الصديق الذي يميل إلى تصديق نظرية المؤامرة ويعتقد أن ثمة عوامل خارجية تتسبب في جميع المشاكل التي تحدث لنا؟ إليك طريقة التحدث معه في هذا المقال؟

ليس كل شيء كما يبدو عليه؛ ثمة جانب خفي من أحداث الواقع، وفي مكان غير مرئي تُنسج خيوط المؤامرات حتى تتحكم فينا وفي معتقداتنا بل وتشكل القرارات التي نتخذها وفقاً لأجندة الخاصة: بهذه الطريقة يفكر الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، حيث يستحوذ عليهم ربط الأحداث وتشبيكها معاً بطريقة خيالية قد يكون لها معنى ولكن حين تتعمق قليلاً سوف تجد أنها تفتقر إلى الدلائل القائمة على الحقائق وتتسم بعدم الاتساق، وفي هذا المقال سوف نتعرف على كيفية التحدث مع الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة.

ما هي نظرية المؤامرة؟

يتناول أستاذ علم النفس الأكاديمي والحاصل على الدكتوراة في علم نفس نظريات المؤامرة روب براذرتون (Rob Brotherton) مفهوم نظرية المؤامرة في كتابه “عقول مُتشكِّكة: لماذا نُصدِّق نظريات المؤامرة” (Suspicious Minds: Why We Believe Conspiracy Theories) وينطلق الكتاب من تعريف قاموس أكسفورد الإنجليزي لمصطلح نظرية المؤامرة بأنها “النظرية التي تُفسِّر وقوع حدث معيَّن أو حدوث ظاهرةٍ ما بأنه ناتجٌ عن مؤامرة بين أطراف ذات مصلحة”

ويوضح الدكتور براذرتون أن الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة يرون أن كثيراً من الأشياء التي تحدث في العالم هي نتيجة مؤامرة بين أطراف ذات مصلحة أو خطط سرية تُدبر بواسطة متآمرون أقوياء، ويضيف براذرتون أن بعضاً من نظريات المؤامرة في ظل ظروف معينة تصبح لديها القدرة على دفع بعض الأشخاص إلى التصرف بشكل أعمى مستشهداً بظلال الشك والريبة التي تحوم دومًا حول اللقاحات الطبية.

لماذا قد يؤمن بعض الناس بنظرية المؤامرة؟

صرحت أستاذة علم النفس الاجتماعي كارين دوغلاس (Karen Douglas) في لقاء لها عبر موقع الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين (American Psychiatric Association) بأن بعض الناس يؤمنون بنظرية المؤامرة من أجل محاولة إشباع ثلاثة دوافع نفسية مهمة؛

  1. الدافع المعرفي: الذي يشير إلى الحاجة للمعرفة واليقين والرغبة في الحصول على المعلومات، وتؤكد دوغلاس إن بعض الناس ينجذبون إلى نظرية المؤامرة عندما يشعرون بعدم اليقين وقتها يلجأون إلى طرق بديلة من أجل فهم الموقف.
  2. الدافع الوجودي: ويقصد به احتياج الناس إلى الشعور بالأمان في العالم الذين يعيشون فيه، وبأن لديهم نوعاً من القوة فيما يتعلق بالأشياء التي تحدث لهم، فالبشر لا يحبون الإحساس بالعجز ويكرهون التفكير في أن الأمور خرجت عن السيطرة.
  3. الدافع الاجتماعي: ويشير هذا الدفع إلى رغبة الناس في الشعور بالرضا عن ذواتهم كأفراد، وأيضاً عن دورهم في المجتمعات التي ينتمون لها، وبسبب تلك الرغبة قد يؤمن بعض الأشخاص بنظرية المؤامرة لأنها تولد بداخلهم إحساس رضا نابع من إمكانية الوصول إلى معلومات لا يمتلكها الآخرون بالضرورة.

خيط رفيع يربط بين نظرية المؤامرة والتعرض للاضطهاد الفعلي 

تشير أستاذة علم النفس بجامعة بيروت هيلجا علاء الدين إلى أن ثمة خيط رفيع يربط بين نظرية المؤامرة والاضطهاد الفعلي؛ فإذا كان الشخص قد تعرض في الماضي لمؤامرة أو كان ضحية لمشكلة اجتماعية أو نبذ مجتمعي أو لرفض بناء على عوامل عرقية وإثنية ودينية فإنه في هذه الحالة سيكون فريسة سهلة للغاية لتبني نظرية المؤامرة، وفي هذه الحالة تؤكد الدكتورة هيلجا على ضرورة الخضوع للعلاج النفسي.

كيف تؤثر نظرية المؤامرة في تفكير الأشخاص؟

يرى أستاذ علم النفس بجامعة نوتنغهام في إنجلترا دانيال جولي (Daniel Jolley) أن بعض البشر يبحثون عن العزاء في نظريات المؤامرة، إلا أنهم نادرًا ما يجدونها حيث أنها جذابة ولكنها ليست مرضية لسبب واحد وهو أن التفكير التآمري يمكن أن يحرض الأشخاص على التصرف بطريقة تزيد من إحساسهم بالعجز مما يجعلهم في حالة أسوأ.

وفي سياق متصل تشير الدكتورة كارين دوغلاس (Karen Douglas) إلى أن بعض الأبحاث النفسية أكدت على العواقب الاجتماعية لنظرية المؤامرة؛ فعلى سبيل المثال وجدت دوغلاس أن الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية مؤامرة مناهضة للحكومة كانوا أقل رغبة في التصويت للانتخابات، والأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة المتعلقة بتغير المناخ أعربوا عن عدم نيتهم لاتخاذ أية إجراءات تتعلق بتقليل انبعاثات الكربون، أما الأشخاص الذين تبنوا نظرية المؤامرة المضادة للقاح فلم يحصلوا على التطعيم.

ويعتقد أستاذ علم النفس الدكتور بدر العمر أن نظرية المؤامرة تشكل بيئة شديدة الخصوبة لانتشار الفكر الخرافي والشعوذة وذلك لأن أنصار نظرية المؤامرة يميلون إلى تفسير كل المشاكل والأزمات وفق عامل خارجي، وعوضاً عن البحث وراء أسباب المشاكل يلجأ هؤلاء إلى المؤامرة.

ما السمات الشخصية لمن يؤمنون بنظرية المؤامرة؟

وفقاً لاستطلاع رأي أجراه موقع إنسايدر (Insider) الأميركي خلال عام 2019 فإن ما يقرب من 80% من الأميركيين يؤمنون بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل، وقد توصلت دراسة بحثية أجرتها مجلة الفروق الفردية الأكاديمية (Journal of Individual Differences) في عام 2018 إلى تحديد بعض السمات الشخصية للأفراد الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ومن أهمها:

  1. لا يثقون في الآخرين.
  2. يؤمنون بأن العالم مكان خطير.
  3. مصابون بطيف الفصام.
  4. مصابون باضطراب جنون العظمة والارتياب.
  5. شخصياتهم نرجسية .

كيف أتحدث مع من يؤمنون بنظرية المؤامرة؟

يعتقد أساتذة علم النفس الاجتماعي؛ ماثيو ماركيز (Mathew Marques) ودانيال جولي وكارين دوغلاس أن الرغبة الأولى التي تنتابنا حين نتحدث مع الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة هي محاولة فضح أفكارهم وذلك من خلال المعلومات المؤكدة والموثقة علمياً ولكن الباحثين الثلاثة يؤكدون على عدم نجاح تلك الطريقة ولهذا يقترحون طرق أخرى للتحدث والنقاش أهمها:

  1. كن منفتح الذهن: استمع جيداً وتجنب الدفاع عن أفكارك ” لا تُشِر بشكل واضح إلى مصطلح نظرية المؤامرة” وأثناء الحوار تأكد من كونك هادئاً؛ إذ يعتقد أستاذ علم النفس جوفان بيفورد (Jovan Byford) أن نظريات المؤامرة غالباً ما يكون لها بعد عاطفي قوي؛ حيث أنها لا تدور حول الصواب والخطأ ولكنها مدعومة بمشاعر الاستياء والغضب من الكيفية التي تدور بها أحداث العالم.
  2. تقبل الاختلاف: حين تكون متقبلاً للطرف الآخر يظهر التعاطف الذي يمكنه أن يسد الفجوة بين اختلاف الأفكار، ولهذا أثناء المناقشة قل أشياء مثل؛ أنا أفهم ما تقوله، أخبرني المزيد، شكراً لك على المشاركة.
  3. فكر بشكل نقدي: إذا كان الشخص الذي تتحدث معه يعتبر نفسه مفكراً نقدياً فأعد توجيه هذه المهارة نحو فحص أعمق لنظرية المؤامرة نفسها؛ اطرح الأسئلة واجمعوا المعلومات معاً من أجل تقييم جميع الأدلة، وحتى إن لم تدحض أفكار الشخص الآخر فأنت على الأقل جعلته يشك في معلوماته ومن الممكن أن يفكر في وجهات نظر بديلة.
  4. شجعهم على التركيز في المستقبل: يؤمن بعض الأشخاص بنظرية المؤامرة حتى يشعروا بأن حياتهم تحت سيطرتهم تماماً، ولذلك عوضاً عن التفكير في أمور تحدث خارج نطاق إرادتنا شجعه على التركيز في المستقبل وعلى جوانب حياته التي يمكنه السيطرة عليها؛ طمأنه إذا شعر بعدم اليقين وساعده على تكوين روابط اجتماعية إذا كان يحس بالعزلة، واجعله يشعر بالقوة والاستقلالية إذا تغلب عليه القلق والخوف.
  5. كن واقعياً: يوضح أستاذ علم النفس جوفان بيفورد أن التحدث مع أنصار نظرية المؤامرة لن يأتي بنتائج فورية ولا تغييراً مفاجئاً وذلك لأن التخلي عن نظرية المؤامرة ليس سهلاً حيث أنها تزرع بداخل الفرد شعوراً بالتفوق وتقدير الذات.

ختاماً، يحدث أحياناً أن تنقلب حياتنا رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، كما حدث في أثناء أزمة فيروس كورونا، وبالطبع نحن نحتاج إلى تفسيرات ونرغب في الحصول على الطمأنينة وآخر ما نود مواجهته هو القلق والخوف، ولكن نظرية المؤامرة ليست هل الحل، حتى لو كانت مرضية بشكل ظاهري وتداعب هواجسنا الداخلية.