ما هي مهدئات الأطفال الرقمية؟ وكيف يمكن تجنب ضررها؟

4 دقيقة
المهدئات الرقمية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

توصلت دراسة علمية حديثة نشرتها مجلة جاما (JAMA) الطبية في أغسطس/آب 2024 إلى نتيجة مفادها أن استخدام الأطفال للأجهزة اللوحية تحت سن 3 سنوات يسهم في اضطراب النمو العاطفي لدى الأطفال. علاوة على ذلك، يؤدي إلى زيادة الشعور بالغضب والإحباط، وقد شارك في هذه الدراسة 315 والداً لأطفال في سن ما قبل المدرسة، وأبلغوا عن ارتباط الأجهزة اللوحية بزيادة مشاعر الغضب والإحباط عند أطفالهم.

ويوضح استشاري طب الأطفال، سعود العمر، إنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الأطفال في سن 3 سنوات ونصف على الأجهزة اللوحية، زادت نوبات الغضب لديهم في سن 4 سنوات ونصف، وإذا زادت نوبات الغضب في هذه السن، ارتفع معدل استهلاك تلك الأجهزة في سن 5 سنوات ونصف؛ ما يعني أن الاستخدام المفرط للأجهزة اللوحية قد يخلق حلقة مفرغة من نوبات الغضب ومحاولات التهدئة الرقمية ثم الغضب مجدداً وهكذا.

ويمكن القول إن الكثير من الآباء يعطون أطفالهم الأجهزة الإلكترونية بصفتها مهدئات رقمية، فما هو تأثير تلك المهدئات في صحتهم النفسية؟ وكيف تُمكن حمايتهم منها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هي المهدئات الرقمية؟

يشرح الطبيب النفسي، إبراهيم حمدي، إن المهدئات الرقمية تعني إلهاء الأطفال الصغار بالأجهزة الإلكترونية من أجل تهدئتهم، ويحذر حمدي من أن تلك الأجهزة تؤثر في صحة الأطفال النفسية والسلوكية بالسلب؛ حيث تؤدي إلى فرط الحركة وتشتت الانتباه والتركيز. وفي بعض الأوقات، يمكن أن تؤدي إلى التوحد الافتراضي أو التوحد الكاذب الذي يعني أن الطفل لديه أعراض التوحد كلها لكنه في الحقيقة لا يعانيه؛ ما يشير إلى أن كثرة مشاهدة الأطفال للشاشات أدت إلى ظهور أعراض شبيهة بأعراض التوحد.

اقرأ أيضاً: ما العوامل المؤثرة في الصحة النفسية للطفل؟

7 تأثيرات خطِرة للمهدئات الرقمية في صحة الأطفال النفسية

تعد مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة فترات مهمة جداً للنمو النفسي والعاطفي والإدراكي للأطفال، وفي العصر الرقمي الحديث، غالباً ما تعمل الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية بصفتها مهدئات للأطفال؛ لكنها تؤثر في صحتهم النفسية تأثيراً بالغاً، وذلك بالطرائق التالية:

1. تأخر النمو المعرفي والعاطفي واللغوي: ترى طبيبة الأطفال المتخصصة في طب الأطفال التنموي والسلوكي، جينيفر كروس (Jennifer Cross) إن المهدئات الرقمية تؤثر في التغيرات البنيوية في الدماغ وتؤدي إلى تراجع النمو المعرفي والعاطفي واللغوي. علاوة على ذلك، فالطفل الصغير الذي يقضي معظم وقته على الأجهزة اللوحية سيكون من الصعب للغاية إشراكه في أنشطة غير إلكترونية؛ مثل اللعب بالألعاب لتعزيز الخيال والإبداع، واستكشاف الأماكن الخارجية، واللعب مع الأطفال الآخرين لتطوير المهارات الاجتماعية والسلوكية.

2. إعاقة عملية التعلّم: يحتاج الأطفال الصغار إلى استكشاف بيئاتهم باستخدام حواسهم كلها للتعرف إلى العالم الخارجي؛ لذلك من المهم جداً أن يتمكنوا من التفاعل الواقعي بعيداً عن الشاشات، فلن يتعلم الأطفال ترتيب المكعبات من خلال الشاشة؛ إنما سيتعلمون من خلال لمس المكعبات، والشعور بملمس ووزن المواد المختلفة، واستخدام التجربة والخطأ لجعل أحدها يتوازن على الآخر. أما قضاء الوقت بصحبة المهدئات الرقمية، فسيعوق عملية التعلم والقدرة على حل المشكلات وتنمية الإبداع.

3. اضطرابات النوم: يمكن أن يؤدي الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات والطبيعة الجذابة للتكنولوجيا والمهدئات الرقمية إلى انخفاض جودة النوم والإرهاق في أثناء النهار، ويمكن أن يؤثر هذا الأمر في صحة الأطفال العامة وأدائهم المعرفي.

4. ضعف المهارات الاجتماعية: يمكن أن يعوق قضاء الكثير من الوقت على الشاشات تطوير المهارات الاجتماعية لدى الأطفال؛ مثل التواصل وجهاً لوجه والتعاطف والذكاء العاطفي؛ وقد يؤدي ذلك إلى ضعف المهارات الاجتماعية. علاوة على ذلك، ربما يؤدي استخدام المهدئات الرقمية إلى تثبيط قدرة الطفل على ملاحظة وتجربة الأنشطة اليومية التي يحتاج إلى المشاركة فيها من أجل التعرف إلى العالم.

5. تشتت الانتباه: يؤدي التعرض المستمر إلى المحتوى الرقمي السريع، إلى تشتت انتباه الأطفال، ويُصعّب عليهم التركيز على المهام التي تتطلب انتباهاً مستمراً، ويمكن أن يؤثر هذا في تطورهم المعرفي والنفسي وقدراتهم على إيجاد المتعة في الأنشطة غير المرتكزة على التكنولوجيا.

6. الاعتماد والإدمان: يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام التكنولوجيا إلى سلوكيات تشبه الاعتماد والإدمان؛ حيث يشعر الأطفال بحاجة قهرية إلى الاتصال المستمر بالشاشات.

7. مشكلات الرؤية: إن التحديق في الشاشة فترةً طويلة يمكن أن يؤثر سلباً في صحة العيون، وخاصة في أثناء المراحل التنموية للأطفال؛ حيث يتعرضون إلى خطر الإصابة بإجهاد العين الرقمي وقصر النظر مع الإفراط في استخدام المهدئات الرقمية.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الألعاب الإلكترونية في الصحة النفسية للأطفال؟

كيف تحد من المهدئات الرقمية لتحمي صحة أطفالك النفسية؟

توصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (American Academy of Pediatrics) بتجنب الشاشات للأطفال الذين تقل سنّهم عن عام ونصف إلى عامين، باستثناء الدردشة المرئية مع العائلة؛ كما توصي بالحد من استخدام الشاشات للأطفال في سن ما قبل المدرسة؛ أي الذين تتراوح سنّهم بين سنتين و5 سنوات، إلى ساعة واحدة فقط يومياً. ويمكن الحد من تأثير المهدئات الرقمية عبر اتباع النصائح التالية:

1. ضع حدوداً لوقت الشاشة: يجب على الوالدين وضع قواعد وحدوداً واضحة حول وقت الشاشة؛ بما يشمل الأوقات والمناطق المخصصة الخالية من الشاشة في المنزل.

2. شجّع الأنشطة البديلة: شجع أطفالك الصغار على الانخراط في مجموعة متنوعة من الأنشطة بعيداً عن المهدئات الرقمية؛ مثل القراءة واللعب في الهواء الطلق والفنون الإبداعية والهوايات.

3. شاهد معهم المحتوى الرقمي كلما أمكن: إذا كان الأطفال سيقضون وقتاً أمام الشاشات، فإن أفضل ما يمكنك فعله هو مشاهدة العرض أو اللعبة معهم لمساعدتهم على فهم ما يرونه. علّق على الأشياء التي تلاحظها، واطرح أسئلة حول ما يحدث، وإذا كان أحد المشاركين في العرض يغني أغنية، فغنِّ مع طفلك. تفاعل معه وكرر المفاهيم بعد انتهاء العرض حتى يحتفظ بهذه المعلومات.

4. حافظ على وقت النوم ووقت تناول الطعام خالياً من المهدئات الرقمية: لا تستخدم الشاشات وقت النوم أبداً؛ وذلك لأن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يمنع إفراز هرمون الميلاتونين؛ ما يؤخر النوم. يجب أيضاً الابتعاد عن المهدئات الرقمية في أثناء تناول الطعام لأنها تجعل الأطفال يأكلون المزيد من الوجبات؛ ما قد يعرضهم إلى خطر الإصابة بالسمنة.

5. كن قدوة: حدد وقت الشاشة الخاص بك، وسيفعل أطفالك مثلك، ففي السن المبكرة للأطفال، يكون الوالدان أهم شخصين في حيواتهم؛ لذلك سيقلدون أي سلوك يرونه، وإذا رأَوا أنك تجلس أمام شاشة طوال اليوم، فسيرون أن هذا مقبول ويرغبون في فعل الشيء نفسه.

المحتوى محمي