ملخص: يقول مختص الأمراض الصدرية وأمراض النوم، لؤي الحسيني، إننا جميعاً نحلم كل ليلة، حتى الذي يظن أنه لا يحلم! لكن ومع ذلك، لا يستطيع الجميع أن يتذكر ما حلم به، وهذا ما أثبته علم الوراثة العصبية. فلماذا لا نتذكّر الأحلام أو ننساها بعد الاستيقاظ مباشرة؟ إليك بعض الأسباب المحتملة.
ينام الإنسان نحو 230 ألف ساعة طوال حياته؛ أي قرابة 26 عاماً من سنوات عمره، ويحدث الكثير من الأحلام خلال هذا الوقت الطويل. لكن إن كان الجميع يحلم، فلماذا لا نستطيع أن نتذكر في كثير من الأحيان ما حلمنا به؟ حتى لو تذكرنا الحلم بعد الاستيقاظ، فغالباً ما تختفي ذكراه سريعاً، فما أسباب هذه الظاهرة؟
اقرأ أيضاً: التحكم في الأحلام: هل هذه الفكرة قابلة للتحقق علمياً؟
ما سبب نسيان الحلم بعد الاستيقاظ من النوم؟
على الرغم من أن السبب الدقيق وراء عدم القدرة على تذكر الأحلام غير معروف تماماً، فإن العلماء قد وضعوا بعض المقترحات التي قد تفسر هذا النسيان. ومن هذه التفسيرات نذكر:
نشاط خلايا عصبية معينة في أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة
توصلت مجموعة من الباحثين في دراسة نُشرت في دورية ساينس (Science)، إلى أن ثمة مجموعة معينة من الخلايا العصبية الدماغية؛ وهي الخلايا المُنتِجة لهرمون الميلانين المركّز، تنشط على نحو خاص في مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، وقد وُجد أن هذه الخلايا العصبية تؤدي دوراً في نسيان المعلومات الجديدة، التي تكون ربما غير مُهمة، عن طريق تثبيط تخزين الذكريات في الحُصين؛ وهو المسؤول عن نقل المعلومات من الذاكرة القصيرة المدى إلى الذاكرة الطويلة المدى.
ونظراً إلى أن الأحلام تحدث في المقام الأول في أثناء نوم حركة العين السريعة عندما تكون هذه الخلايا العصبية نشطِة، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى منع تخزين محتوى الحلم في الذاكرة الطويلة المدى؛ ما يؤدي إلى نسيان معظم الأحلام بسرعة.
بكلمات أخرى: تسهم مرحلة نوم حركة العين السريعة في منع الحمل الزائد للمعلومات. ولمَن لا يعلم ما هي مرحلة نوم حركة العين السريعة؛ هي إحدى مراحل النوم العديدة التي يمر بها الجسم في كل ليلة، وهي تحدث للمرة الأولى بعد نحو 30 دقيقة من النوم، وتتميز بحركة العينين وارتفاع معدل ضربات القلب وشلل الأطراف وموجات دماغية نشطة وأحلام.
على الرغم من ذلك، الجدير بالذكر إن الأحلام تحدث غالباً في أثناء نوم حركة العين السريعة؛ لذلك وفي حال لم تحدث هذه المرحلة على نحو كاف بسبب قلة النوم، أو تناول بعض الأدوية التي تمنع حركة العين السريعة مثل مضادات الاكتئاب، أو اضطرابات النوم مثل انقطاع التنفس في أثناء النوم، أو حدث انتقال من حركة النوم السريعة إلى المرحلة الأولى أو الثانية من النوم قبل استعادة الوعي، فغالباً ما تُنسى الأحلام.
اقرأ أيضاً: لماذا لا نرى هواتفنا الذكية في المنام؟ إليك التفسير النفسي
الذاكرة الانتقائية
يمكن القول، بناءً على الفقرة السابقة، إن الدماغ يميل إلى تجاهل المعلومات العادية أو غير المهمة، فمثلما ينسى الأفكار العابرة أو التفاصيل غير المهمة في أثناء ساعات الاستيقاظ؛ كذلك قد يهمل الأحلام البسيطة والعرَضية؛ إذ يعدّها معلومات غير ضرورية.
قد يحصل ذلك نتيجة أن الدماغ يقلّص في مرحلة نوم العين السريعة، على نحو انتقائي، الروابط التشابكية بين الخلايا العصبية المشاركة في أنواع معينة من التعلم؛ أي يتخلص على نحو فعال من الذكريات غير المهمة، أو ينسى المعلومات الجديدة الزائدة.
يفسر هذا زيادة احتمالية تذكر الأحلام المتماسكة التي يسهّل سردها المنظم عملية تخزينها. أما الأحلام التي تُتَذَكّر طويلاً، فغالباً ما ترتبط بمشاعر شديدة مثل الخوف أو غيره، وقد يُعزى ذلك إلى أن اللوزة الدماغية؛ وهي منطقة في الدماغ تشارك في معالجة العواطف، تؤدي دوراً في تشفير مثل هذه الأحلام المحملة بالعواطف.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تؤكد: كثرة الكوابيس قد ترتبط بسمات شخصية معينة
تأخُّر الحُصين في الاستيقاظ
على الرغم من أن الذاكرة القصيرة المدى تكون نشطة في مرحلة نوم العين السريعة؛ لكنها لا تحتفظ بالذكريات سوى مدة 30 ثانية فقط؛ ومن ثَمّ لا بد من الاستيقاظ بعد مرحلة نوم العين السريعة مدة دقيقتين على الأقل؛ وهو الوقت الذي يحتاج إليه الحصين على الأقل لينقل الحلم إلى الذاكرة الطويلة المدى.
ومع ذلك، عندما نستيقظ من حلم، قد لا ينشط الحصين تماماً على الفور. هذا التأخير في نشاط الحصين يمكن أن يخلق فترة قصيرة تبقى فيها ذكريات الأحلام في الذاكرة القصيرة المدى؛ ولكن دون أن تُنقل على نحو فعال إلى التخزين الطويل المدى.
ونتيجة لذلك؛ على الرغم من أننا قد نتذكر الحلم فترةً وجيزة عند الاستيقاظ، فإن الذكرى قد تتلاشى بسرعة لأنها لم تخزَّن على نحو صحيح. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الاستيقاظ المتكرر في أثناء الليل لا يشير إلى نوم صحي ومريح، وينبغي البحث عن سبب المشكلة وحلها.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يرى البعض أحلاماً في أثناء النوم؟
تغير مستويات بعض الناقلات العصبية
ترتبط القدرة الضعيفة على تخزين الذكريات الجديدة في أثناء النوم أيضاً بالتغيرات التي تحصل على مستويات اثنين من الناقلات العصبية؛ هما الأسيتيل كولين والنورأدرينالين، اللذَين يسهمان على نحو خاص في عملية الاحتفاظ بالذكريات.
فوفقاً لدراسة منشورة في دورية العلوم السلوكية والمعرفية (Behavioral and Brain Science)؛ فإن مستوياتهما تنخفض على نحو كبير عند النوم؛ لكن ومع دخول الجسم في مرحلة حركة العين السريعة، فإن مستويات الأسيتيل كولين تعاود الارتفاع إلى حد يشبه حالة اليقظة؛ لكن مستويات النورأدرينالين تظل منخفضة؛ ما يُضعف قدرة الدماغ على تذكر الأحلام التي تحدث خلال هذا الوقت.
اقرأ أيضاً: هل الأحلام التحذيرية حقيقية أم مجرد أساطير؟
الاختلافات الفردية والسمات الشخصية
تسهم الاختلافات الفردية في تحديد فيما إذا كان الشخص سيتذكر أحلامه أم لا. على سبيل المثال؛ تميل النساء إلى تذكر بضعة أحلام أكثر من الرجال في المتوسط، ويتذكر الشباب أحلاماً أكثر من كبار السن، وتزداد قدرة الأطفال على تذكر الأحلام مع تقدمهم في السن حتى مرحلة البلوغ المبكرة، وبعد ذلك تتراجع قدرتهم تدريجياً.
بالإضافة إلى ذلك، ترتبط سمات الشخصية مثل الانطوائية والانفتاحية بتذكر الأحلام، فالأشخاص الأكثر انطوائية ممن يركزون على عوالمهم الداخلية، يميلون إلى تذكُّر المزيد من الأحلام؛ في حين أن أولئك الذين يكونون أكثر انفتاحاً وتوجُّهاً نحو العالم الخارجي يميلون إلى تذكُّر عدد أقل من الأحلام.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى معنى رؤية الثعبان في الأحلام
كيف تزيد احتمالية تذكرك للأحلام؟
في الواقع، من الممكن تحسين القدرة على تذكر الأحلام، وإليك بعض النصائح الفعالة التي ستساعدك على ذلك:
- احتفظ بمذكرة الأحلام: احتفظ بدفتر وقلم بجوار سريرك، وسجل أي أحلام تتذكرها فور الاستيقاظ، حتى لو كانت مجرد تفاصيل بسيطة، فقد تساعد هذه العملية على نقل الحلم من الذاكرة القصيرة المدى إلى الذاكرة الطويلة المدى. لفعل ذلك، استلقِ ساكناً فور استيقاظك وأغمض عينيك وحاول تذكُّر أكبر قدر ممكن من التفاصيل المتعلقة بحلمك؛ مثل الألوان والأصوات والمشاعر. لا تنسَ أن الذكريات تتلاشى بسرعة بعد الاستيقاظ؛ لذا من المهم فعل ذلك على الفور.
- حدد نيّة واضحة لتذكر أحلامك قبل النوم: قد يبدو هذا غريباً؛ لكنه فعال في بعض الأحيان! فقط أخبر نفسك قبل النوم بأنك تريد أن تتذكر أحلامك عند الاستيقاظ؛ ما قد يهيئ دماغك ليكون أكثر تقبلاً لاسترجاع الأحلام. كلما كان هذا القرار أكثر أهمية بالنسبة إليك، زادت احتمالية تذكُّر أحلامك.
- تجنب الاستيقاظ المفاجئ: حاول قدر المستطاع أن تستيقظ على نحو طبيعي دون منبه؛ لأن الاستيقاظ المفاجئ يصعِّب في بعض الأحيان عملية تذكر الأحلام.
- احصل على قسط كافٍ من النوم: تأكد من حصولك على نوم كافٍ وعالي الجودة؛ إذ يمكن أن تؤثر اضطرابات النوم والتوتر سلباً في القدرة على تذكر الأحلام. علاوة على ذلك، حافظ على جدول نوم ثابت وبيئة نوم هادئة، وقد يساعدك تطوير روتين قبل النوم على الاسترخاء والاستعداد للنوم.
- مارس تقنيات الاسترخاء واليقظة: قد يساعدك الانخراط في تمارين الاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق وممارسات اليقظة الذهنية قبل النوم في تهدئة الذهن، وزيادة الوعي بتجارب الأحلام، وتحسين عملية تذكرها.